لا شبيه لفسادك يا بلادي

                                         

                         علي السوداني

أمّا نحن ، فلقد قلناها وكتبناها ونشرناها قبل وقوع المصيبة الرافدينية العظمى وبعد خراب البصرة وأخواتها ، إنّ الأمريكانَ وحوشٌ وحراميةٌ وهمج ، ما دخلوا بلدةً إلّا أفسدوها .

منغلة ومفرخة الغزاة كانت واجهتْنا بسندٍ ضعيف مستلّ من قدْر الطبخة ، بأننا مستعجلون في فتوانا تلك وعلينا الصبر قليلاً شهوراً معدودات حتى يتبيّن الجرم الأبيض من الجرم الأحمر ، فرددنا عليهم نحن والسنوات العجفاوات ، أن هذه أمريكاكم التي كنتم لها ناطرين ، وهذا هو فلمها المعلن الملوّن الصائح شديد الوضوح . بلادٌ تعيسة مريضة مهانة مذلّة هي واحدة من أفسد الأوطان على أرض الله . رعية مفصومة مخبولة مفككة ، ضيّعتْ بوصلتها وعادت إلى أيام كانت الناس فيها ، تصنع آلهتها من تمرٍ حتى إذا جاعتْ أكلتْ الآلهة وتباركتْ بطعم بلحها المبين . أما أبناء المواخير وذيولهم ونطفهم الشيطانية ، الذين وعدوا المغفّلين والحالمين بصينية دسمة من ديمقراطية ورخاء وكرامة ، فلقد ناموا ورسخوا فوق شعارهم ، إنّ برميل النفط لهوَ أعزّ وأغلى من برميل الديمقراطية ، وبهذه أماتوا أوبك وأوابك وجعلوا سعر نفوط العالم تحت أيمانهم وفوق دكة مزادهم العظيم .
ألفساد والنهب في بلاد ما بين القهرين ، لا شبيه له من حيث الحجم والجوهر والأسلوب .
 ليس الحاكمون في المحمية الخضراء وما حولها هم الفاسدون فقط ، بل ثمة حاضنة شعبية فاسدة ضخمة ، وملايين مملينات من موظفين وجنود وبنادق فضائية ، وعمائم ضلالة سود وبيضٍ وخضرٍ ، وأقلام وأناشيد ومسرحيات ، وكتابات تكتب بقوة سلطة المال الحرام ونهيق المعدة ، حتى يكاد الواحد المسكين لا يقدر على إخراج مراده القانوني من دائرة حكم ، إلّا بقوة الرشوة أو بسيف الميليشيا التي ينتمي لها .
إنّ أخطر ما في " الديمقراطية الأمريكانية " القائمة حتى الآن في بغداد العباسية وما تبقى من أخياتها على ذمة الخريطة ، هو أنها ديمقراطية شكلية ودونية وقذرة ولا تستحي . مئات الفضائيات والجرائد والراديوات ودكاكين الإشاعة والإعلام ، تكاد ميزانياتها تكفي لإعالة كلّ جياع أفريقيا . يسمحون لك بشتمهم وسبّهم وبسمط أبي أبيهم وأمهم ، لكن في حصاد الشتيمة النهائي ، يبقى اللاعبون كلّ في مكانه المقسوم . الكاتب الشتّام المعترض المبحوح صوته والمهدود حيله ، والمروّض المربوط ضميره أخيراً بمعاش رأس الشهر ، يكتب ويفصّل الشتيمة على قدر جسد المشتوم ، والحرامي السلّاب النهّاب بمكانه يعيّرك ويصفك بالبطران سليل البطرنة ، لأنك لا تحمد ربك إذ يسّر لك حرامياً مهذباً طيباً لا يقتل ، فإن قتلك فبفتوى قد تريحك وأنت ترشُّ على وجهه آخر نظرات العتب .   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

785 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع