من شخصيات الصحافة العراقية

                                             

                            خالد القشطيني

طوال وجود صدام حسين، آمنت، كما آمن الكثيرون من أمثالي، بأنه ما من أحد يستطيع إزاحته غير قوة خارجية، ولكن الكثير من المغتربين ظلوا يلوحون بأنهم قادرون على تولي المسؤولية بأنفسهم.

نظموا سائر المنظمات التي عرفت باسم المعارضة. تمكنوا من الحصول على الدعم الأميركي، بعد أن خصص الكونغرس مبلغ 93 مليون دولار لمساعدتهم. ذكرني ذلك بما فعله الصحافي العراقي القديم عادل عوني. قيل إنه كان حارسًا في المبغى، وفكر في تحسين حياته، فخطرت له مهنة الصحافة. أصدر أول جريدة مسائية في بغداد، عرفت باسم «الحوادث». اشتهرت بعمودها الفكه عن آخر الإشاعات. وفي تلك الأيام، عندما كان الإنجليز في حرب مصيرية مع هتلر، دأبوا على منح المكافآت للصحافيين لنيل تأييدهم.
كان بينهم عادل عوني الذي واظب على تسلم المكافأة. انتقده أصحابه على ذلك: «كيف تقبل فلوس من الإنجليز؟» وكان يعترف بذلك، ويجيبهم فيقول: صحيح أنا أتلقى منهم هذه الرواتب، ولكنهم لن يستفيدوا مني بشيء، سواء أكتبت أم لم أكتب، فالوضع ماشي كما هو. لن يخسروا الحرب لأني كتبت وقلت كذا وكذا.
وهذا طبعًا ما حدث. فضيعوا فلوسهم عليه، تمامًا مثلما حدث لمنظمات المعارضة العراقية التي لم تقم بأي دور في إسقاط صدام حسين، رغم كل ما تلقوه.
أخيرًا، خرج الإنجليز وسقط النظام، وتسلم الحكم عبد الكريم قاسم. وكان أول ما فعله تعطيل «الحوادث». لم يعرف عادل عوني أين يذهب. ظل يفتش حتى سمع بتأسيس حزب شيوعي جديد خصص له قاسم مبالغ محترمة، كبديل للحزب الشيوعي الرسمي. استدعى داود الصايغ، من الماركسيين المتقاعدين عن الماركسية، وكلفه بتأسيس حزب شيوعي آخر، وخصص له مساعدة مالية سخية. تقاسمها داود صايغ مع زملائه في اللجنة التنفيذية. لم يستطع الحزب الجديد أن يكسب أي أنصار له، باستثناء شخص واحد جاهز للإيجار. إي نعم. صاحبنا عادل عوني. سمع بحكاية الحزب الجديد، وما خصص له، فاتصل بهم وعرض عليهم خدماته الصحافية، طبعًا مقابل حصة من مساعدات الزعيم الأوحد. ما أن فتح فمه بهذا العرض حتى أجابه أحد أعضاء اللجنة التنفيذية، وقال له: «امش من هنا. أنت شخص مفضوح. تريد تكسر عرضنا وتفضحنا قدام الناس؟ تريد تجيب علينا الشبهات؟ اتفضل امش»! وهكذا فقد هذا الصحافي القدير فرصة الانضمام لشيوعية الرفيق داود الصايغ.
وحرمنا من تفسيره الصايغي الخاص للماركسية والدايلكتيكية المادية. وبذلك مات عادل عوني دون أن يكسب لقب الرفيق المناضل عادل عوني. مات مجهولاً ومهمولاً، وفي أتعس الأحوال المادية. لكن أيامه كانت أيام خير. لم يدع خلالها عادل عوني وسواه من حملة الأقلام الصريحة أنهم راية من رايات القومية العربية والوحدة العربية والتحرر الوطني، كما نسمع في هذه الأيام من كل هؤلاء الكتاب والمعلقين في الفضائيات العربية. كان الرجل يقبض، ويعترف بما يقبض، ولا يدعي بشيء. قلم مأجور فحسب، وليس قلمًا مأجورًا ويدعي الستر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع