قصص بين الحقيقة والخيال تنقصها الصراحة - ثانياً / الأســتـاذة ســراب !

                                                                        

                           الدكتور عبدالــــــــرزاق محمــــــد جعــفـــــر
                         استاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقا

                    
 قصص بين الحقيقة والخيال تنقصها الصراحة - ثانياً / الأســتـاذة ســراب !

في نهاية التسعينات وفقتُ للعمل كأسـتاذ زائر في جامعة صـفاقس , في الجمهورية التونســية,... وبعد ايام من مباشـرتي العمل , رغبت بأسـتخدام جهاز الحاسـوب ( الكمبيوتر),فسـألت طالباً عن مكانه , فصحبني الى" قاعة الكمبيوتر", المخصصة لأسـاتذة الكلية, وتوجهت نحو اقرب جهاز شـاغر.

                
 
جهاز الكمبيوتر
*** كانت بقرب ذلك الجهاز,امرأة في حدود العقد الثالث من عمرها, وقبل ان اهم بالجلوس, حييتها  بتحية الصـباح ورًدت بأحسـن منها,وسألتها عن امكانية اسـتخدام الجهاز الذي بجنبها, لوجود بعض الكتب بالقرب منه, وبالحال وافقت, وازاحت تلك الكتب جانباً, ورحبت بي بكل حرارة.
*** شـكرتها, ومن دون ان ادري تمعنت في وجهها وشـعرت بأحسـاس نحوها ,.. وســـحبت المقعد قليلاً , وتهاويت فيه , متعوذاً من الشـيطان الذي أجج عواطفي , وبسـرعة هيمنتُ على عواطفي , ورحت اتطلع تارة في الجهاز , وتارة  نحو تلك الأنثى , التي حباها الله ببســمة "المونليزا" كما وصـفها الشـاعر ابراهيم ناجي, في  قصـيدة الأطلال :

واثق الخطوة  يمـشي  ملكاَ

ظالم الحسن شجي الكبرياء
 
*** لمتُ نفسـي على هذا  التقوقع في شـرنقة الحياء, وسَـرحت مع احلام اليقظة, ثم رغبت بالتعرف بها, ونســيت انني اسـتاذ جامعي, عليه ان يتحلى بالمثِل والأسـتقامة ليكون قدوة للطلبة !
*** بدأت الصـور تتراقص في مخيلتي متأملاً الوصـول الى طريقة ما للتحدث معها ولم افلح, وبعد لحظات من التفكيرالمعمق الذي كاد ان يشـــل ذهني, تفتقت عبقريتي عن ســؤال سـاذج , وكسـرت حاجزالصـمت الرهيب بيننا, وتلعثمت بالنطق كالتلميذ الممتحن شـفهياً, وقلت لها :
 " عفواً, يا آنسـة,انني لا اجيد اللغة الفرنسـية, فهل تساعديني على تشـغيل جهاز؟!
*** رحبت بطلبي , وسـحبت مقعدها فألتصـق بمقعدي وقومت شـعرها المسـترسل على وجهها بخفة ودلال ,وبان وجهها كالقمر ليلة الرابع عشـر من الشـهر,...وبدأت بالشـرح  بكل همة وتعجبت من قدرتها في تشـغيل الجهاز , ثم طلبت مني اسـتلامه, مع بسـمة مزقت ما تبقى من كياسة المهنة,... وايقضت" العبد لله ", من سـبات طال امده, اوقل , أججت شـقاوة الصـبا, ودفعتني لطرح سـؤالاً ليـس له اي معنى, وقلت:  " هل انتي طالبة هنا؟!.. وما هو تخصصك؟ ".
*** كانت تجيب بصـوت عذب مفعم بنشـوة , ونظرات بريئة او قل مؤدبة,... ولذا تشـجعت وطرحت استفساراً آخر في منتهى الغباء," وهل سـبق وان التقيت معك؟"
*** تجهم وجهها , وابتسـمت بحياء, وقالت, لا,.. لم يحصـل لي الشـرف, هذه اول مرة ارى سـيادتكم هنا, ثم ركزت نظراتها وتطلعت نحوي  بأمعان,وقالت: شــكون انتي!!؟ ( وفق لهجتها الشـعبية, .. اي من اي بلد انت؟!).
***  قدمت لها نفســي بأيجاز, وبادرت فوراً بتقديم نفسـها, وتبادلنا شـتى المعلومات  وحدثتني عن نشـاطها العلمي, فهي حاصلة على الماجسـتيرو تحضِرلنيل الدكتوراه!   
*** تعهدت لها بالمسـاعدة في مجال البحث, لتشـابه تخصصنا الضِيق,وبالخصوص في انتقاء المصـادر باللغة  الأنكليزية التي اجيدها,.. وقيًمت موقفي ,... ثم دخلنا في الأمورالأكادمية بالرغم من الظواهرالتي تدل على أن احاسـيسنا متبادلة , تدل على  تغييرالحديث الى ما يسـلينا.
*** سـرحت مع احلام اليقظة , بعد ان وجدت نفســـي وجهاً لوجه امام ملاك مكللا بهالة من الأشـعاع  اللامرئي , كأشـعة الليزر, تحـس بها ولا تراها, فكلماتها نغمات شــجية,..فهي كما ردد الفنان كاظم السـاهر: "كلك على بعضك حلو" !
 ***اســتمر الحديث كلما سـنحت الفرصـة لطرح اي سـؤال, حتى من دون مغزى!,
 وكانت تجيب بصوت خافت وبســـمة , جعلتني فاقد الوعي لأعوم في بحرالأوهام !
*** اسـتمرحديثنا مؤطراً بكلمات المجاملة , وزادتني اعجابي بفكرها المتحضر,.. وشـموخ المرأة التونســية واعتزازها بنفسـها , وهكذا, قادتني في مسـارات كلاميةبفم عذب المناداة رقيق,.. فاق  ما  ســـمعته في مســـيرة حياتي السـابقة.
*** اقترحت عليها تغيير المكان لشـرب القهوة, فوافقت, بشـرط ان يكون في مقهى داخل حرم الجامعة , ولم امانع وسِـرتُ وفق رغبتها , وتوجهنا نحو مقهى الكلية .
                  

مقهى الطلبة
***أخبرت نادل المقهى بطلباتنا,..ولم تسـمح لي بدفع ثمن القهوة, وكان النادل في حيرة, ثم ادرك من لهجتي انني ضـيف, وقال لي : " سـيادتكم ضـيفنا",.. المشروب على حسـابي , فشـكرته وثمنت هي موقفه وقالت له :  "يعيشًــك " !
*** تناولنا فناجين القهوة , ورحنا نبحث عن مكان شـاغر, لنكمل فيه ما يختلج في خواطرنا من احاديث يبغي كلا منا ايصـالها للآخر,.. ووجدنا المكان وعدنا للحديث من حيث انتهينا, وتناولنا شـتى المواضـيع , وانتزعت مني ما كانت ترغب معرفته ولم ابخل او اتردد في الأجابة بكل صـدق وصـراحة !
*** ابدت ارتياحاً منقطع النظير لسـيرتي العلمية, وحدثتني عن سـيرتها , ولمسـت بعض الغموض في حديثها, وذهلت لأيمانها بالميتافيزيقية ( علم ما وراء الطبيعة) , وسَـردَت لي حوادثاً لم اسـتطع ادراكها, ولم ابدي اسـتغراباً من احاديثها , فقد قرأت عن تلك الحوادث الخارقة لقوانين الطبيعة, وقلت لها: " لندع الخلق للخالق " !
*** لم اقابل من قبل امرأة بهذه العفوية , او قل , البراءة المؤطرة بثقة ذاتية عالية, وسـعادة طافحة على خلجات وجها ووجنتيها المتوردتين,.. وها هي امامي كبدرفي ليلة الرابع عشـر من التقويم الهحري.
*** كان الصـمت يسـود حديثنا احياناً, واشـعر بشـعاع عينيها, يخترق جســدي الذي
اضـمرته هموم الزمان , وزدت أعجاباَ بها,... من دون ان تراودني اية رغبة في تخطي حدود الأدب, وكنت أختلس بين الحين والحين,نظرات للتمعن في تضـاريس جسـدها وصـدرها النافر, وليـس لي القدرة الآن  للتعبيرعن المشـاعر التي اعترتني في وقتها,وبدأت اشـك في ذاكرتي ولا ادري اذا كان ذلك المشـهد حقيقي ام خيال !, وكل ما اتذكره,هو تواجدي في محراب راهبة  نســت انها امرأة ,... او قل انعدمت لديها الأحاسـيـس الدنيوية!, واتشـحت بوشـاح الأدب والعلم  والفن, وتأطرت بالحب والمودة للآخرين , ولا تسـعى لأي مكسـب مادي اومعنوي.
*** وبالرغم من كل ما ذكرته, احسـسـت بفرحتها لمودتي لها , بالرغم من الفوارق  الظاهرة !,.. وبكل رقة وادب , طرحت فكرة الوداع, وكتبت لي رقم هاتفها البيتي,  متمنية اللقاء مرة أخرى , بنفــس غرفة " الكمبيوتر",  وهًممًت بتوديعها ورفضـت, ولم توافق حتى بمصـاحبتها الى بوابة المقهى, ثم  رجتني بالبقاء في مكاني, لبضـعة دقائق , وان لا اتبعها البته !
*** اسـتغربت من طلبها ودفعني الفضـول  لمعرفة الســبب؟!,.. ولم التزم بطلبها, وخرجت للحاق بها فوراً, وما ان تخطت عتبة المقهى حتى اختفت من نظري فجأة
 فذهلت, ولم اصـدق ما شـــاهدته عيني!, فهي قبل ثواني في محيط نظري,.. فهل انفتحت الأرض وابتلعتها ؟
*** تعوذت من الشـيطان والأفكارغيرالمعقولة وعدت لمكاني اجتر كل ما تحدثنا به  لعلي اصـل الى تعليل لتصـرفها معي والأختفاء عن نظري وراحت الأفكار ترقص في ذهني ,عسى ولعل أصـل الى اسـتنتاج معقول , حتى لا أتهم بالجنون ! , ثم جاء العامل ليرفع فناجين القهوة, ومن ثم لاحظ على الكرسـي الذي جلسـت عليه الأستاذة سـراب وقال: شـكون هذي المفاتيح؟! بتخصـك!؟, فأخذتها وسـلمتها لمولى المقهى , وطلبت منه الأحتفاظ بها , فحتماً سـتعود الأسـتاذة التي كانت بصحبتي لأخذها , ولا اسـتطيع انتظارها, حيث حان موعد محاضـرتي , فوافق الشـاب وتعهد بتسـليمها لها فقط , وشكرته وجريتحتى لا أتأخر عن موعد المحاضـرة.
*** بعد انتهاء المحاضـرة توجهت نحو المقهى , وما ان اقتربت من الشاب قال لي: بعد لحظات من تسـليمك لي المفاتيح , حضرت الأسـتاذة, وسـألت عن مفاتيحها التي فقدتها, وقبل ان تكمل كلامها , سـلمتها المفاتيح !  
*** عدت الى سـكني , وحاولت تحليل شـخصـية تلك" الحورية", مسـتغرباً من اصـرارها على عدم مصاحبتها, وضحكت على افكاري السـاذجة ,أو قل المتخلفة!,
فهل يمكن ان اؤمن بمثل هذه الخرافة ؟, نعم انني مؤمن بكل ما ورد بالقرآن الكريم الا انني واثق من ان تلك المرأة طبيعية مائة بالمائة , فقد كتبت لي عنوانها,..وكانت تحدثني عن امور علمية,.. مُبدية حركات انثوية تهتز لها عواطف اكبر الزاهدين,..وغمرتني بعواطف كادت تخرجني عن جادة الأدب, لولا رحمة الله ووجود الطلبة!,
فتعب فكري من التكهن بسـر تلك المرأة , بالرغم من خبرتي بكيد بنات حواء , منذ ايام الصبا , فكيف انهارت مهارتي واصبحت اؤمن بخرفات بعيدة عن كل منطق !
*** وبكل اسى واسف لم استطع التوصل الى اية نتيجة مقنعة, فمن المحال ان تكون من بنات الليل , فقد لاحظت كتبها وكلها أكاديمية ,... ثم علمتني كيف اشــغل جهاز الكمبيوتر, وكتبت عنواني الألكتروني, وناقشتني عن الوضع في العراق,..وأصغت الى رأي , ولم تترك جملة غير واضحة, ألا وطلبت اعادة تفسيرها , ولم تجاملني , حينما اطرح فكرة لا تؤمن بها , وتقول: اختلاف الرأي لا يفسد المودة.
*** نمت تلك الليلة قلقاَ ويقظاً لتحليل  شــخصــية تلك المرأة السـراب!,وسرحت مع افكاري, واخذتني سـُِـنةٌ من النوم, ونهضـت مفزوعا , وانا اردد:
أغداً ألقاك.. ياخوف فؤادي من غَـِد 

يالشـوقي واحتراقي في انتظار الموعِد
 *** صـباحاَ , راجعت كل كلمة نطقتها , وكل حركة ابدتها , كانت  تدل على انها امرأة ذكية ارادت الأبتعاد عني من دون ان تدركها عيون الطلبة وهي بصحبة رجل غريب , ولذا لاذت بالفرار لخبرتها بتشعبات الكلية , ولذا لم اتمكن من متباعتها !  
*** بدأت اشــك في قواي العقلية, فقد يكون ما رأيته هوحلم من احلام اليقظة, او قل أحتمال أصابتي بمرض الشيزوفرينية ( الأزدواجية)!,ولذا صممت على اللقاء معها.
*** ما ان حان وقت العمل في الكلية , حتى جهزت نفسـي للخروج , ولم اتوجه الى مقر عملي بالقسم, بل توجهت فوراَ نحو قاعة الكمبيوتر,.. وجلسـت بنفـس مكان يوم امـس,وصـرت التفت نحو الباب عشــرات المرات عـسى ان تدخل"الغادة الحسناء", في اية لحظة, لأرحب بها واقتل الوهمَ الذي عشــته يوم امـس, ومًر الوقت ثقيلاَ!
*** بدأت احـس بالأختناق , ولم اسـتطع التريث , ودبَ اليأس من حضـورها, ولذا توجهتُ من غير وعي الى قســمها, وســألت عنها ســكرتيرة القسم ,... وبعد البحث والتنقيب في ســـجل الطلبة واعضاء هيئة التدريــس, لم تعثرعلى أسم ســـراب!,.. ثم دخل امين القسـم, واستوقفته السكريترة, وقدمتني له, فرحب بي  وقادني الى غرفته,  فشـرحت له رغبتي بمقايلة تلك الطالبة, حيث وعدتها ببعض الكتب باللغة الأنكليزية, فأستغرب من كلامي,... وقال :   
 " انني اعمل في هذا القسـم منذ عشـر سـنوات, ولم اسـمع مطلقاً بهذا الأسـم !",
 فلاحظت الشـكَ في عينيه, ثم ابتسـم من دون ان ينطق بكلمة,وذهلت من تصرفه,  واخيراً نطق وقال:
" لابد ان تكون تلك السيدة قد اعطتك عنواناَ غير صحيحاً وأسـماً مسـتعاراً,... لأننا وكما تعلم, في بلد اسـلامي وشـرقي,والحذرواجب عند النسـاء, وبالخصوص مع الأجانب, فقد حدثت مشاكل عديدة بسـبب مثل هذا التعارف  الســـريع,... ولذا لا تيأس فلربما تريد هذه الســـيدة التأكد من شـخصــكم ,  وانا على ثقة  تامة  من عودتها,.. ان كانت فعلاً بالمواصفات التي ذكمرتها!
*** خاب املي, وعدت لسـكني بخفي حنين, اجر اذيال الفشـل, موبخاً ذاتي على ايماني المطلق بالأنسـان,..فكم من مطب اثر في ســيرة حياتي بســبب الثقة غير المحدودة, او قل الثقة العمياء!
*** هرعت للأتصـال بها تلفونياً, وطلبت " الآنسه سراب رجاءً", بعد فترة صـمت قصـيرة , سـمعت صـوت رجالي," النمرة خطأ ",...كررت الأتصـال عدة مرات , الى ان  حصـلت على  توبيخ نصـف مهذب !
**عدِت الى رشـدي, وايقنت بتعرضي الى" مأزق", او قل " كبســة " متقنة هبطت على رأســي, من امرأة ارادت التســلية مع انســان" ســاذج او مغفل", لغرض في نفسـها, اوامرأة مريضة نفسـياً رغبت بالأنتقام بمن لم يحســن معاملتها, فوضـعني القدر في طريقها لتفرغ غـلِها , وتوقعني بهذا المأزق.
*** بدأ ذهني يســترجع اقوالها, وفرحها " بالعبد لله", وتدوينها هاتف سـكنها, والتأكيد على الأتصـال بها, وو, فأذن اين الخطأ !؟... ان كل ما لمســته فيها من مزايا, تبعد الشــك عن كونها من بنات الليل,وعلى عكـس ذلك كنت موقناَ بطهارتها وشـخصـيتها كأسـتاذة محترمة, او قل بنت ناس,.. اذن اين العِلًة ياترى؟.. ومن يقدر حَل هذا الطلِسِـم ؟!
*** هاجت,.. او قل أنفجرت القوة الكامنة في كياني المتواضـع ,...وصـممت على التحدي, ولا بد من كشـف ســـِرتلك المرأة مهما كلف الأمر, فمن المحال ان تكون بهذا المســتوى الواطئ.
*** مـرًت الأيام ثقيلة , ورحت اتخبط في الخطط,...الى ان توصـلت لأســـتخدام "الأسـلوب البوليسـي", الذي شـاهدته في أفلام العصـابات ايام الصـبا !   
*** بعد ان حصـلت على عنوانها بجهود مضـنية لا اريد ان ابوح بها ,... حتى لا اســـبب الحرج لمن سـاعدني في تلك المهمة, وتوجهت في صـباح اليوم التالي الى منطقة ســـكنها, ووصـلت الى دار تلك المرأة " الطلِسـِم", والتي انكر اصـحابها وجود احداً بأسـم " الآنسـة ســراب" ومـن ثم امطروني بشـتائم مهذبة,وبعد التأكد من العنوان, هممت  بطرق باب الدار, واذا به يفتح ويخرج منه رجلا كهلا, وخلفه امرأة انيقة,فتظاهرت بالنظرالى جهة اخرى , ولم يعيـران وجودي اهمية,  وتوقفت قليلاً لمراقبتهما, واذا بالمرأة تنادي على سـيارة اجرة , " تكسـي ",.. وفي الحال توقفت السـيارة, وودع الرجل المرأة,... واسـتقل السيارة.
*** توجهت المرأة نحو احد المخازن التجارية, وتبعتها,.. ولم تدرك مطلقاً وجودي  وكانت طبيعية في سـلوكها الى ان اكملت مشـترياتها, عادت الى بيتها , وانا خلفها من دون مخطط عن الأجراء الذي سـأتخذه عند محادثتها , ولم افكر بأي احتمال قد يؤدي الى اسـتدعاء الشـرطة لي,.. بدعوة التحرش الجنسـي بأمراة محترمة في هذا الصـباح الباكر الذي يعج بالموظفين المتجهين لأعمالهم.
***بعد دقائق وصـلت المرأة الى دارها, وما ان دخلت الداروأغلقت بابها, حتى قرعت الجرس بسـرعة البرق , وفتحت المرأة نافذة الباب واستفسرت عن طلبي,  
فتلعثمت , وانتزعت الكلمات بصـعوبة متناهية , وقدمت نفسـي لها, واعلمتها عن هدفي , والمكالمة التلفونية!, وطلبت مني الدخول الى بهو الدار, وكانت في منتهى الأدب , واعتذرت نيابة عن زوجها  لكلماته النابية بالتلفون , بسـبب حالته النفسـية منذ ســنوات, وفي  تلك اللحظة وقعت عيني على صـورة جدارية كبيرة لأمرأة كاملة الأوصاف, فتطلعت بها ملياً, وصـرخت كالمعتوه, هيَ,.. هيً ,.. والله هيَ!, فطلبت مني المرأة الهدوء والجلوس لشـرح الموضـوع الذي قادني الى ما انا عليه.
***اسـترجعت انفاسـي وقلت لها هذه هي الآنسـة سـراب ! .. اســتغربت المرأة او قل , ذهلَت لما سـمعت, وطلبت مني اعادة ما تفوهت به وهي  بغضـب شـديد!,..  وقالت هذه هي اخت زوجي فساد الصـمت, وسـردت المرأة قصـة شــقيقة زوجها:
*** غرقت مع  زوجها في الباخرة وهما بطريقهما الى فرنسـا لقضاء شـهر العسـل منذ سـنوات, وصـاروا في عداد المفقودين , حيث لم يعثرعليهما عند انتشـال الجثث ولم نعرف عنهما اي شـيئ ليومنا هذا !,...فأصـبتُ بالذهول , ودخلت في غيبوبة,..
 وســـقطت ارضـاً, وسـارعت المرأة لأسـعافي ,... وعدت الى رشـــدي , وتطلعت ثانية في تلك الصـورة, وصـرت على ثقة اكبر,... او قل واثقاً من ان تلك الصـورة الجدارية هي من دون اي شــك , " الأسـتاذة  ســراب" !,... فأدركت ربة الدار ما يختلح من  افكار في ذهني, وقالت:  
" قد تكون تلك الأسـتاذة شـبيهة للمرحومة ســراب, فالله يخلق من الشـبه اربعين" !
 *** نهضـت من دون ان اجيبها على تبريرها, ووقفت قبالة تلك الصـورة , مُبحلقاً فيها كالأبله,.. وما من قوة لأي من البشـر قادرة على اقناعي بأن التي تعرفت عليها في غرفة " الكمبيوتر", هي نفسها هذه الصورة, أي " الأسـتاذة سـراب"!, وهكذا هدأت قليلاً وآمنت بالواقع, وصـممت بعدم البوح به, حتى لا اتهم بما يـُـســمى :
 " بالشـيزوفرينية, اي بالأزدواجية ".  
*** هدأت, وتقمصـت دور اللامبالاة, .. ودخلت مع المرأة في جدل عشـــوائي, وسـألتها متهكماً بسـذاجتها وعدم تذكرها للخوارق الطبيعية التي وردت بالقرآن الكريم مثل قصـة " اهل الكهف ", و" السـيد المسـيح" (عليهم السـلام)!
من اين لتلك المرأة معرفة برقم هاتف داركم ؟

*** لاحظت تشـنجاً لدى المرأة,.. وانهمرت بالبكاء, فأشـفقت عليها ولم ارغب في فتح جرحها القديم ,...وبدأت اتراجع عن تعندي على كون تلك المرأة هي الأسـتاذة سـراب, وقلت لها:  " لندع الخلق للخالق " !  
*** وقفت باجلال لها مبدياً رغبتي بالوداع , وعيني مركزة على صـورة الأسـتاذة سـراب , وانا في حزن شــديد على صـاحبة الصـورة الحقيقية , وعلى المرأة التي تعرفت بها, او قل ,... التي زجتني في هذه المتاهة التي افقدتني رشـدي ووقاري ورددت مع نفسـي مقطعاً من قصيدة الشـاعرالعراقي رفيق أطيمـش, والتي غنتها المطربة " السـورية  نهاوند", في بغداد في الخمسـينات :  
اين مني طيفك الموحي اذاما الليل امســـى
وســـقاني الشـوق آلام الهوى كأسـاً فكأسـى
وهكذا وصـلت وربة الدار الى البوابة الخارجية , وصـافحتها بحرارة ولوعة, وانهمرت المرأة بالبكاء وابت اي دمعة ان تنهمر من عيوني, كما غنت فيروز "عيونك الصـيف وعيوني الشـته"!
**ودعت ربة الداروانا اجر اذيال الفــشل , لأدخل في دوامة لا نهاية لها , وها انا اعيشـها ليومنا هذا ,  تورقني ليلاً ونهاراً, ..و صـرت صـريع الحقيقة والخيال, .. فمن يدلني عن الحقيقة ؟؟   
………………………..
 * وقعت احداث هذه القصة في كلية العلوم بصـفاقس / تونــس , في 17 / 09 / 2002

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع