في الحكم على أمين بغداد الأسبق

                                              

                              عدنان حسين

لم يسلم الحكم الصادر من إحدى المحاكم في حق أمين بغداد الأسبق صابر العيساوي من النقد. البعض رأى أن السجن سنة واحدة أقل مما يستحقه السيد العيساوي المنسوبة إليه حالات فساد عديدة، فيما آخرون طعنوا في صحة إجراءات محاكمته وبخاصة جلسة النطق بالحكم، وأعربوا عن الارتياب من وجود دوافع غير نزيهة وراء ذلك وبخاصة توقيت إجراء المحاكمة الأخيرة.

لستُ في وضعٍ يمكنني معه الحكم على العيساوي بالفساد الإداري والمالي أو بالبراءة، فلا تتوفر لي الوثائق التي أستطيع استناداً لها تأكيد التهمة أو نفيها بضمير مرتاح، ولا أظن أن أحداً غيري من الصحفيين وسائر الإعلاميين يتوافر على هذه الوثائق، فنحن لم نزل دولة مُغلقة بعد أكثر من إثنتي عشرة سنة من تحرّرنا من جمهورية الخوف والعسف والدكتاتورية الشمولية. وفي غياب قانون يكفل للإعلاميين وسواهم الوصول الحر الى المعلومات، فانه حتى القضاء في هذه الدولة لا يتيح للصحفيين الاطلاع على المعلومات التي يطلبون. شخصياً لدي تجربة مع مجلس القضاء الأعلى الذي طلبتُ منه مرتين، بصفتي المهنية، أن يسمح لي بالاطلاع على أحد الملفات المنتهية والصادرة في شأنها أحكام قضائية باتّة، ولم يردني من المجلس أي جواب بقبول طلبي أو برفضه بعد مرور أشهر عدة على آخر الطلبين.

بصرف النظر عن الرأيين المطروحين بشأن الحكم على العيساوي، فانني أحمل في داخلي خشيةً دائمة من الأحكام القضائية الصادرة في حق الشخصيات العامة والمشتغلين في الحقل السياسي. مبعث هذه الخشية هو تكرار عدم النزاهة والعدل في أحكام أصدرها القضاء حتى على أعلى مستوياته المتمثل في المحكمة الاتحادية العليا.

القضاء في العهد الجديد، كما في العهد السابق، لم يكن عادلاً ونزيهاً في كل القضايا المطروحة عليه، ولم يقدّم لنا الدليل إثر الدليل على انه مستقل تماماً عن تأثير ونفوذ السلطات السياسية، وهذا ما جعل إصلاح القضاء واحداً من الشعارات الرئيسة لحركة الاحتجاجات الشعبية المتواصلة.. هناك شبه إجماع على التشكيك في مواقف واجراءات السلطة القضائية التي بمساعدتها اتخذت السلطة التنفيذية، في عهد الحكومة السابقة خصوصاً، إجراءات تتجاوز على أحكام الدستور، خضوعاً لضغوط وابتزازات من سياسيين ومتنفذين في الحكومة والبرلمان.

من هذا المنطلق أخشى أن يكون الحكم على أمين بغداد الأسبق حركة لتبييض صفحة الفاسدين في السلطة القضائية، فثمة العشرات من قضايا الفساد الإداري والمالي التي تزيد في أهميتها وخطورتها بعشرات المرات عن القضية التي حُكِم بشأنها على العيساوي بالسجن سنة واحدة... هناك قضايا تسبّبت في إزهاق آلاف الأرواح، وتتعلق بنهب مليارات الدولارات من المال العام، وهي الأولى بأن يفتح القضاء ملفاتها المطوية.

ما نريده، ويطالب به المتظاهرون الآن، قضاء قويّ. ولكي يكون كذلك يتعيّن أن يكون مستقلاً، وعندما يكون القضاء مستقلاً لن يتهيّب أو يتردد في فتح ملفات الفساد بمختلف مستوياتها، وبخاصة الملفات الكبيرة المتصلة بشخصيات متنفذة في السلطة. والقضاء المستقل سيتيح لنا نحن الصحفيين، وسائر الناس أيضاً، أن نطّلع على القضايا المطروحة عليه، فلا يخفي حتى القضايا الصادرة بها أحكام باتّة، كما فعل معي مجلس القضاء الأعلى.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

606 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع