السلام يا سلام!

                         
يجتمع تقريبا سائر المسلمين والعرب على هذه التحية «السلام عليكم»، وهي سلام أهل الجنة، جنات عدن «لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما»، كما يقول القرآن الكريم. وقد كان أهل الجاهلية يحيون بعضهم البعض بكلمات «انعم صباحا». يروي ابن هشام أن عمير بن وهب دخل على الرسول صلى الله عليهم وسلم وحياه بتلك التحية فرد عليه رسول الله قائلا: «قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير. بالسلام، تحية أهل الجنة».

بيد أن المتعلمين عندنا في العصر الحديث تأثروا بالغربيين فاعتمدوا تحياتهم، صباح الخير ومساء الخير، وكلاهما ترجمة حرفية لكلام الفرنسيين والأنغلوسكسون. بونجور وبونسوار، وغود مورننغ وغود إيفننغ. وهي تحيات تذكرنا بتحيات الجاهلية، كما ذكرت. وفي كردستان العراق واصل أهل السليمانية الذين يعتزون بروحهم «التقدمية» هذا المنحى في حملة «تكريد» اللغة، فأخذوا يهجرون كلمة «السلام عليكم» ويستبدلون بها كلمة بياني باش (صباح الخير) وئيواره باش (مساء الخير).

نقول السلام عليكم ويرد السامع علينا بكلمتي وعليكم السلام، بيد أننا في العراق أضفنا إليها شيئا آخر من وحي حياتنا القائمة على العنف. تأتي إلى القوم الجالسين فتحييهم قائلا السلام عليكم ويردون عليك وعليكم السلام. وما إن تجلس حتى يلتفت إليك كل واحد منهم بقوله «الله بالخير». وعندئذ يقتضي عليك أن ترد بمثلها «الله بالخير»، واحدا واحدا. تقولها مع رفع يدك إلى صدغك بما يشبه التحية العسكرية. وفي كردستان يختصرها الكرد فيقولون «بخير بيي» (أي جئت بخير). لا أدري إن كان مقاتلو البيشمركة يقولون ذلك مع لمسة على بندقيتهم الكلاشنيكوف.

لهذه الكلمة أهمية خاصة. فإذا لم ينطق بها أحد من الحاضرين أو كلهم، فعليك أن تعتبر ذلك إشارة لعدم احترامك ووجود ضغينة منه ضدك. فتستعد للنزال! وأنت بدورك إذا لم ترد على واحد منهم بكلمة «الله بالخير» فهو إشعار منك إليه باحتقاره وتحديه ومعاداته. لا أدري إن كان ذلك قد أسفر فعلا عن عركة ومعركة دامية نشبت فعلا بنتيجة الامتناع عن ترديد هذه التحية العراقية البحتة.

لكنني لاحظت شيئا آخر في العراق يرتبط أيضا بالعنف. الفلاحات والنساء الشعبيات لا يقلن السلام عليكم؛ فهاتان الكلمتان تعبران عن السلام وعدم القتال، وليس من شأن المرأة أن تقاتل؛ فالموضوع خارج ساحتها. السلام عليكم تحية ذكورية ترتبط بالسلم والحرب. بدلا من ذلك، تسمع الفلاحة العراقية تحييك بكلمة «بالقوة» أو مجرد «قوة». تعني دعاء إلى الله عز وجل أن يمدك بالقوة. ولست أدري أي نوع من القوة تفكر بها المرأة التي تحييك بهذا الدعاء إلى الله. ولكل شيء ظروفه. وسيسرني أن أسمع من القارئة الفاضلة فاطمة الزهراء أن تلقي لنا بضوء على هذا الموضوع في التحيات المتبادلة بين النساء والرجال في المغرب العربي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

911 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع