الأستاذ الدكتور محمد علي خليل المدامغة في ذمة الخلود

                                          

                                                   د.عمر الكبيسي

أنعي الى الاسرة الطبية العراقية وكل أطباء العراق اينما تواجدوا واين ما اغتربوا في شتات الأرض استاذهم وخليلهم واديبهم و وديعهم الاستاذ الدكتور محمد علي خليل حبث وافته المنية في الولايات المتحدة الامريكية يوم 17 كانون الثاني 2013.

بالنسبة لي كان ابو عارف  استاذا ومرشدا وقدوة وزميلا . كان معي في كل وقت احتاجه منذ تلمذتي والى آخر حياته رحمه الله  لم يبخل بتوجيهه وتصحيحه وإسناده لي في السراء والضراء، في الانجازات وفي الاخفاقات ، في الطبابة العسكرية وفي الطبابة المدنية ، قبل الاحتلال وبعده , في بغداد وفي عمان ، بالرغم من فارق العمر كنت أحسه بعمري ومن دفعتي بسبب روح الشبابية التي لم تفارقه والنحافة والطول التي كسته بهيبة العلم والسكينة والوداعة والرشاقة فلم يكن في ذاكرتي الا شابا وسيما ذواقا بملبسه وطعامه وجلساته الهادئة والوديعة .
كان أبو عارف يتابع مسيرة طلابه وزملاءه ويتفقدهم ويفخر بهم وكأن انجازاتهم انجازاته ونجاحاتهم نجاحاته ، بل وكأنهم عائلته واحبابه .
الأستاذ الدكتور محمد علي خليل رمز لمسيرة علمية ومهنية وإدارية وسلوكية نظيفة ونزيهة ، وهو الأديب بحبه للأدب والشعر وهو المؤدب بالقول والفعل لو انتابته سعلة انهاها بكلمة (آسف) ولو تقدم على خطواتك بخطوة او تنحنح بالكلام كان يتبعها  بعبارة (سوري  في الإنكليزية ) التي كانت ملازمة له ، كتب عنه الزميل د سمير حبانه من ذكرياته في الكلية في المرحلة السادسة :
          .
)كانت البداية في الطب الباطني مع الدكتور (محمد علي خليل المدامغة) وهو رجل انيق نحيف الجسم بشعر اصفر خفيف وفي غاية الادب والخلق وهو خريج عام 953 وكانت محاضراته تتضمن موضوعه المفضل (الغدد الصماء ) والمادة العلمية التي يقدمها جيدة جدا ومرتبة بشكل يقارب كتابا مقرراعلينا وكان يشابه البروفسور (روزبيك) بالنحنحة بين حين وأخر تقطعها كلمة الاعتذار المالوفة (sorry) ولم اره يوما منفعلا ولم يرتفع صوته في اية مناسبة ابدا وكان ياخذ بعض مجاميع الطلبة في قاووش 8 بنفس العلم وكرم الاخلاق(.
بعد الاحتلال ارتجت مشاعره  رحمه الله وهو يشهد ويلمس لأول مرة في حياته الاجتماعية انقساما تفوح رائحته بالطائفية المقيتة التي ما كان قد تعود ان ينشقها او يتحسس بها . وفي اوج الصراع الطائفي غادر ابو عارف وزوجته ورفيقة حياته  الدكتورة  لطيفة عارف قفطان بغداد الى عمان وهو يفارق بيته ومزرعته وهواياته التي كان يوليها وقتا كبيرا بعد تقاعده من الوظيفة . ضاقت بهما عمان على سعتها فاستمرا بسفراتهما المكوكية بين الاردن واميركا حيث استوطن ابنه الدكتور عارف وابنته الدكتورة زينه والمهندسة لينا في اميركا الى ان اصيب بوعكة دماغية اقعدته اربعة سنوات جنب احفاده في ولاية مستيوتش بأميركا الى ان وافته المنية هناك ، والى آخر أيام حياته استمر متابعا للوضع العراقي بتفاصيله وكثيرا ما يرسل لي ما تنشره الصحف والمجلات بالشأن العراقي كما كان يتابع ما يستلمه من اخبار الوطن ومن أحداثه وما نكتبه حول اوضاعه ، لقد فارق ابو عارف الحياة وكان كله امل بالعودة اليه آملا بصحوته وسلامته من محنته وكبوته .
ولد المرحوم عام 1932 في الكاظمية ببغداد وتخرج من كلية الطب عام 1953 واكمل دراسة الاختصاص والتدريب بطب الغدد الصماء في انكلترا وعاد بعد حصوله على عضوية كلية الاطباء الملكية ليتولى التدريس في كلية الطب العراقية حيث تدرج فيها الى حين منحه لقب استاذ وشغل منصب عمادة الكلية عام 1978.
اشتهر الفقيد في خبرته الواسعة وحكمته الطبية ومتابعاته العلمية في اختصاص الغدد الدرقية والغدد الصماء حتى عدّ من ابرز الاختصاصيين فيه كما عرف بسعة علاقاته الاجتماعية وحضى بسبب دماثة الخلق باحترام الساسة والأكاديميين والوجهاء في المجتمع العراقي .
رحم الله فقيدنا الاستاذ الدكتور محمد علي خليل المدامغة بفسيح جناته والهم زوجته وعائلته الصبر والسلوان وستبقى ذكراه الخالدة بين جموع محبيه وزملاءه وتلامذته ومرضاه معطرة بالعرفان والوفاء .
وهكذا كتب الله لعلماء واطباء ورجالات العراق و وجهاءه الاغتراب والتشرد في أعمار متقدمة ما كانوا يوما يفكرون بان تكون أوضاعهم كما هم عليه الآن في حياتهم ، في حين تدفن جثامينهم بعد وفاتهم في مقابر مدن ودول على امتداد الأرض الواسعة بعيدا عن مقابر اهلهم وذويهم بدلا من أن تحتضنهم ترب العراق الذي أعزهم وأعزوه وخدموه بعلمهم وعملهم  ، محرومون من توديع الأحبة لا تحمل جثامينهم الى هذه المقابر الا أعداد ممن هم حوله من المعارف لا تتجاوز اعدادهم عدد اصابع اليدين . إنا لله وإنا اليه راجعون .
عمان في 18 كانون الثاني 2013.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

749 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع