العلاقات الأمريكية - السعودية بعد الحادي عشر من أيلول

                                          

                              آرا دمبكجيان

العلاقات الأمريكية - السعودية بعد الحادي عشر من أيلول 2001
وضِعَت العلاقات الأمريكية – السعودية على محكِّ أختبار بعد الأرهاب الذي طالَ الولايات المتحدة، حتى أن بعض المحللين السياسيين تساءلوا إن كانت هذه العلاقات المتذبذبة لا زالت تحتل الصدارة في السياسة الخارجية الأمريكية.

و كان أحد أسباب ذلك التراجع كون 15 من مجموع 19 من الذين قاموا بالعمليات الأرهابية في 11 أيلول 2001 من السعوديين. و في الوقت نفسه، بدأت في حينها بوادر أَزَمَةٍ كبرى تختمرُ في المملكة، و أن الرأي العام الغاضب فيها كان على وشك الأنتفاضة ضد العائلة الحاكمة و النفوذ الأمريكي في الداخل مما كان سيؤدي الى مخاطر جمّة للبلدين.
و اذا فشلت السلطات السعودية وقتذاك في السيطرة على الغليان في الوقت المناسب لكانت النتائج وخيمة بالنسبة الى التحالف الأستراتيجي بينها و بين الولايات المتحدة الأمريكية.
و هناك أسئلةٌ جديدة حول هذه العلاقة بدأت في التداول نتيجة تغيّر أوضاع سوق النفط العالمي و ذلك بدخول منتجين جدد فيه مثل روسيا. و مع هذا، ما زال نفطُ الخليج يشكِّل العمود الفقري لسوق النفط العالمي، و لا زالت شؤون المنطقة في أولويات الأستراتيجية الأمريكية.
و جلبت أحداث تلك السنة الى الأنتباه الحاجة الماسة الى إصلاحاتٍ سياسية و أقتصادية في العربية السعودية لتقوية ثبات و أستقرار المملكة الذي ينعكس بدوره على ثبات الأقتصاد العالمي.
النفط في الأستراتيجية الأمريكية
هناك حقيقة واضحة أن منطقة الخليج العربي ستبقى، كما كانت، مركز ثقل سوق النفط العالمي، و ستزداد حيوية أكثر في المستقبل، مع العلم أن الواردات الأمريكية للنفط من خارج منطقة الشرق الأوسط سوف لن تغيِّر هذه الحقيقة... فالولايات المتحدة و غيرها من كبار مستوردي النفط في أوروبا الغربية  و جنوب شرق آسيا هي في الواقع جزء من سوق النفط العالمي، تتبع أهواء العرض و الطلب، مع العلم أن الطلب العالمي على النفط أزداد في العقود الأربعة أو حتى الخمسة الماضية. و يشكِّل النفط حالياً أكثر من 40 بالمائة من أستهلاك الطاقة و لن ينخفض عن هذا المقدار بالتأكيد خلال السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة.
تعتمد الخيارات المتوفرة لمستوردي النفط  بصورة واضحة على السعر، و بالتالي على الدول التي تملك أحتياطاتٍ كبرى من النفط، و أن أكثر من 60 بالمائة من نفط العالم موجود في الدول الواقعة على جانبي الخليج العربي.
فالمملكة العربية السعودية تملك 25 بالمائة من أحتياط النفط العالمي، يليها العراق بنسبة 11 بالمائة و 9 بالمائة لكل من الكويت و الإمارات العربية المتحدة و إيران. و أتذكِّرُ جيداً أن نائب وزير النفط العراقي المرحوم طه حمود موسى صّرَّحَ في التسعينات الى جريدة "الكارديان" في أثناء مقابلة معه أن الأحتياطي العراقي للنفط سيتخطّى حاجز ال 300 مليار برميل حين يجري أستكشاف الأراضي العراقية كافة. و بعد الأحتلال الأمريكي في 2003 صرَّح السيد برهم صالح، نائب رئيس الوزراء آنذاك، أن العراق يملك أكثر من 300 مليار برميل كأحتياطي حتى قبل أكتمال الأستكشافات الجارية آنذاك.
و لعل القارئ الكريم يتذكر مقولة الرئيس الراحل صدام حسين قبل أكثر من ثلاثين سنة حين أعلن أن آخر برميلين من النفط في العالم سيكون أحدهما عراقياً...و أصاب الرجل، إذ نتلمّسُ النتائج الآن بكل وضوح...و خاصة الأحتلال الأمريكي للعراق.
 في الرابع عشر من شهر شباط من سنة 1945 دخلتْ أمريكا فعلياً في شؤون المملكة العربية السعودية ومنها في شؤون منطقة الخليج العربي و منها الشرق الأوسط و العالم... في ذلك اليوم وقَّعَ الرئيس الأمريكي فرانكلين روزيفيلت مع العاهل السعودي الملك عبد العزيز بن سعود على أول أتفاقٍ ثنائي بين الدولتين حَصَلَت أميركا على مفاتيح الأقفال الموجودة على آبار النفط السعودي مقابل حماية النظام الملكي الحاكم. جرى التوقيع على التفاهم الأمريكي – السعودي على ظهر الباخرة كوينسي التابعة للبحرية الأمريكية و الراسية في البحيرات المُرّة من قناة السويس. أنظر الرابط في أدناه:
https://www.youtube.com/watch?v=9sqPDdk5XCg&feature=player_embedded
--------------------------
تُشكِّل الأولويات الأستراتيجية الأمريكية سبباً آخر لبقاء النظام السعودي حليفاً مهماً لأمريكا. فخلال العقود الثمانية المنصرمة جعلَت الولايات المتحدة من نفط الخليج مصلحة امنية متقدِّمة في سياساتها الأقتصادية. و من غير الطبيعي أن تتنازل عن هذه السياسة في السنوات القادمة. فالنظرة التقليدية للسياسة الأمريكية للخليج العربي هي أن الأستراتيجية الأمريكية و جهدها العسكري مبنيّان أساساً على ضمانِ تدفُّقِ النفط بصورة مستمرة و بأسعارٍ معقولة...و تُشير الوثائق السرية الأمريكية التي كُشِفَ النقابُ عنها قبل عقدٍ من الزمن أن الأستراتيجية الأمريكية كانت قد حَصَرَت جهدها على منعِ أيِّ قوةٍ معادية من السيطرة على منابع نفط الخليج. و الذي أقْلَقَ مخططي السياسة الأمريكية من سنة 1949 أن تجني دولة معادية ثروة و قوة هائلتين بعد سيطرتها على حصة دسمة من منابع إنتاج النفط العالمي فتصبح بالتالي قوة مهدِّدة لأمريكا.و لهذا توجَّهَت السياسة الأمريكية الى (منع) ذلك النفط من الوصول الى أعدائها، ضامنة في الوقت نفسه تدفّقه نحو ... الغرب.
و في عام 1949 إزدادت المخاوف من سيطرة السوفييت على منابع نفط الخليج مما حدا بالولايات المتحدة التفكير حتى بتدمير المنشآت النفطية. فبالتعاون مع الحكومة البريطانية آنئذٍ و شركات النفط الأمريكية و البريطانية، و من دون عِلمِ الحكومات العربية، وضع الرئيس الأميركي هاري ترومان خطة سرية تحت الرمز NSC 26/3  ،حسب تصنيف مجلس الأمن الوطني، بوضع متفجرات في جميع حقول النفط في منطقة الخليج العربي ... و كآخر حلٍّ أمام غزو سوفييتي، كانت الخطة تقضي بنسف و تدمير المنشآت و المصافي النفطية كافة و إغلاق منابع الأحتياطي النفطي في المنطقة للحؤول دون وقوعها في قبضة موسكو.
و كان الخوف من سيطرة الأتحاد السوفييتي على نفط الخليج شديداً لدرجة أن إدارة الرئيس ترومان أخذت بعين الأعتبار أستخدام أسلحة ذات نشاط أشعاعي لتدمير حقول النفط قبل وصول السوفييت اليها. و قد تم الأستغناء عن هذه الفكرة في 1950 بعد دراسة أجرَتْها وكالة المخابرات المركزية CIA  على منع إستفادة العدو من نفط الخليج و في الوقت نفسه الحفاظ على مخزون النفط سالماً لإستفادة الغرب منه مستقبلاً. و جاء تقرير الوكالة تحت الرمز  NSC 26/3  أيضا بتاريخ 29 حزيران 1950 بالتعديل الآتي:
"من الممكن أستخدام وسائل مشعة لمنع العدو من الأستفادة من آبار النفط، و لكن هذا لن يمنع من إجبار العرب - المعرَّضين للأستهلاك أو النفوق Expendable - من الدخول الى الأماكن الملوَّثة أشعاعياً لفتح الآبار من جديد و أستهلاك الأحتياطي النفطي. و لهذا، و بالإضافة الى تأثيرات الأشعة على السكان العرب، لا يمكن أعتبار أستخدام المواد المشعة طريقة عملية للحفاظ على الأحتياطي."
و يُضيف التقرير "... و حتى بعد دخول الجيش الأحمر منطقة الخليج" فيؤكد على ضمانة الولايات المتحدة على "المحافظة على مصادر النفط لإستخدامها من قِبلنا بعد إعادة الأستيلاء على المنطقة."
و في الخمسينات نفسها أدَّت تحليلات الساسة الأمريكيين الى أستراتيجيات عملٍ تقليدية لمنع السوفييت من الأستحواذ على نفط الخليج العربي، فقد نَقَلَت المتفجِّرات الى المنطقة و خزنتْها قرب آبار النفط. و عَبَّرَت الخارجية الأمريكية عدة تحفُّظاتٍ تجاه هذه الخطة التي تُعطي الإشارة الى الحكام العرب أن الولايات المتحدة غير مستعدّة للدفاع عن حكوماتهم.
ففي 1957، و تجاوباً مع عدم أستقرار الموقف في المنطقة بعد أزَمَةِ قناة السويس، و سَّعت إدارة الرئيس آيزنهاور أستراتيجيتها في الدفاع عن المنطقة. و بعد نمو و تطوّر التوجُّهات القومية العربية بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصرزادت مخاوف الولايات المتحدة مع عدد من الحكومات العربية الصديقة، من دخولِ أنظمةٍ معادية الى المنطقة.
جميع هذه الأسباب، قديماً و حديثاً، و حتى بعد الأنهيار السوفييتي، تُجبرُ الولايات المتحدة على إبقاءِ قواتٍ أمريكية، ولو بأعدادٍ قليلة، مع إيجادِ السبل كافة لضمان أستقرار الحكومات الصديقة فيها. و ما جرت من حروب في المنطقة، كحرب الكويت ثم الأحتلال الأمريكي للعراق و إضافة موضع قدمٍ أخرى لها فيه، خير دليلٍ على أهمية هذه المنطقة للأستراتيجية الأمريكية.
و أخيراً، تلعب السعودية دوراً نفسياً مهماً فيما يخص الشعوب الأسلامية، و تعلمُ الولايات المتحدة أن تحافظ على النظام السعودي الصديق بدلاً من أن ترى نظاماً أسلامياً راديكالياً يقود الملايين من المسلمين في عداءٍ واضحٍ لها.
و هذه ما ترغب فيها أمريكا...علاقة أمريكية – سعودية حميمة تكون ذات منفعة للطرفين.

آرا دمبكجيان


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

499 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع