بغداد في العشرينات - تأليف عباس بغدادي / الحلقة الثانية

                              

       بغداد في العشرينيات - تأليف عباس البغدادي

                تقديم - ايمان البستاني

          

       الحلقة الثانية  - سنة الجراد

   

الجراد أنواع ثلاث , أولها الصغير الحجم , النطاط و يُعرف في العراق بأسم ( أبو دبيلة ) , وهو غير مؤذٍ و خطره قليل , ذلك انه قليل النسل ويضع بيوضه فوق سطح الأرض غالباَ , إذ لا يستطيع أن يغرزها داخل الأرض , لذلك تتلف قبل ان تفقس و تنتشر بكميات كبيرة علاوة على ان الجو الحار جداً والبارد جداً يقتل بويضاتها و صغارها ,  وهذا النوع موجود دائماً في المزارع والبساتين.
والنوع الثاني من الجراد هو الذي كان يجتاح العراق بأسراب من عشرات الملايين تكاد تغطي ضوء الشمس قادمة اليه من صحارى أفريقيا او السودان او جنوب الجزيرة العربية او ايران . وهذا الجراد كان خطراً ماحقاً لكثرته الهائلة , خصوصاً بعد ان تفقس بيوضه وتخرج الى سطح الأرض زاحفة على المزارع والأشجار , فلا تبقى منها طرياَ او يابساً وتأكل لحاء الشجر القاسي , إذ تفرز من فمها عصيراً أصفر داكناَ يلين لها القشور , و كانوا الناس يملأون السواقي ماء عسى ان يوقف الزحف , ولكنه كان يعبر الماء بقنطرة من صغاره من الفدائيين الذين يصلون الى الضفة الثانية من الساقية بعد ان يموت الآلاف منهم غرقاً
وبالرغم من المكافحة , فأن الجراد كان ينجح في القضاء على الزروع . أما الحكومة فكانت مكافحتها للجراد بدائية و تافهة , ذلك انها تعلن عن رغبتها في متطوعين وتشّكل منهم فرقاً من خمسة اشخاص للفرقة الواحدة , و تعطي كل فرقة مقداراً من النخالة المسمومة لرشها على الأرض ليأكلها الجراد حين يبدأ المسيرة , وهذا يعني ان القضاء على هذا الجراد لا يتجاوز الواحد بالمئة من مجموعه . و بعد ان تبلغ بها القوة للطيران تبدأ الاجتياح طائرة الى بقية مناطق العراق, ثم الى الدول المجاورة , حسب اتجاه هبوب الرياح مع بقاء قسم كبير منه ضيفاً كريهاً الى السنة القادمة
والنوع الثالث من الجراد هو الجراد النجدي , في اوائل ١٩٢٣ وصل الجراد النجدي الى بغداد طائراً وكان وصوله عجباً ذلك ان هذا الجراد لا يستطيع الوصول الى بغداد، لبعد المسافة بينها وبين السعودية وصحارى نجد، بسبب ثقل ذنبه الطويل العريض ويصعب معه قطع هذه المسافة طائراً , وفجأة وصل الى جانب الكرخ بأعداد كبيرة غطت الجدران وتخوت المقاهي والاشجار، وكان قدومه عيدا للصغار وللطيور وللعصافير. وقاموا بأكل الجراد النجدي، إذ كان يسلق ذنبه ويغلى في الماء المالح ويخزن مؤونة للشتاء، مثل التمر والفاصوليا ، وكان طعمه ومذاقه يشبه صفار البيض او الروبيان لذلك جُمع منه كميات كبيرة بعد ان فصل الرأس عن الذنب وتزاحم الناس مع الطيور التي كانت في بهجة وسرور عظيمين,  واختفى الجراد النجدي هذا بعد بضعة ايام , وما ان انتهت سنة الجراد التي كانت سنة خسارة وأذى للزراعيين ، حتى سقط في السنة الثانية ، ١٩٢٤ ثلج كثيف على شمال العراق ووسطه وقسم من جنوبه , وكان الثلج كثيفاً وغطى سقوف البيوت وقمم الأشجار وسعف النخيل، ناهيك عن سطح الارض والزروع النابتة، ولم يكن يُرى غير البياض.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

613 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع