ساسة العراق ومشكلة احتقار الشعب

                                               

الانترنيت بوصفه مصدرا مفتوحا للمعلومات ووسيلة مهمة للتواصل الاجتماعي في عالم اليوم، بات يشكل وسيلة ذات اهمية للتعبير وتبادل المعلومات والاطلاع عليها، ومع ذلك ما زال كثير من الناس يجهلون اهمية وسيلة اتصال على هذا القدر من الانتشار في عالم اليوم وفائدته ومخاطره.

وفي عراق اليوم وجد العراقيون بعد الاحتلال الامريكي ومن معه عام  2003 انفسهم وعلى حين غرة انهم باتوا جزء من فضاء اتصال واسع ومفتوح تمثل باجهزة الهاتف الخلوي وعالم الستلايات والانترنيت وتعدد الصحف والديجاتل، بعد وقت طويل من خضوعهم للمصدر الاعلامي الواحد الموجه من قبل الدولة، ولكن وبسرعة ادرك العراقيون أن قياداتهم السياسية واحزابهم الحاكمة سرعان استخدمت وسائل الاتصال والتواصل هذه لأجل خدمة هذه القيادات نفسها والاحزاب وتوجهاتها الضيقة، قبل ان تقدم المصلحة الوطنية العليا للبلاد والشعب عامة.
وهكذا نجد أن الشعب سرعان ما فقد ثقته بمعظم هذه المحطات والصحف، وبات يتعامل معها بحذر شديد، ومع ذلك لا يزال السباق قائما بين هؤلاء السياسيين من اجل ابقاء صورتهم تتصدر الواجهات الاعلامية وهم يرتدون ارقى الملابس والاربطة ويتعمدون بوضع أعلام العراق وأعلام احزابهم خلفهم، ويجلسون على كراسي وأرائك مذهبة فاحشة الاثمان، وهنا مع الاسف فإنهم إنما يحطون من انفسهم قبل ان يرفعوا من شأنها، في عالم المصدر المفتوح بتنا نطلع ونشاهد اخبارا وافلاما وصورا كثيرة محزنة حقا، تؤشر كم هو حجم التراجع الاخلاقي في اداء الكثير من السياسيين في عراق اليوم.
قبل ايام اجريت استطلاعا ركزته على نخبة عراقية مثقفة اشترك معها في احد مواقع الفيسبوك ووجهت لهم السؤال التالي: من منكم قد اضاف او ضييف اي من وزراء او نواب حاليين او سابقين على صفحته؟. النتيجة المفاجئة كانت انهم جميعا لم يضييف اي واحد من هذه الفئة اعتقادا منهم انهم لن يضيفوا اي شيء سوى الدعاية لانفسهم والترويج للاكاذيب التي تستخدم لكسب اصوات الناخبين ليس إلا.
مثل هذه الإجابة لم تكن غريبة علينا إذ سبق وان اجرينا بحثا على عدد من سياسي العراق ومواقعهم على الفيسبوك، وكان معظمها يجمعها قاسم مشترك وهي أظهارهم لانفسهم وهم في مكاتبهم الفخمة يستقبلون هذا ويودعون ذاك، وبعض التصريحات التي تثبت الاحداث فيما بعد انها كانت جزء من منظومة الكذب والتلاعب والتدليس المستخدم في عالم السياسة في عراق اليوم، بأختصار عقب احدهم على هذه الحالة بالقول ان " لصوص عراق اليوم لا تجدونهم على اسوار المنازل ليلا بل تجدوهم في وضح النهار في مكاتبهم الفخمة".
ان احدى مشكلات السياسيين في دول العالم الثالث هي حاجتهم للكذب من اجل تحقيق شعبية اكثر. مثل هذا المنهج والاسلوب مضران ولا يمكن ان يستمرا طويلا، إذ سرعان ما يكتشف الشعب كذب السياسيين خصوصا انهم لم يتمكنوا من تقديم شيء او الوفاء بجانب مما يتحدثون به، ولدينا في تاريخ العراق الحديث امثلة كثيرة عن سياسيين مارسوا الكذب وتلاعبوا بعواطف الجماهير من اجل كسب الوقت او البحث عن رصيد شعبي مؤقت، ولدينا الكثير من الوثائق التي تؤكد ذلك اسوق بعضها على سبيل المثال إذ في عام 1956 وخلال احداث ازمة السويس  أضطر رئيس الوزراء نوري السعيد ان يعلن رسميا تعليق مشاركة حليفته بريطانيا في اجتماعات حلف بغداد وذلك في محاولة منه لتهدئة الجماهير العراقية الغاضبة، ولكنه في ذات الوقت كان قد اتصل مع السفير البريطاني مبلغا اياه ان لا ياخذ تصريحه هذا على محمل الجد.
 مثال اخر عن هذا النوع من الكذب والدجل السياسي حصل عندما اعلن رئيس الوزراء مزاحم بك الباججي دعم حكومته اعلان قيام حكومة عموم فلسطين برئاسة المفتي امين الحسيني، ولكنه حالما خرج من قاعة الاجتماع ابلغ السفير البريطاني انه اطلق تصريحه هذا بحثا عن دعم شعبي له ولكنه يعلم جيدا ان مثل هكذا حكومة لن تستمر طويلا.
في عراق اليوم هناك ساسة لا يهتمون ولا يحترمون اطلاقا حتى جماهيرهم وباتوا يتصرفون وينهجون سلوكيات لا يمكن ان تدل على ثبات فكري وعقائدي او منهج واضح، وفي هذا احتقار ما بعده احتقار للشعب.
لقد اصبح الكثير من الساسة والكثير من النواب يتفنون في اطلاق الالفاظ والمسميات للاحداث او ما هو مطلوب تمريره من خدع سياسية عبر مشروعات قوانين يقدمونها او تصريحات سرعان ما تثتب كذبها او تراجعهم عنها ولدينا في ذلك امثلة كثيرة ان تم تعدادها سنجد انفسنا امام قائمة طويلة، وهم لا يدركون ان في عالم المصدر المفتوح بات بالوسع استرجاع هذه المعلومات بسهولة واعادة تقديمها لهم لتحديد حقيقة مواقفهم.
عليه لا بد ان يدرك ساسة العراق ان الاساليب الرخيصة المستخدمة في تضليل الجماهير والراي العام او حتى المؤيدين لهم، باتت امرا من السهولة بمكان كشف أبعادها وتفاصيلها، وبالتالي فان عليهم ان كانوا حقا يبحثون عن مجد سياسي ان ينتهجوا منهجا واضحا في تعاملهم مع الشعب، وان يتعلموا ان حبل الكذب هو فعلا قصير، بخلاف ذلك سيجدون انفسهم خارج التاريخ ان لم يكن بعضهم قد خرج فعلا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

693 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع