سؤال الأخلاق والسياسة في بلاد الغرب

                                                         

                            د. علي محمد فخرو


هناك سؤال طرح عبر القرون: هل على الأخلاق أن تتبع السياسة، أم أن على السياسة أن تتبع الأخلاق؟ في الحالة الأولى تكون المبررات السياسية هي التي تحكم المواقف والقرارات والقوانين، بينما في الحالة الثانية تكون القيم الأخلاقية هي الحاكمة للمواقف والقرارات والقوانين، حتى ولوكان ذلك على حساب منافع أو مقتضيات سياسية ملحة وضاغطة.

عبر تاريخ الفكر السياسي طرحت أسئلة فرعية كثيرة تنتمي لهذا الموضوع البالغ الأهمية.
فاذا كنا سنطلب من الفرد أن يعيش حياة أخلاقية فاضلة، فلماذا لا نطلب من الدولة وسلطاتها أن تعيش حياة أخلاقية فاضلة؟ وبالتالي، اذا كنا سنعتبر السرقة التي يقوم بها فرد قضية أخلاقية، فان المنطق أن لا نقبل بأن نصف قيام أعضاء البرلمان بالسرقة قضية سياسية، ويصفها البعض بأنها فساد سياسي ، في حين أنها رذيلة أخلاقية.
ولكن ينبري البعض بالقول بأن مشاكل السياسة ليست دائما، ولا حتى جزئيا، نابعة من مشاكل أخلاقية، فلماذا اقحام الفلسفة الأخلاقية في حقل الفلسفة السياسية؟ ويذكرنا هؤلاء بأنه في حين أن الأخلاق تتطلب أن لا يضار أحد في المجتمع لأي سبب كان، فان الضرورات السياسية كثيرا ما تفرض التضحية بالبعض من أجل مصلحة الوطن. بل ويذكرنا بما يعرف في عالم السياسة «باليد الوسخة» المتمثلة في ضرورة الكذب واخفاء الأسرار وأحيانا ضرورة التجسس على هذه الجهة أو تلك، وهي بالطبع ممارسات لاتقرها الفلسفة الأخلاقية.
نحن أمام موضوع ليس بالأكاديمي ولا بالفلسفي كما توحي تلك المقدمة. انه موضوع الساعة في أرض العرب، في هذه اللحظة التي يعيشها العرب. وهو موضوع يتحدى كتاب السياسة وممارسيها على المستويين الحكومي والمدني.
ذلك أنه باسم الواقعية، وباسم اعلان موت عصر اليوتيوبيات والايديولوجيات، يتخطى البعض الخطوط الحمر القومية وتنقلب الحياة السياسية الى ممارسات انتهازية لا تخضع الا لمعايير النفعية والاصطفافات الطائفية والتحالفات مع الخارج. من هنا غياب المعايير الأخلاقية، اضافة لغياب المعايير القومية والأخوة الاسلامية والمسيحية، في التعامل مع السلطات الصهيونية في فلسطين المحتلة وأنظمة استخباراتها.
من هنا أيضا التأييد بالمال والسلاح والتدريب لقوى تكفيرية تستبيح الأعراض وتقتل الأبرياء وتشوه براءة الطفولة.
من هنا أيضا التطبيق لأفكار ما كيا فيلي الشهيرة التي شرعت بأن الغاية في السياسة تبرر الوسيلة، وسيلة المناورة البارعة اللا أخلاقية والتي يجب أن يكون هدفها الأساس الحفاظ على الأمن والنظام، أي الاستقرار السياسي، حتى لوكان ذلك على حساب كرامة البشر وحقوقهم الانسانية والعدالة في توزيع الثروة والسلطة والمكانة.
من هنا فاجعة ارتداد بعض المفكرين والمناضلين القدامى، ممن رفعوا رايات أحلام أمتهم في وحدتها وتحررها وعدالة مجتمعاتها، الذين تبنٌوا ما اعتبروها الواقعية العاقلة الناضجة، واللاأخلاقية في كثير من جوانبها، وبذلك خانوا أحلام وآمال أمتهم وخانوا ضمائرهم.
تلك، وغيرها كثير، ظلال قاتمة في مرآة الواقع السياسي العربي. انها انعكاس لأزمة أخلاقية ضميرية تسمح لأن تصافح الأيدي العربية من تلطخت أياديهم بدماء شعب العراق من أمثال توني بلير وجورج بوش، وتسمح بأن يجلس بعض المسؤولين العرب مع مجرمين صهاينة من أمثال نتانياهو، ممن قلبوا فلسطين الى أرض الدماء والدموع والخراب والسجن الكبير.
هكذا تتجاهل قيمة أخلاقية تتمثل في التعاضد الانساني ويداس على قيمة أخلاقية وطنية تتمثل في الانتصار للأخ المظلوم والمنكوب. ويزيد من فداحة الأمر أنه في الوقت الذي يداس فيه على تلك القيم في أرض العرب تزداد الأصوات المطالبة بأخذها بعين الاعتبار وتفعيلها على الأخص بالنسبة لقضية فلسطين، وذلك عبر الكثير من بلدان غير العرب.
يستطيع الانسان أن يتفهم ظروف العجز عند هذا النظام العربي أو ذاك، ويستطيع تقدير ضرورة استعمال أسلوب الأخذ والعطاء في الساحات الدولية، وبالتالي يستطيع الانسان تفهم عدم قدرة الأنظمة العربية على المقاومة والرفض بالنسبة لكثير من قضايا العرب. فالمآسي التي يعيشها العرب شلت الارادة وأضعفت القدرات. لكن مالا يمكن فهمه هو حجم التخلي، وتبرير ذلك التخلي، عن أقدس القيم الأخلاقية الفاضلة في التعامل مع الكثير من الملفات السياسية في وطن العرب باسم الواقعية وقلة الحيلة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

841 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع