أميركا و«الدور المحدود» في المنطقة

                                     

                         د.منار الشوربجي

الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما من البيت الأبيض نهاية الأسبوع الماضي تدشيناً للحملة العسكرية على داعش، قدم رؤية محددة لطبيعة العملية المقدمة عليها بلاده.

فهو صرح بأن داعش لا تمثل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة، وأكد على أن بلاده ستلعب دوراً «مساعداً» لحلفائها الذين عليهم لعب الدور الرئيسي، واعتبر الحملة العسكرية من أعمال «مكافحة الإرهاب» لا الحروب.

فقد قدم الرئيس الأميركي الاستراتيجية التي ستتبعها إدارته في نقاط أربع، وأكد بوضوح رؤية بلاده لطبيعة الخطر الذي تمثله داعش. ووفق تلك الرؤية، تحددت بالضرورة طبيعة ما عزمت بلاده على فعله، بل وما سوف تمتنع عن القيام به في المرحلة المقبلة.

فقد كان واضحاً في خطاب الرئيس الأميركي أن إدارة أوباما لا تعتبر داعش تهديدا للأمن القومى للولايات المتحدة الأميركية في الوقت الحالي، ولا حتى في المستقبل المنظور.

فأوباما قال إن داعش «تمثل تهديدا للشعب في العراق وسوريا وخطرا على امتداد الشرق الأوسط»، أي هي بمثابة تهديد إقليمي، لا دولي، وقال صراحة إن أجهزة الاستخبارات «لم تكشف عن أية مخططات تُدبَّر» ضد الولايات المتحدة الأميركية.

ومن هنا، فإن الحملة العسكرية التي ستشنها الولايات المتحدة الأميركية في الفترة المقبلة، بالتنسيق مع الدول العربية، ستسعى، كما هو واضح من الخطاب، لدرء الخطر «قبل» أن يلحق بالولايات المتحدة.

وهو ما أشار له الرئيس الأميركي قائلا إن «هؤلاء الإرهابيين، إذا ما تركوا دون ردع قد يمثلون تهديدا متناميا يمتد لخارج المنطقة، بما في ذلك للولايات المتحدة».

وأضاف في هذا الصدد أن أجهزة الاستخبارات الغربية «تعتقد» أن الآلاف من الأجانب، بمن في ذلك الأوروبيون والأميركيون، قد انضموا لداعش، الأمر الذي قد يجعلهم بمثابة تهديد متى عادوا لبلادهم.

ولأن الولايات المتحدة لا تعتبر داعش تهديدا مباشرا لها، فقد قدم أوباما دور بلاده باعتباره دور «المساعد» لحلفائها الإقليميين الذين يتعرضون للخطر، «فنحن لا نستطيع أن نفعل للعراقيين ما ينبغي لهم أن يفعلوه بأنفسهم، ولا يمكننا أن نحل محل شركائنا العرب في تأمين منطقتهم»، كما قال في خطابه.

والاستراتيجية ذات النقاط الأربع واضحة في ذلك، فالضربات الجوية سوف يتسع نطاقها وكثافتها، بينما ستترك أميركا الهجوم البري للحلفاء. ففي العراق «سنوسع من جهودنا إلى ما هو أبعد من حماية (الأميركيين)، والمهام الإنسانية، لنستهدف مواقع داعش، بينما تقوم القوات العراقية بالهجوم».

وقد تعهد أوباما بإرسال 475 من القوات الأميركية إلى العراق، لأغراض التدريب والاستخبارات، لا للانخراط في المعارك. وكرر الرئيس الأميركي أن بلاده لن تقدم على الانخراط في المعارك بأية قوات برية، «فنحن لن نستدرج لحرب برية أخرى».

وقد أكد أوباما على اعتبار الحملة العسكرية على داعش «حملة لمكافحة الإرهاب» لا حربا، وهو ما يعني «التعاون مع الشركاء لمضاعفة الجهود من أجل منع وصول التمويل لداعش، وتطوير العمل الاستخباراتي وتقوية دفاعاتنا، ومحاربة الأيديولوجيات المضللة، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب من الشرق الأوسط وإليه».

والحقيقة أن خطاب أوباما، الموجه في الأساس للداخل الأميركي، سعى لتصوير العمل العسكري الجديد المزمع القيام به في المنطقة، في أضيق الحدود، ثم اعترف بأن ذلك النطاق «المحدود» سيستغرق سنوات لإنجازه.

وهو ما يطرح مفارقتين، المفارقة الأولى أن الرئيس يفعل ذلك في سياق دعم شعبي للعمل العسكري، ومعارضة على استعداد لعمل عسكري. فاستطلاعات الرأي العام تكشف عن دعم شعبي للحملة العسكرية في الخارج، لأول مرة منذ ثماني سنوات.

والأرجح أن الرأي العام الأميركي تأثر بوحشية داعش ودمويتها، خصوصا أن الإعلام الأميركي خصص ساعات طوالا لتغطية ما جرى للصحافيين الأميركيين، فصار المواطن الأميركي العادي على استعداد لدعم ضربات جوية أميركية.

لكن الدعم الشعبي للعمل العسكري يظل دعما شعبيا حذرا، في تقدير كاتبة هذه السطور، لن يقبل بتكاليف في الأرواح أو الأموال.

وقد كان واضحا أن أوباما يخاطب البعدين معا، فهو استجاب للدعم الشعبي، وخاطب القلق من التورط الخارجي.

فلأنه يعلم أن هناك دعما شعبيا لعمل عسكري ضد داعش، فقد خصص فقرة كاملة في خطابه ليقدم فيها للأميركيين كشف حساب عن الضربات الجوية التي قامت بها إدارته ضد هذا التنظيم طوال الشهر الماضي، إلا أن الرئيس الأميركي، مثل أي رئيس سبقه، يعرف جيدا أن الدعم الشعبي للعمل العسكري الخارجي شديد التذبذب مع تطور الأوضاع في مواقع المعركة، ومع تطور الأوضاع داخل الولايات المتحدة ذاتها.

لذلك، كرر أوباما أكثر من مرة، أنه لا مزيد من التورط بقوات برية في الخارج، رغم أنه يعلم أن خصومه الجمهوريين سيكون لهم رأي آخر خلال حملة الانتخابات التشريعية الجارية الآن على قدم وساق، والتي سيستغلونها لمهاجمته.

أما المفارقة الثانية، فرغم أن أوباما سعى لوضع العمل العسكري في سياق «مكافحة الإرهاب» لا «الحرب»، لتصويره على أنه عمل محدود ربما لا يحتاج حتى لموافقة جديدة من الكونغرس، إلا أنه يظل في النهاية «عملاً عسكرياً»، لأنه يستخدم القوات الأميركية خارج الأرض الأميركية.

فصحيح أن الولايات المتحدة تريد من الناحية المادية والبشرية أن تتحمل التكلفة الأقل في تلك الحملة العسكرية بالمقارنة بحلفائها، إلا أن التوصيف الذي قدمه أوباما لدور الولايات المتحدة باعتباره «محدوداً»، إنما يكشف هو ذاته عن اتساع مذهل في تمدد دورها الاستخباراتي والأمني في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.


أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع