الفوضى والخراب والربيع العربي

                                    

                          د. نسرين مراد


من بين كافة القضايا العربية التقليدية والحديثة الطارئة، لم يعد يوجد ما هو أكثر مدعاةً للتشاؤم من حالة الربيع العربي. أصلاً كلمة «الربيع» مستوردة، أغلب الظن أن مراكز استخبارات دولية أدخلتها إلى وسائل الإعلام الناطقة بكافة اللغات، وأهمها اللغة العربية. الفوضى والتخريب واستفحال الفساد وانسداد الآفاق، هو ما يميز ربيع العرب.

يمكن تصنيف العرب المتأثرين بالربيع إلى عدة طبقات، منهم من تأثروا بشكل سلبي شديد الحدة. هؤلاء أصبحت أعدادهم بالملايين، يقطنون خيام اللجوء والنزوح والتشرد. تركوا ديارهم، إما بسبب الدمار الذي حل بها، أو خوفاً على حياتهم إذا ما بقوا فيها.

هنالك المتأثرون بدرجة أقل حدة، وهؤلاء محاصرون في قوتهم وممتلكاتهم وأسرهم، وأصبحوا مشلولي الحركة وضيقي الآمال في كل اتجاه. الطبقة الواسعة العريضة الأكثر تأثراً هم عامة الشعب، صودرت شؤون حياتهم أو جلها، اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً وحضارياً. دول العالم العربي تفقد استقلالها بشكل جلي واضح ومتسارع.

تعتمد حيوياً على الخارج في المعونات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والتعليمية والإدارية. المعونات الخارجية حاسمة أكثر من أي وقت مضى، في تدوير عجلات الاقتصاد المحلي شبه المشلول. تقدُّم التعليم أصبح مرتبطاً بشكل شبه كامل بالتعليم في الخارج. تعطلت كل خطط النهوض والتنمية والتطوير، التي كان من الممكن أن تجعل المتعلم العربي يقف على قدميه مستقلاً.

هنالك طبقة ضيقة جداً استفادت من حالة الركود والكساد والضياع والفوضى. هذه الطبقة تتركز في تجار الحروب والسماسرة، وبعض أصحاب الرساميل. ثمة هنالك مجموعات من الإعلاميين الذين يظلون ينعقون على رؤوس أبناء الأمة، زاعمين أنهم يحاولون توعية العرب بما يجري لهم وحولهم وعليهم.

أثرى هؤلاء وهؤلاء من نكبات الربيع التي حلّت، وساهموا بشكل جلي وفاعل في نشر حال عدم الاستقرار في العقلية العربية، مقابل ثمن مدفوع! يحتاج إصلاح الأمور إلى عشرات السنين، هذا في ما لو بدأ الاستقرار يحل بالمنطقة. هنالك شبه استحالة للعودة بالحياة عكسياً إلى الطبيعية.

كيف يكون الأمر كذلك، وهنالك الملايين من القتلى والجرحى والمنكوبين والمهجرين والمزاحين عن ديارهم بهذا الشكل أو ذاك؟ كيف تمكن العودة إلى الاستقرار والهدوء والتهدئة، وهنالك أبواق إعلامية تبث على مدار الساعة مادةً إعلاميةً تحريضيةً تحض على تأجيج نيران الفتن واستمرار الاقتتال حتى آخر نفَس أو نقطة دم أو نبضة قلب أو عِرق؟

وكلما أُوقف بث وسيلة إعلامية من قمر صناعي، اتخذت الوسيلة تلك موقعاً آخر لها في قمر صناعي أكثر ليبراليةً في حرية التعبير عن الفكر، مهما يكن ذلك الفكر نشازاً وخطراً على مصير الأمة.

كيف يكون هنالك استقرار ووباء الطائفية والحزبية يعصف بديمغرافية المنطقة دون هوادة؟ العرب بحاجة أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى رشدهم، أفراداً وجماعات ومجموعات، حاكمين ومحكومين.

الوقت والمبادرة والمستقبل تضيع من أيديهم. باختيارهم أو بشكل إجباري، يسلكون طريقاً لا يؤدي إلا إلى الضياع والهلاك والخسران. هنالك تراجع في كل شيء.

بعض دول الربيع باتت محرومةً من خدمات الطاقة الكهربائية والمياه النقية وخدمات الصرف الصحي، وبشكل شبه عام كامل. هنالك توقف في أنشطة أجهزة التعليم وتطبيق النظام والقانون، في أجزاء واسعة شاسعة من تلك البلدان.

أنموذج «الصوملة» يعم أركان العالم العربي، أو يهدد تلك الأركان بالقدوم إليها في أي وقت. حتى الدول والكيانات التي تعتقد أنها تنعم بالاستقرار أو محصّنة ضد عاهات وكوارث الربيع العربي، أصبحت تحسب للواقع الجديد ألف حساب.

تخشى على نفسها أن يطرق الربيع العربي أبوابها. الفضل بالدرجة الأولى، والثانية إلى ما قبل الأخيرة، يعود لبعض وسائل الإعلام. تستغل سرعة انتقال الشائعات وتسهيل قبولها في مجتمعات عادة ما توصف بالنامية، تيمّناً!

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع