بكل الحرقة والغضب

                                         

وصلتُ إلى أربيل بعد يوم مطير فيها. لم يظهر في المدينة أيّ أثر للمطر سوى ان أوراق الأشجار بدت بخضرة زاهية كما لو أنها قد غُسلت ومُسحت بعناية، والجزرات الوسطية للشوارع والساحات رطبة.

عدت الى بغداد في يوم مطير(أمس).. في المطار وجدت أن خدمة التاكسي قد ألغيت! معقولة!؟ .. ماكو تاكسي من المطار إلى المدينة؟ سألت أحد عمال المطار فأجابني: نعم عمي .. أكو باصات بلاش للساحة.
هي ساحة عباس بن فرناس التي عندما وصل إليها الباص احتار سائقه أين يوقفه، فإذ لا يوجد الماء يوجد الطين، وكلاهما تغوص فيه الأحذية بأقدامها.. الركاب من جانبهم احتاروا كيف يحمون رؤوسهم من المطر وأحذيتهم وحقائبهم من الماء والطين، فدولتنا العظيمة التي تتسلم سنوياً مئة مليار دولار بالتمام والكمال من النفط وحده لم تستطع بعد عشر سنوات من بدء عهدها الجديد أن توفر ساحة لسيارات المطار تليق بمواطنيها المسافرين وزوارها الأجانب ولا تكلف أكثر من مليون دولار فقط لا غير.
غير بعيد عن ساحة ابن فرناس وجدت بغداد كما لو أن الطوفان العظيم قد ضربها.. سيارة التاكسي التي استأجرتها لكي أصل الى المكتب اضطر سائقها للمناورة والمداورة بين الشوارع والأحياء كيما يتجنب تعطل سيارته في مستنقعات الماء أو وقوعها في الحفر والمنهولات المكشوفة الكثيرة في شوارع عاصمتنا.
قلب العاصمة الذي بلغته بعد ساعة كاملة كان متعباً للغاية بالمياه المتجمعة وبالسيارات المحشورة في صفوف وتجمعات فوضوية، خصوصاً في شارع السعدون عند ساحة النصر وتمثال السعدون.
أحد مصححي الصحيفة وصل المكتب متأخراً ساعتين.. جاء مبلل القدمين والساقين حتى المنتصف. صديقة اتصلت لتقول إن رحلتها بين مكان عملها ومنزلها استغرقت ساعتين كاملتين بزيادة ساعة ونصف عما هو معتاد في أيام العمل المصحوبة بالزحام.
اذا كانت مطرة عادية تُغرق عاصمتنا في طوفان عظيم، كما حدث أمس وفي مرات سابقة، فأين إذن تذهب مئات مليارات النفط؟.. نعم أين تذهب  ما دامت دولتنا العظيمة لا تبني ساحة لسيارات بوابة البلاد الرئيسة، ولا مجاري للعاصمة، ولا مستشفيات ومستوصفات، ولا مدارس ورياض أطفال، ولا مسارح ومكتبات عامة، ولا نوادي رياضية، ولا سدود، ولا توفر قطارات وباصات للنقل العام، ولا  تحل مشكلة الكهرباء، ولا تخفف من الفقر والبطالة،  ولا تزيد كمية الحصة التموينية ولا تحسّن نوعيتها.. ولا توفر الأمن؟ أين تذهب أموال نفطنا وكيف تُنفق؟ وعلامَ يبدها حكامنا؟
يسرقون؟ نعم، نعرف هذا .. نعرفه بتفاصيله المملة، ولكن ألا يتبقى شيء من مئات ملياراتنا لساحة المطار ومجاري العاصمة في الأقل؟
يا حكومة .. يا مجلس النواب .. أجيبونا رجاءً: لماذا في كردستان التي فيها أيضاً فاسدون وحرامية تتوفر الكهرباء على مدار الساعة، وتوجد مستشفيات ومستوصفات ومدارس نظيفة ومجهزة ومسارح ومكتبات عامة ونواد رياضية واجتماعية وسدود وباصات للنقل العام (مشاريع قطارات الانفاق قيد التنفيذ)، وتوجد مطارات من أحلى ما يكون وساحات للسيارات من أفضل ما يكون وشوارع لا تغرق بعد مطرة عادية ولا مطرة ثقيلة؟.. لماذا؟
 نعم لماذا؟.. ولماذا؟ بكل الحرقة على ضياع مئات ملياراتنا وبكل الغضب على حراميتها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

912 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع