التخلّص من فوضى الفتاوى!

                                             

                              زينب حفني

المؤتمر الذي عقدته دار الإفتاء المصرية مؤخراً يستحق الإشادة، حيث كان الغرض منه المطالبة بتنقية ساحة الإفتاء من الفتاوى الداعية للعنف والتطرف، خاصة بعد أن أصبحت الفتاوى العشوائيّة ظاهرة منتشرة بكافة مجتمعاتنا الإسلامية وعلى الأخص العربية. وقد حرص المؤتمر على دعوة عدد كبير من العلماء من مختلف أنحاء العالم.

ليس غريباً ما قام به اليوم الأزهر الشريف، فمنذ بداية تأسيسه عُرف عنه تاريخياً بأنه يتبع المرجعية الوسطية في فتواه، لكن أيضاً ليس خافياً على أحد، أنه تسللت لأروقته في السنوات الأخيرة معتقدات لعلماء دين يتبنون الفكر الديني المتشدد، وهو ما أفضى مع مرور الأيام إلى شيوعه بين شبابنا العربي!

الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، قال كلاماً مهماً في المؤتمر، وأرجع أزمة الفتوى التي نُعاني منها اليوم إلى تصدّر غير المختصين في الفضائيات. وأتبعها بملاحظة أخرى مفادها أن الناس انصرفت عن علماء الدين الحقيقيين، لاعتقادهم بأنهم صوت السلطة؛ الأمر الذي سبب الخلط في المفاهيم عند الناس بين الفقيه والداعية والمفتي، مُطالباً بوجوب التصدّي بحزم لكل من تسوّل له نفسه الخوض في الإفتاء دون دراية أو تخصص، بتشريع قانون يقضي بتجريمه ومحاسبته. الكلام الذي قاله الدكتور واصل فيه جانب كبير من الحقيقة، لكن هذا لا ينفِي أن بعض العلماء للأسف آثروا إرضاء سلطات بلدهم وأخرجوا فتاوى توافق أهواها طمعاً في التقرّب منها، وهو ما دفع الناس إلى التشكك في مصداقيتهم! إضافة إلى أن الفضائيات تتحمّل وزراً كبيراً بفتح أبوابها على مصراعيها لاستقبال دعاة ليسوا على قدر كبير من العلم والدراية، مما ساهم بالفعل في غرق مجتمعاتنا في فوضى الفتاوى! المؤتمر خرج بمجموعة من التوصيات المهمة التي أرى أنها لو طُبّقت فعلياً، لحدّت من ظاهرة الفتاوى العشوائيّة التي ابتلينا بها. لكن المشكلة التي نواجهها دوماً، بكافة مناحي الحياة، هي أننا نُهدر وقتاً ثميناً في النقاش وتوضيح الحقائق، ونسكب حبراً كثيراً في كتابة ما نصبو إليه، ثم ينتهي الأمر إلى حشر مطالبنا داخل الأدراج لتُصاب بالسكتة الدماغيّة! كما أن هناك مشكلة أخرى عويصة؛ هل سيتقّبل علماء الدين الذين يتمسكون بفكر ابن تيميّة، أن يأخذوا بمنهج المذاهب الدينية الأخرى المعتدلة؟ أشك في هذا! فمن الصعب على أجيال من العلماء شبّت على تلك الأفكار أن تتخلّى عنه ببساطة بين عشية وضحاها من أجل عيون المذاهب الأخرى!

أتذكّر في فترة مراهقتي أنه قليلا ما كنتُ أرى النقاب على وجوه النساء بمدينتي جدة! اليوم عندما أذهب للتسوّق أو إلى أحد المستشفيات أو أثناء تواجدي في المطار للسفر، أجد السواد يُغطّي المرأة من رأسها لأخمص قدميها، ولا يظهر منها سوى عينيها، وأجد نفسي غريبة، وألمح العيون ترمقني من تحت النقاب كأنها تقول لي: إلى جهنم وبئس المصير!

سبب تغيّر المشهد الاجتماعي في مدينتي المعروفة بوسطيتها الدينيّة وتسامحها الفكري، يعود إلى زمرة الفتاوى المتشددة المنصبة في دائرة المرأة والتي يُطلقها مشايخ الدين المتشددون يوميّاً عبر المنابر والبرامج التليفزيونية والكتب التي تُباع جهاراً دون تقنين لما فيها من أفكار متطرفة! وهو ما أدّى إلى تراجع ثقافتنا الدينية المتسامحة لتأخذ منحى مُغايراً لذلك نشأ عليه آباؤنا وأجدادنا من قبلهم.

لا أريد التقليل من أهمية المؤتمر وتوصياته، فكما يقولون بداية الغيث قطرة، لكن ما دامت الأرض جدباء قاحلة، فلن نفلح مهما روينا تربتها في أن نُخرِج منها زرعاً أخضر!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

921 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع