مجزرة الشوارب الستالينية

                                                              

                                  خالد القشطيني

 بعد انهيار المنظومة الشيوعية وأفول الحركة اليسارية في العالم العربي، وقيام صدام حسين بتشتيت فصائلها وتصفية قياداتها، لاذت عناصرها بالدول الغربية، حاضنة المجتمع الرأسمالي. وهناك راحوا يتسكعون في مقاهي باريس وفيينا ومطاعم أجوير رود بلندن.

جلسوا يستذكرون الماضي وتجاربهم مع أزلام السلطات وسجون التعذيب، وطبعا ينظمون الأشعار ويغنون القصائد الشعبية. كان منهم صديقي الشاعر زاهد محمد زهدي، أبو عمار. طالما استمعت إليه في قصائده وأغانيه.

وفي لقاء له عام 2000، سأله الأديب العراقي إبراهيم الحيدري ما إذا كان يتذكر القصيدة التي نظمها في سجن بعقوبة، شمال بغداد. أخرج القلم وراح يسطر كلماتها بعناية. سماها مجزرة الشوارب الوديعة. غير أنني أفضل أن أسميها بمجزرة الشوارب الستالينية. أنشد وقال:

إليكم الأرجوزة الحبوبة

سميتها الأرجوزة الأعجوبة

قصتها تبدأ عند «بدرة»

وتنتهي بالسجن في بعقوبة

حيث دخلنا السجن عشرا عشرا

تسبقنا لعابدين البشرى

و«عابدين» واحد من بضعة

لخدمة النظام جاءوا حشرا

جاءوا من الأعماق في الحثالة

وأصبحوا ضغثا على إبالة

فأثقلت أوزارهم عليه

وزيدت الذنوب للثمالة

سيسألني القارئ الفاضل عن سر تغييري لعنوان القصيدة من «مجزرة الشوارب الوديعة»، إلى مجزرة الشوارب الستالينية. والأمر واضح ففي تلك السنوات التي يسميها العراقيون بسنوات الخمسينية الذهبية، اعتاد الرفاق على تطويل شواربهم وتشكيلها بشكل شوارب الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين. وكانت هذه

الشوارب الكثيفة والمسترسلة تزعج المسؤولين في البلد. يروي أبو عمار فيقول: إنهم كانوا يأمرون بقصها وإزالتها عنوة من جذورها وعروقها. يمضي الشاعر فيقول: وبعد أخذ ثم رد قصير نادى عريف السجن حمزة القصير

وكانت المجزرة الوديعة

لتلكم الشوارب الوديعة

حلقا ونتفا أو بحد موسى

محدثة نتائج مريعة

ويمضي قائلا:

وبعد أسبوع أتى للسجن

وهو الذي يعرف ماذا يعني

رأى «أبا مدراس» وهو جالس

في نشوة غامرة يغني

فصاح ما هذا الذي أراه

كيف نمى للكلب شارباه

قال العريف سيدي كأنها

توقد نارا كلما جئناه

فأمر الضابط بحلاقتها ثانية. وهكذا لم يكتفوا بحلاقة الشوارب مرة واحدة، وإنما أخضعوها لتفتيش الضابط أسبوعيا طوال الإقامة في السجن. للتأكد من قلعها قلعا أبديا. وهكذا كان الذي قد كانا أرجوزة نظمتها زمانا

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

724 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع