لا حرفَ جرٍّ يجرّكِ يا بغداد

                                    

                             علي السوداني

سأشيلُ الليلةَ الغطاء وأفتحُ حلقَ جُبِّ اللغة . سأوشوشُ في آذان الحروفِ ، وسأجرجرها ورائي مثلَ لعبةٍ عتيقةٍ تدوزنُ الذاكرةَ بملهاة مبهجة :

هذا قطار السريع عيعو ، يمشي ويغنّي ويبيع عيعو .
سأعودُ مهرولاً مرحاً إلى درس القراءة الخلدونية الحميم ، وسأقطفُ من سرّتهِ ، ألسؤالَ الأزليَّ الماجد : إلى متى يبقى البعيرُ على التلِّ ؟
سألبسُ قميصاً دلِعاً مفتوحة زنقتُهُ على أوّلِ شعْرات الفحولة ، وأقيمُ وليمةَ حرشةٍ جماعيةٍ وقودُها أخوات كانَ ورضيعات إنَّ . سأُقيمُ تمثالاً ضخماً معمولاً من برونز الكلام ، للولد الشقيّ القويِّ غليظ القلبِ والبنيان نائب الفاعل ، وأجعلهُ مَرجمةً مشاعةً للثائرين المظلومين ، وهذا واحدٌ وضيعٌ دونيٌّ ، يذبحُ الضحيةَ ويشويها ويأكلها ، ثمّ يُسندُ ظهرهُ المستقيم على فعلٍ غِفْلٍ مبنيّ للمجهول . سأتحركشُ بنون النسوان ، وأقيمُ خيمةَ عزاءٍ ومَلطمةٍ على المخلوقة المغدورة تاء التأنيث الساكنة التي صيّرها النُحّات مضحكةً وهزأةً وقالوا فيها أنها لا محلَّ لها من الإعراب . سأفتحُ فميَ على مصاريعهِ وأضحكُ بقوة ألفٍ من صنف عادل إمام ، على قبيلةِ حروف الجرِّ الجارّةِ بقوة العادة والسليقة ، وأكتبُ بالقلمِ العريض أنني الآنَ سأُسافرُ إلى بغدادَ ، وساعة يزعلُ عليَّ حرفُ الجرِّ " إلى " سأنفخُ بوجههِ القاسي وأقولُ لهُ : صهْ يا خنزير يا واطىء يا أدبسزّ ، هذهِ بغدادُ أُمُّ البلاد المتبغددة القُحّ ، نارٌ على عَلَمٍ ممنوعةٌ من الجرِّ ، فلا أنتَ ولا الباء ولا الّلام ، بمستطاعكم جرَّ شعرةٍ فائضةٍ من جديلتها المبروكة .
سأزرعُ في سندانةِ الدارِ ، شتلاتٍ ملوناتٍ من علَّ وعسى ولعلَّ وليتَ ولو ، وأسقيها بمائيَ فإنْ شحَّ فماء العين ، فإنْ نضب فبدميَ ، فإن نشفَ فبحرفيَ وذلك أضعفُ عشق العاشقين الدراويش .
سأُقدّمُ الخبرَ على المبتدأ رحمةً ونعمةً وبرداً على قلوبِ الرعيةِ ، فإن غضب المبتدأ وجه البومة ، سأركلهُ على مؤخرتهِ وأرميه في سلة زبل اللغة .
سأفضحُ فضحاً مُجلجلاً  ألضمائر المستترة ، إذ لا معنىً أخلاقيّاً لقولنا :
 لقد سرقَ الخزنةَ والذهبَ وأطلقَ رجليه للريح وهربَ ، ثم يأتيكَ قاضي قضاة الجملة العلّة ، فيخدعكَ ويمصّ ما تبقّى من عافيتك ويذهب بكَ مذهبَ إنَّ سَرَقَ هو فعلٌ ماضٍ منصوب بالفتحة الراقصة على قافهِ ، وإنّ الخزنةَ والذهبَ مفعولٌ بهما وانَّ الفاعلَ ضميرٌ مستترٌ خفيُّ تقديرهُ هوَ .
سأذهبُ صوب ملاذ كنز اللغة حمّالة الوجوه والمعاني والدهشات والأواني وأبصمْ :
آهٍ يا بلدي الحلوة . لقد قَتَلَكِ أهلُكِ والغزاة .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

861 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع