عصابة دولة، ودولة عصابة

                                                          

                                    إبراهيم الزبيدي

هذه المقالة موجهة لقرائنا العراقيين، وتخصيصا لأولئك المدافعين عن حكم الفريق العراقي الإيراني الذين يعتبرونه حكم الطائفة، ويرفضون على ضوء هذه القناعة الواهمة، أي نقد يوجه لهذه الشلة الحاكمة حتى لو صدر من هيئات أممية محايدة لا ناقة لها لدى الشيعة ولا جمل لدى السنة، ولا لدى غيرهم من أجناس الشعب العراقي وطوائفه، أملا في أن يُخدموا عقولهم ويغسلوا ضمائرهم مما علق بها من تعصب ووهم.

فعلى مدى 13 سنة ظل المئات من المحققين والكتاب والسياسيين العراقيين والعرب والأجانب، والملايين من العراقيين، شيعة وسنة، عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحيين، يواجهون من قبل هؤلاء المُضلَّلين من الشيعة المتعصبين، بالشتم والتكفير والدس والاختلاق، واتهامهم بالتحامل على قادة (حكم الطائفة) في العراق، وعلى الجارة المحبة والخيّرة الرحيمة إيران، ويعتبرون الشهادات الدولية الموثقة عن الخطف والتمثيل بالجثث ونهب المنازل التي تدخلها الميليشيات، وعن اختلاس المال العام بالمليارات وتهريبها إلى دبي وبيروت وعمان ولندن وباريس ضربا من التشويش والافتراء.

ومع الإقرار بأن المشاركين الآخرين في السلطة بالمحاصصة لا سلطة حقيقية لهم، وأنهم مجرد تعبئة فراغ وترقيع، فإن قادة الائتلاف الشيعي هم المستأثرون بالحكم اليوم. ورغم أن البعض من أعضاء الائتلاف الشيعي الحاكم كشف حقيقة ما جرى على أيدي قادة حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري، إلا أن الكثير من العراقيين كانوا بين مصدق ومكذب، ما دام أي منهم لم يحاكم ولم يثبت عليه ما يُتهم به من جرائم.

لكن ظهور قائد إحدى أهم الميليشيات، (المعمم واثق البطاط) زعيم ميليشيا جيش المختار، بشهادة من الوزن الثقيل والثقيل جدا، هو دليل صارخ على ما كان يقوله العراقيون والعرب والعالم عن هؤلاء.

فحديثه لقناة “هنا بغداد” عن حقيقة الحكام الإسلاميين في العراق مرعب وخطير. فقد أقسم (بالله العظيم ونبيّه الكريم)، على شاشة التلفزيون على أنه صادق، لا يقصد الإساءة (لرفاقه) الحكام المعممين، ولكنها شهادة لتبرئة نفسه أمام الله يوم القيامة. مؤكدا أن لديه أدلة ووثائق لا تقبل الطعن.

يتحدث عن نوري المالكي ويقسم بـ(الله العظيم ونبيّه الكريم) على:

- أن 99 بالمئة من جرائم الخطف التي تمت وتتم في العراق قام ويقوم بها رجال المالكي ويلصقونها بالميليشيات الأخرى.

- يدخل رجاله كسالى ومخمورين فيعتدون على النساء والشيوخ ويبعثرون أثاث المنازل وينهبونها.

- يقول: هكذا يقول السنة وهم صادقون عن المعاناة التي عانوها على أيدي تلك القوات.

- لدي أدلة ووثائق تؤكد ما أقول، لم أقدمها للقضاء لأن القضاء مملوك له ولرجاله.

- حزب الدعوة قدم تضحيات في الماضي، ولكن حزب الدعوة الحاكم اليوم ليس حزب الدعوة القديم.

- لقد استمات ليتسلّم قيادة الحشد الشعبي، وقد أعطيها في النهاية.

- وعلى ذلك فليس أمام المواطن العراقي اليوم سوى أن يبحث عن مكان في دبي أو غيرها يلمُّه.

- أنادي نوري المالكي: اخرج لشعبك واعترف له بسذاجتك، وصارحه بأنك دمّرت البلاد، ثم قدّم نفسك للمحاكمة لتُعدم.

- نوري المالكي وإيران يتحملان مسؤولية كل قطرة دم سُفكت في العراق، وسوف يحاسبان حسابا عسيرا.

- حكام العراق الشيعة همُّهم المناصب والنساء والولدان المخلدون.

- لم آت إلى هنا لأكشفهم، لأنهم مكشوفون. ودبي وبيروت تشهدان عليهم. فلم يبق مكان في بيروت لم يشتروه.

- المالكي طار إلى بيروت لكي يلمّ فضيحة ولده الذي هرّب مليار دولار إلى بيروت.

فهل هناك شهادة أخطر من هذه؟ والحقيقة التي دار البطاط حولها وحار، وحاول إيصالها إلينا بالتلميح والترميز، هي أن الذي جعل من العصابة في العراق دولة هو المرشد الأعلى ومعاونوه وقادة حرسه الثوري ومخابراته الذين جربوا سلوك العصابة على مواطنيهم وتيّقنوا من نجاحه في حماية نظامهم، وفرض هيمنته على البلاد والعباد في إيران ذاتها، بقمع المعارضين، والمشكوك في إخلاصهم لمبادئ الإمام، وأهداف النظام، حتى لو كانوا من كبار رفاق الخميني نفسه. ومن أول تسلطهم على الحكم في طهران اغتصبوا حريات القوميات غير الفارسية، ومنعوا أي محاولة من أيٍ من مواطنيها للمطالبة بالحقوق التي كفلتها الأديان والقوانين الإنسانية. حتى جعلوا إيران على رأس قائمة الدول في حالات الإعدام والإرهاب.

وشيئا فشيئا أصبح سلوك الحرس الثوري والباسيج أقرب إلى سلوك رجال العصابات وقطاع الطرق من أي شيء آخر.

ومن نتائج نجاحهم في سلوك العصابة في الداخل تحوّل إلى عقيدة راسخة ومنهج عمل ثابت أغراهم باعتماده وسيلة لتصدير الإرهاب إلى الدول المجاورة.

ففي العراق لا يحترم النظام الإيراني غير العصابات التي أحسن تأسيسها ودرّبها على القمع والظلم والفساد والاختلاس، لإرهاب العراقيين وتركيعهم، وتحويل العراق إلى مستعمرة مستسلمة للولي الفقيه.

وفي لبنان عصابة حزب الله التي عطّلت حياة اللبنانيين وشلت الدولة، وجعلتها أقرب إلى الدولة الفاشلة، والمستعمرة الفارسية بامتياز، صناعةُ النظام الإيراني من أول ولادته وحتى اليوم.

وفي سوريا لم يعتمد النظام الإيراني على جيوشه وحرسه الثوري في البداية، بل فضل تجييش ميليشياته اللبنانية والعراقية والأفغانية واليمنية للدفاع عن عصابة بشار الأسد التي كانت بارعة في حكم الشعب السوري بالرعب والقتل، تحولت إلى تلميذة خائبة أمام أساتذة الفنون الإيرانية في الإرهاب وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، وفي هدم البيوت على رؤوس أصحابها.

وفي اليمن لا يستحي المعمّمون الإيرانيون من المفاخرة بأبوّتهم لعصابة الحوثيين، وتحويلها إلى (حزب الله) يمني يزايد على (حزب الله) اللبناني.

في البحرين لم يتأخر النظام الإيراني عن مد عصابة المعارضة الشيعية بالمال والسلاح والخبراء والمدربين، لإضعاف الدولة تمهيدا لضمها إلى ممتلكاته وتحويلها إلى قاعدة متقدمة لزعزعة استقرار باقي دول الخليج.

في فلسطين لا يُخفي الملالي دورهم في احتضان حماس والجهاد الإسلامي وتلقينهما فنون العصابات في الإرهاب باسم فلسطين، وباسم تحريرها من النهر إلى البحر.

وهكذا تخلى الملالي عن الدولة في إيران وسياساتها وقوانينها، وجعلوها عصابة تملك تجمعا واسعا للعصابات، تديرها في المنطقة والعالم. وآخر وقائع سلوك العصابة ما يفعله الإيرانيون وعبيدهم العراقيون في مسألة تحرير الموصل من الداعشيين.

فلكي يخدعوا أهالي الموصل والحشد العشائري لنينوى وقوات التحالف الدولي وقوات البيشمركة والقوات التركية الموجودة في قضاء بعشيقة، الرافضين لدخول الحشد الشعبي إلى المدينة بعد تحريرها، بعد أن هددوا بالثأر من أحفاد “يزيد”، فقد عمدوا إلى الاندساس في صفوف الجيش العراقي.

وتحسبا لفشل الحشد الشعبي في دخول الموصل، فقد دخل الحرس الثوري الإيراني إلى كردستان العراق، تمهيدا لدخولها بحجة تحريرها، كما فعلت هي وميليشياتها في مدن عراقية أخرى من قبل، بشهادة قائد ميليشيا جيش المختار، واثق البطاط.

فقد أعلن مسؤول أمني كردي أن “أجهزة الأمن الكردية ترصد منذ أكثر من شهرين وجود قوات الحرس الثوري الإيراني في قاعدة بمنطقة هورامان، القريبة من مدينة حلبجة، وأن هذه المنطقة متداخلة ما بين الأراضي العراقية والإيرانية، حيث تجري هناك تدريبات قتالية، ونعتقد بأن عناصر من الميليشيات العراقية تسللت من خانقين أو بدرة، تتدرب في هذه القاعدة أيضا”. وتوقع المسؤول الكردي أن تجتاز قوات الحرس الثوري أراضي إقليم كردستان للوصول إلى تخوم الموصل، لا سيما وأن الطرق المؤدية من الإقليم، هي الأقرب إلى هدف هذه القوات عند حدود مدينة الموصل. هل بعد هذا كله يعترض معترض على أن هذا زمن حكم العصابات؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1207 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع