ام كلثوم وزوجة الرئيس

                       

                            عبد الكريم الحسيني

ام كلثوم .... ذلك الصوت الملائكي العذب الحنين المتمكن ... ام كلثوم ذلك الذوق الحساس في اختيار الكلمه واللحن والاداء .. ام كلثوم التي عشقها كل العرب بالرغم من اختلافاتهم السياسيه واهوائهم ومشاربهم ..

ام كلثوم التي لم تسيء الى احد ولم تنطق بكلمه جارحه او قلة ذوق او اساءه او كلام ولحن هابط وسوقي .. ام كلثوم كانت دائما في العلا في مكانة خاصة في قلوب كل العرب ومحبيها من الشرق الى الغرب وهي الوحيده التي كانت تجمع العرب وتوحدهم وتراهم جلوس يوم الخميس الاول من الشهر اما المذياع ينتظرون بلهفه وترقب اذ يخرج عليهم المذيع ليقول .... هنا القاهره .. من سينما قصر النيل ننقل لكم الحفل الغنائي الكبير لسيدة الغناء العربي السيده ام كلثوم مع اغنيتها الجديده ...... وينساب اللحن الجميل ومعه الصوت الرخيم وعذوبته والكلام الموزون ... هذه ام كلثوم التي كان يستمع اليها مائة مليون عربي في حفلاتها ..
التقيت ام كلثوم اول مره في لبنان في كازينو طانيوس في مصيف عاليه عام 1965 وغنت اغنية انت الحب وكان الجمهور يترنح مع عذوبة اللحن والكلمه وبخليط عجيب من العقال الى الطربوش الى السداره والفروه والسموكن .. كل العرب حاضرين وكانك في مؤتمر للجامعه العربيه ..هذه هي ام كلثوم ..
في عام 1952 عندما حدثت ثورة يوليو وتولى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سدة الحكم كان وزير الاعلام الرائد صلاح سالم ويبدو انه كان لايطيق ام كلثوم واعتبرها من مخلفات الملك فاروق ومنعها من دخول الاذاعه ولكن كانت ام كلثوم تشكل معنى آخر للرئيس عبد الناصر وعندما افتقدها اتصل بها مستفسرا عن سبب غيابها واخبرته انها ممنوعه من دخول الاذاعه ولكنه اصدر امرا بالغاء ذلك وطلب منها مباشرة نشاطها وعبد الناصر له قصه مع ام كلثوم عندما كان في فلسطين في حصار الفالوجه عندما طلب منها في رساله ان تلبي طلبه في احدى اغانيه وقد لبت الطلب وكان عبد الناصر يحتفظ بهذه الحادثه في ذاكرته ولكن يبدو كما تبين لاحقا ان انور السادات كان مشجعا لصلاح سالم في موضوع منع ام كلثوم لانه يعتبرها احدى ادوات النظام الملكي ..
وعادت ام كلثوم وقدمت من اغانيها الجميله الكثير ومرت السنين حتى توفي عبد الناصر رحمه الله واستلم السادات الحكم وهنا بدأت تتغير الامور اذ ظهرت عداوه مبطنه من زوجة السادات ( جيهان ) لام كلثوم لايعرف سببها هل هو تأثير السادات او الغيره او المزاحمه على الواجهه الاولى في مصر ؟؟ مهما كان السبب لكنه اثر سلبا على ام كلثوم وبدأت بعض المضايقات تنال ام كلثوم واخرها عندما كانت ام كلثوم تتهيأ في حفلها السنوي لاداء اغنيتها الجديده ( حكم علينا الهوى ) التي لم تقدمها الا في اسطوانه بسبب الغاء الحجز وتحويل الصاله الى احتفال للمرأه ترعاه جيهان حتى ثارت ام كلثوم وبعدها اصابتها نكسه ولازمت الفراش وهي النكسه التي توفيت على اثرها والتي اتهم فيها الشعب المصري جيهان بانها هي السبب ولذلك تم الاعلان عن وفاة ام كلثوم خمسة مرات والغائه لكي لايتحول الى تظاهرات ضد السلطه ..
وبعد وفاة السادات وانحسار دور جيهان ولجوئها الى امريكا وبعد عقدين ونصف من الزمن قدمها برنامج شاهد على التاريخ في عدة حلقات منها حلقه جرى الحديث عن ام كلثوم :
السيدة جيهان السادات، والتي كانت وهي تُدلي بشهادتها تبدو ـ في غاية التأثر ـ من سيل الاتهامات التي طالت اسمها، واسم زوجها دون وجه حق كما تعتقد هي  فرأت ان ترد باللسان الطويل على كل هذه التهم، وليكن ما يكون على طريقة (علي، وعلى اعدائي) فجاء تأففها من خلال هذا الرفض لوضع ام كلثوم الى جوارها ـ كما تقول ـ لتحقد عليها، او تحاربها، او تغار منها وهي زوجة رئيس الجمهورية، وام كلثوم مجرد مطربة، ولا تصح المقارنة ـ على هذا الاساس ـ بينها، وبين ام كلثوم..؟
ماذا لو ان الكلام كان لام كلثوم.. هل كانت ستقول مثلا ان جيهان السادات ـ مع احترامي وتقديري لها ـ طلعت او نزلت زوجة رئيس جمهورية وانا ملكة الغناء العربي واول من أنشدت احلى واجمل وأرق ما كتبه الشعراء من ابي فراس الحمداني الى محمد اقبال ومن احمد شوقي الى الهادي آدم، ومن عبدالله الفيصل الى احمد شفيق كامل، ومن احمد رامي الى جورج جرداق، ومن احمد فتحي الى حافظ ابراهيم، ولم اسئ في يوم من الايام للذوق او الادب او الاخلاق فلماذا هذه المقارنة ـ الظالمة ـ بيني وبين زوجة رئيس جمهورية رفعتها السلطة الى القمة ثم عادت امرأة عادية جدا..؟
انا احترم كل شخص انتقل من الضوء الى الظل، واعتبر ان الهجوم عليه "وقد دخل منطقة الظل" مسألة غير انسانية الا اذا خرج على قواعد الادب، والذوق، والعرف العام، وهذا ينطبق على السيدة جيهان السادات،  
هل تصح المقارنه بين من جمعت كل العرب حولها وبين من فرقت هي وزجها ماتبقى من العرب ؟؟
ومن اخلاق ام كلثوم الراقيه هذه القصه والتي تخص شاعر العروبه احمد شوقي وهي :
روت أم كلثوم ان أحمد شوقي جاءها يوماً إلى منزلها.. دخل عليها حاجب البيت فقال لها: الحقي يا ست، شوقي بك أمام الباب الخارجي، فهرولت إليه.. وجدت وجهه مضيئاً بابتسامة طيبة، ودفع إليها بمظروف قائلاً: «هذه هدية متواضعة تعبّر عن اعجابي، انها من وحيك».. وفتحت المظروف لتجد قصيدة مطلعها:
سلو كؤوس الطلى هل لامست فاها
واستنجدوا الراح هل مسّت محياها
ولكن أم كلثوم لم تغن هذه القصيدة في حياة شوقي، بل غنتها بعد وفاته.. وقد غيرت في كلمات البيت الرابع الذي يقول فيه شوقي:
هيفاء كالبان يلتف النسيم بها
وينتهي فيه تحت الوشي عطفاها
فأصبح بعد تدخل «الحرفي» أحمد رامي:
هيفاء كالبان يلتفّ النسيم بها
ويلفت الطير تحت الوشي عطفاها
ولم تجرا ان تجرح شوقي بعد تغيير كلمات القصيده ...
ام كلثوم لايزال يتغنى بها اكثر العرب كبارا وشبابا  في حين لايعرف معظم الجيل الجديد من هي جيهان السادات !!!!


يا فؤادي لا تسل اين الهوى .. كان صرحاً من خيالٍ فهوى
اسقني واشرب على أطلاله .. واروِ عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً .. وحديثاً من أحاديث الجوى
لست أنساك وقد أغريتني .. بفمٍ عذب المناداة رقيقْ
ويدٍ تمتد نحوي كيدٍ .. من خلال الموج مدت لغريق ْ
وبريقاً يظمأ الساري له .. أين في عينيك ذياك البريق ْ


عبد الكريم الحسيني


 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع