تاليران ظريف فرنسا الأول

                                                    

                            خالد القشطيني

يظهر أن ظرف تاليران الوزير الفرنسي الدائم، مكنه من التناغم والتعايش مع شتى الأنظمة الفرنسية التي تلت مرحلة الثورة. وهو ما جعل كثيرين يصفونه بالمتقلب. بيد أنه برر سلوكه يومًا بقوله إنما هو يخدم فرنسا. الأنظمة زائلة ولكن فرنسا خالدة. وهو يضعها نصب عينيه.

ومع ذلك فقد وقف يومًا موقفًا صادقًا عندما اصطحبه نابليون بونابرت وزير خارجية إلى موسكو، ليخطب له ابنة قيصر روسيا. وبعد الولائم والبروتوكولات حدث أن اختلى القيصر به وسأله عن رأيه حقًا في هذا الزواج. فهمس في أذنه: «كلا. لا تعط ابنتك له. فهذا الرجل أيامه معدودة».

هكذا رفض القيصر الخطبة. وأحس نابليون بما جرى، فما عاد إلى باريس حتى انهال عليه بالشتائم. وتلقاها بوجهه الباسم المعتاد! وانهال عليه بالشتائم في مناسبة أخرى. سمع نابليون (وكان زير نساء) أن زوجة أحد وزرائه كانت تخون زوجها. قال لتاليران: لماذا لم تخبرني بذلك؟ قال له: لم أكن أعتقد أنه خبر يهمك كثيرًا!

كان حقًا قمة من قمم الظرف والسخرية. التقته امرأة حولاء العينين فأرادت أن تسخر منه، وتاليران كان أعرج. فقالت له: «كيف ماشي بهالدنيا يا مسيو تاليران؟».. فأجابها: «مثل ما تشوفين يا سيدتي»! سقط نابليون بالفعل ومات بعد سنوات. جاءه بخبر الحدث فقال: «هذا نبأ، وليسى بحادث».

وعمد الملك لويس الثامن عشر إلى إصدار دستور جديد. عرضه عليه يستشيره فيه.

قرأه ثم قال للملك: لا بأس ولكن فيه عيب مهم. عاد الملك وسأله: وما هو؟ قال: هذا الدستور لم ينص على رواتب نواب المجلس. فقال له الملك: أريد أن تكون مناصبهم مجانية دون أي راتب. فذاك يجعلهم أرقى مقامًا في أعين الشعب والدولة.

فأجابه تاليران: «صحيح يا مولاي. ولكن المجانية تكلف غاليًا»! وفي لقاء آخر مع الملك، كانا يتناولان العشاء. فتلطف الملك وذكر أنه سمع أن ملكًا في الهند كان يجتمع مع وزرائه، بحيث يجلس كل واحد منهم وراء إبريق كبير، بحيث لا يظهر من الوزير غير رأسه. ضحك الملك وسأل تاليران: «أيمكن أن يكون هناك موقف أغرب من ذلك؟».

أجابه الوزير: «نعم يا صاحب الجلالة. موقف الأباريق وهي تتصرف بشؤون الدولة»! بدأ تاليران حياته كاهنًا في الكنيسة، وارتقى إلى منصب عال فيها. ولكن كان من جملة تقلباته الخطيرة تحوله إلى الإلحاد بعد الثورة الفرنسية وتماشيا معها. ولكنه نزل من عربته ووقف احترامًا وأدى التحية عندما مر أمامه موكب ديني. سألوه: «ما هذا؟ وأنت تركت الدين والكنيسة منذ زمن غير قليل».. فأجاب قائلاً: «إذا كنا لا نتكلم مع بعض، أفلا يصح لك أن تسلم على من تعرفه؟»

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

569 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع