غضبة الطبيعة

                                         

جحظت عيناي وأنا أشاهد مناظر الدمار التي خلفها إعصار (ساندي) الذي أجتاح منذ عدة أيام السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأميركية. مشاهد مروعة تدفع الإنسان إلى التفكّر، وإلى الارتعاد خوفاً من انقلاب الطبيعة عليه، ورغبتها في استعراض عضلاتها بين حين وآخر أمام جبروته وغطرسته. كأنها تريد القول له... بأنك أيها الإنسان مهما تقدمت ومهما بلغت من العلم شأناً عظيماً لا تستطيع أن تصمد أمام ثورات غضبي!

الطبيعة المعروفة بشراستها منذ القدم لم تقف صاغرة أمام عبث الإنسان بالأرض، ولم تتحمل نظرات اللامبالاة التي ينظر بها إليها، بل قاومته بضراوة وكشّرت عن أنيابها ولقنته درساً قاسياً بأنه مهما ارتفع عالياً فإنها ستظلُّ الأقوى، وأنها تستطيع بكل سهولة وبصفعة من كفّها على صدغه أن تُلقيه في اليم!

سبحان الله، اليابان بالرغم من تقدمها العلمي في مجال التكنولوجيا لم تستطع أن تُوقف الزلزال الذي وقع لها منذ ما يُقارب العامين، وأدى وقتها إلى وقوع كوارث مفزعة ستحمل وزرها الأجيال القادمة من اليابانيين. ذلك الزلزال الذي تسبب في انفجار مفاعل (فوكوشيما) محدثاً تلوثاً إشعاعياً كبيراً، وأصبح من غير الممكن العيش في تلك البقعة المحيطة بالمفاعل لقرون طويلة قادمة! وهو ما دفع الخبراء إلى القول بأن زلزال اليابان يعد من أسوأ الكوارث في العالم بعد كارثة (تشرنوبيل) بالاتحاد السوفييتي سابقاً.

أميركا التي تتفاخر على الدوام بقوتها العسكرية وعضلاتها التكنولوجية فشلت في كبح جموح إعصار ساندي، الذي خلّف لحد الآن مئة وخمسة قتلى، والقائمة تحتمل الزيادة مع ارتفاع أعداد المفقودين الذين لم يتم العثور عليهم لحد الآن. إضافة إلى انقطاع الكهرباء عن ستة ملايين ونصف شخص بسبب الفيضانات التي أدت إلى تعطّل أكبر محطة للكهرباء بولاية نيويورك.

الإنسان ليس بريئاً مما يحدث على كوكب الأرض من تغييرات، بل يداه ملوثتان بالأخطاء الفادحة! فالتجارب النووية، وما ينتج عنها من تلوث بيئي، والحروب الدائرة التي تُستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة، وتصرفات البشر اليومية الخاطئة المتسمة بالجهل والاستهتار مع التربة والأجواء المحيطة بها، جميعها كانت أسباباً مباشرة لتفاقم النكبات بالعالم!

هناك الكثير من منظمات حماية البيئة تُطالب بالحد من التجارب النووية، وقد استجابت العديد من المجتمعات الغربية لهذا المطلب وخرجت مظاهرات فيها تُندد بالتجارب النووية، وإلى وجوب تطبيق الكثير من الخطوات لحماية الأرض من التلوث البيئي.

في عالمنا العربي لم تزل ثقافتنا ضئيلة تجاه هذا الالتزام الذي يستوجب علينا فعله تجاه الأرض التي نعيش عليها. وهناك من يلتمس العذر لمجتمعاتنا، ويرى بأنها مغموسة من رأسها وحتى أخمص قديمها في قضاياها الشائكة المتعلقة بأمنها، واستقرارها، وفي زرع المحبة والتسامح بين أفرادها، وفي الحد من نبرة التطرف الفكري التي تقودنا نحو الهاوية! لكن هذا الواقع الأليم لا يعني أن نتغافل عن الحقيقة المرّة، بأن غضب الطبيعة لن يستثني بلداننا!

نحن للأسف أنانيون، مستهترون، نُطالع ما يجري في العالم بعيون باردة كأننا نعيش في كوكب آخر! يجب أن نُدرك بأن حماية الأرض مسؤولية واجبة على كل فرد منّا. وإذا كانت الإعصارات والزلازل تغض اليوم الطرف عنّا، فلا يمكنها أن تستمر في تجاهل بلداننا طويلاً! الطبيعة عندما تغضب ستغمض عينيها، ولن تمر علينا مرور الكرام تعاطفاً مع ظروفنا! ستقول لنا بعيون جريئة.. ما يجري في بلدانكم من مآسٍ لا يعني إعفاءكم من تبعات غضبي، فما دمتم تعيشون على أرضي من الواجب أن تحموها حتى لا تسمن عقدة بلواكم!


أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

944 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع