الدور الايراني في المنطقه

                                       

                          د.علي حسين علي


لا يكفي لايران أن تنتزع لنفسها دوراً في المنطقه مستفيدة من الانهيارات هنا وهناك.

الأهم أن يعترف الآخرون لايران بهذا الدور، وأن يعتبروه طبيعياً ومتناسباً مع حجمها، وأنه ليس مؤسَّساً على حساب أدوار يستحقها الآخرون. وأن يكون دورايران ليس مشروع تهديد دائم لجيرانها. وأن برنامجها ليس تغيير ملامح جيرانها وعقائدهم وانمطة حياتهم وطريقة عيشهم  اوإعادة صياغة هذه البلدان بما يتناسب مع مصالح ايران وحساباتها الاستراتيجية. وتقول التجارب أن أطول الأدوار عمراً هي تلك التي لا تُبنى على ركام أدوار الآخرين، بل تترك لهم فسحة للتنفس والعيش، وأن الأدوار التي تُنتزع بالقوة معرّضة لتلقّي رد فعل القوة المعاكسة، فضلاً عن احتياجها الدائم إلى لغة القوه والقهر والقسر للدفاع عن مكتسباتها لكونها مكتسبات غير شرعيه وغير مقبوله .
من المناسب الاعتقاد بأننا في ختام معركة الأدوار في هذا الشرق الأوسط الملتهب. وفي هذه المنطقة المليئه بالغام الجغرافيا والتاريخ والدين معاً. منطقة تتّسم حدود الدول فيها بهشاشة كما رسمت في مطلع القرن الماضي  تعززها الولاءات العابرة للحدود. منطقة تشكو ضعفاً صارخاً في ثقافة التعايش، وقبول الآخر. كما إن ادوارالدول  الكبرى تحتاج إلى قاعدة صحيحه لضمان ديمومتها وبقائها ومقبوليتها ...كما تحتاج إلى لغة جذّابة واقتصاد قوي و إدارة جيده  والتفات وعنايه دائمه إلى مشاعر أبناء المناطق التي تمارس فيها هذه الأدوار.
يبدو ان احد الاعبين في المنطقه لم يعي هذه الحقيقه وانطلق من غطرسته مستندا على تاريخ مضى باصدار التصريحات المتعاليه كمن حقق الانتصارات الكبيره والازمه والصراع لايزال في بدايته كما فعل ( علي يونسي ) عندما اعتبر بغداد عاصمة الامبراطوريه الايرانيه الفارسيه وبالرغم من رد المرجعيه على لسان احمد الصافي الناطق باسمها :
( إننا نعتزّ بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا. وإذا كنّا نرحب بأي مساعدة تُقدَّم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب، ونحن نشكرهم عليها، فإن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن نغضّ الطرف عن هويتنا واستقلالنا، كما ذهب إليه بعض المسؤولين في تصوراتهم). هذا ما قاله أحمد الصافي ممثل المرجعية في خطبة الجمعة في كربلاء، نقلاً عن المرجع الأعلى علي السيستاني. وأكد (أن العراق سيكون كما كان دائماً، منيعاً إزاء أي محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه). وواضح أن هذا الكلام الصريح جاء رداً على تصريحات علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني الذي قال أن بغداد  (عاصمة الإمبراطورية الإيرانية، ولا خيار بين البلدين إلا الاتحاد أو الحرب ) كما نتمنى نحن كعراقيين وكعرب وكورد ان يكون كلام المرجعيه نابع من قناعه وليس تقيه او نوع من انواع التهدئه لما يجري في المنطقه كما نأمل من المسؤولين الإيرانيين التوقُّف طويلاً عند هذا الكلام، سواء اعتبروه نصيحة أم تحذيراً اذا كان حقيقيا كما ذكرنا. إنه كلام الرجل الذي لعب دوراً بالغ الأهمية في عراق ما بعد صدام حسين، ولا مبالغة في القول أنه جنّب البلاد ما هو أدهى مما تعيشه.
 الحقيقة أن غياب الواقعية هو أهم ما ميّز سياسات القوى العراقية البارزة بعد سقوط صدام. افتقرت سياسات القوى الشيعية بكل انواعها وخلافاتها وتناقضاتها و التي اعتبرت نفسها منتصرة تحت حراب الامريكان ،تفتقر إلى الحد الادنى  من الواقعية، لحفظ شيء من هذا الانتصارالقابل  للضياع بعد ان بدأت الخطط الايرانيه بالتآكل والانهيار بدأ من اليمن ومرورا بسوريا ولبنان ,, والعراق ليس ممتنعا كما يقول وزير خارجية البحرين ان كافة الخيارات في المنطقه مطروحه لعاصفه مماثله لعاصفة الحزم . وكماافتقرت القوى الشيعيه  كذلك كان حال  وسياسات القوى السنّية التي اعتبرت نفسها مهزومة، إلى حد الهروب من الواقعية، لضبط الخسائر وترميم شيء من ما تبقى .
لنقترب من التفاصيل. ليس غريباً أن يكون لإيران دور على أرض العراق الذي يعيش في ظل انقسام عميق بين مكوّناته، وفي ظل مؤسسات مريضة فضحها انهيار الجيش أمام هجوم «داعش». ولكن، هل من الطبيعي أن يصل الدور الإيراني هناك إلى حد ظهور تصريحات من امثال تصريحات يونسي؟ وهل من الطبيعي أن يشعر قسم من العراقيين بأن بغداد تُدار من طهران؟ وهل يؤسّس مثل هذا الشعور لقيام علاقات دائمة ومستقرة بين البلدين؟ بالتاكيد ان ذلك غير مقبول لدى الشريحه الكبرى للشعب العراقي وبالرغم من محاولة بعض المليشيات الايرانيه المنشا والولاء والهوى فرض ذلك بقوة السلاح والتهديد الا ان هناك الكثير من الشيعه على نقيض مع التوجهات الايرانيه ونظام الولي الفقيه وعلى خلاف في الرؤى والمراجع وحتى الميل وقد كشفت احداث اليمن بعض جوانب الاهداف الايرانيه والتي غيرت من مواقف الشيعه في العراق وينعكس ذلك على خلاف القوى الشيعيه على ارض العراق بين مؤيد ومعارض ..

 وفي سورية. ً فأن النظام السوري أقام علاقة تحالف عميقة مع إيران تحت راية الممانعة. وأن إيران اعتبرت محاولة إسقاط هذا النظام بمثابة انقلاب شديد الخطورة على استثمارها الطويل الذي أدى بها إلى الوصول للبحر المتوسط عبر «حزب الله» اللبناني ( ايران تنفق 35 مليار دولار سنويا على النظام السوري ). ولكن، هل من المنطق والاصول والاعراف أن يقول مسؤول إيراني أن بلاده هي التي منعت سقوط دمشق؟ وهل من الطبيعي أن تصبح  إيران صاحبة الكلمة الاولى و الأخيرة على أرض سورية وأقوى من النظام السوري هناك؟
ولنذهب إلى لبنان. يقول قادة حركة 14 آذار أن ما منعهم من بناء وضع مستقر في لبنان هو اصطدام برنامجهم الذي أُعلِن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالبرنامج الإيراني الكبير للمنطقة. ويضيفون أن ممارسات العنف وسياسية التهديد التي شهدتها هذه السنوات، كانت ترمي بالدرجة الأولى إلى منع إخراج لبنان من حلقات السلسلة الإيرانية.
ليس بسيطاً أن تستخدم جهات عراقية عبارة «الاحتلال الإيراني»، وأن تقتدي بها جهات في المعارضة السورية، وأن تقترب قوى لبنانية ويمنية من استخدام العبارة ذاتها. وإذا أخذنا في الاعتبار أن مستخدمي هذه العبارة هم في الغالب من السنّة، نُدرك حجم التوتر في بلدان المنطقة وهو توتُّر يؤسس لموجة جديدة من النزاع والتطرف.
يجدر بالمسؤولين الإيرانيين التمعُّن في نصيحة السيستاني ( والتي لم تاتي حبا بالعراق بل كرها بالولي الفقيه لتقاطع المصالح والرؤى والنفوذ ). تنامي المشاعر ضد الدور الإيراني يُؤكد تحوله الى عامل عدم استقرار و تهديد للانظمه واراضي وحدود وطوائف واغلبيات في منطقة الشرق الاوسط . إننا الان في بداية معركة الادوار والحصول على المكاسب ولازالت كل الاطراف تخوض معاركها وعلى الذين  يخططون او خططوا لها ان يراجعوا انفسهم لان السيل غير مجراه وهو ذاهب باتجاه الشرق وليس كما احتسبه البعض ان الهلال سيكون في الغرب  وعلى ارض العرب ..  


الكتور علي حسين علي
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1183 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع