فعل المجتمع لمواجهة الجنون التكفيري

                                                

                            د. علي محمد فخرو


لنمعن النظر في موضوع الجهاد التكفيري البربري بكل أشكاله وتلاوينه: أولا، هناك دلائل، من خلال مئات المقالات التي ظهرت في كبريات الصحف الغربية ومئات المقابلات التلفزيونية على المحطات الغربية، اضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي، بأن بعض المخابرات الغربية والمخابرات الصهيونية قد لعبت أدوارا أساسية في تجييش وتنظيم وتدريب وتسليح وتمويل شتى أنواع الفصائل ودويلات الخلافة الاسلامية في طول وعرض العرب. ما عاد هذا حديثا يتداول بين جهات محدودة. لقد أصبح حديث الجميع، بينما لا تكذبه جهات الاستخبارات المتهمة.

ثانيا، ما كان لدوائر الاستخبارات تلك، وبموافقة ضمنية من قبل حكوماتها، أن تنجح بهذا الشكل المبهر في استقطاب عشرات الألوف من الأعضاء الفاعلين ومئات الألوف، ان لم يكن الملايين، من المتعاطفين لولا البيئة الثقافية الدينية الاسلامية المتخلفة التي بنتها ورعتها الاختلافات المذهبية العبثية والصراعات الطائفية عبر القرون. ولقد استطاعت بعض الأنظمة السياسية وبعض الأحزاب السياسية الاسلامية وعدد كبير من رجال الفقه المتزمتين الجهلة وأعداد متنامية من وسائل الاعلام البصرية والسمعية ومناهج دراسية مزورة للتاريخ والفقه، استطاعوا جميعا رعاية ونشر تلك الثقافة الفقهية المليئة بالأحاديث النبوية الموضوعة وبفهم بعض شيوخ وعلماء الفقه الخاطئ لروح الاسلام ومقاصده الكبرى.
اليوم تسلط الأضواء على الكثير من مصادر ذلك الفقه لتحليله ونقده ومحاولة تصحيحه وتجاوزه في شكل محاولات جادة يقوم بها باحثون وكتاب موضوعيون صادقون في غيرتهم على دينهم الحقيقي الذي تشوه كل ما فيه من سمو وروحانية وكرامة انسانية، جماعات تريد قلبه الى دين بدائي بربري لايمت بأي صلة لدين الحق والقسط والرحمة والتسامح الذي أوحى الى نبي الاسلام (صلى الله عليه وسلم).
الى هنا والصورة واضحة تحليلا وأسبابا وأيادي خفية تشعل نيران الفتن والصراعات.
لكن هناك جوانب لابد من طرح الأسئلة بشأنها بكل صراحة ودون أي مجاملة. هذه الجوانب تتعلق بالأدوار الخفية التي تلعبها بعض الأنظمة السياسية العربية وبعض جهات الاستخبارات العربية. وذلك أنه من غير المعقول أن تنجح بعض دوائر الحكم والاستخبارات الأجنبية والصهيونية ذلك النجاح المبهر في ادخال كل الأرض العربية في نيران الجحيم الذي تعيشه الأمة العربية دون أن تحصل على مباركة أو مساعدة أو تنسيق من قبل بعض الجهات الرسمية والاستخبارية العربية.
ما عاد بخاف مثلا، حسب قول العديد من الكتاب والمعلقين والاعلاميين الغربيين، أن بعض الاستخبارات الأجنبية تشتري السلاح لبعض الجهاديين التكفيريين من خلال جهات رسمية عربية.
كما ما عاد بخاف أن بعض الجهات الاستخباراتية العربية، في بعض الدول العربية، تعرف بالاسم الكثير من أعضاء الفصائل الجهادية المجنونة الجاري غسل أدمغتهم وتدريبهم، وتعرف أيضا المتعاطفين والمناصرين من السياسيين ورجال الأعمال وغيرهم، ومع ذلك تكتفي، كما تدعي، بمراقبتهم فقط.
هذا الدور العربي ما عاد بالامكان تجاهل غموضه، اذ ان بعضه، بقصد أو بدون قصد، لا يساعد فقط في تأجيج نيران الجهاد التكفيري المتوحش المجنون، وانما يساعد أيضا في تدمير مجتمعات وأقطار عربية باسم مساعدة هذا الشعب العربي أو ذاك أو رفع لواء الديموقراطية في هذا القطر العربي أو ذاك من قبل جهات هي في الأصل غير ديموقراطية، لكنها آلاعيب الانتهازية السياسية في بلاد العرب وهي تحرق الأخضر واليابس.
الجانب الآخر الذي آن أوان طرحه أيضا يتعلق بوقوف المجتمع المدني العربي كجهة سلبية متفرجة على كل ما يجري دون أن تنتقل الى مرحلة الفعل النضالي على المستوى القومي لمواجهة المرض الجهادي الذي أنهك جسد الأمة ويهدد بتهميشها خارج العصر والتاريخ.
هذا موضوع معقد للغاية ولكن أن توجد امكانية اختفاء على الأقل أربعة أقطار عربية، لتصبح كيانات طائفية أو عرقية، ومع ذلك لا توجد حتى محاولة تكوين تيار أو جبهة من القوى المدنية العربية المواجهة، على كل المستويات وبشتى الوسائل الكثيرة الحديثة المتوفرة، لهذا السقوط السياسي والأخلاقي والأمني والاقتصادي الذي يعيشه الوطن العربي، فان ذلك ينبئ بالفعل بقرب موت الأمة. نحن لا نبالغ على الاطلاق. فالخطر هائل وشبه محقق.
ان جيوش العرب الممزقة المرتهنة للفساد السياسي، وقوى الأمن المشغولة بمحاربة شباب ثورات وحراكات الربيع العربي وارجاع المجتمعات العربية الى وضع السكون والاستكانة، وقوى الاسلام السياسي الخائفة المترددة والحكومات العربية المتناحرة فيما بينها.... جميع هؤلاء لن يدحروا قوى الجهاد التكفيري العنفي الأحمق. الذي سيدحرهم تحرك المجتمعات العربية نحو الوعي والفعل وقبول التحدي. عند ذاك لن تستطيع هذه الجهة العربية أو تلك الوقوف مشلولة أو متآمرة أو متجاهلة بينما تمتد الحرائق كل يوم ويسرح المجرمون في أرض العرب.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

596 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع