هل اندثرت العنصرية؟

                                          

                             زينب حفني

أدركت الولايات المتحدة الأميركيّة أهمية الفنون بأشكالها المتباينة في ترسيخ الأفكار التي تُريد تمريرها للمجتمعات كافة، فأوكلت لـ(هوليوود) مهمّة تشويه تاريخ الهنود الحمر، وقامت على مدى عقود طويلة بإخراج أفلام تتحدّث عن الرجل الكاوبوي البطل الذي قاوم ببسالة الرجل الهندي الأحمر المتخلّف الهمجي! وخلت أفلامها من تورّط المهاجرين في إبادة شعب الهنود الحمر الذي كانت له حضارته العريقة، ونجحت في ترسيخ هذه النظرية الكاذبة في العالم بأسره.

حكاية الهنود الحمر ليست موضوعي، ولكنني أريد أن أؤكّد بأن العنصرية لم تمت في بلاد العم سام أكثر البلدان تحضراً! ولم تزل العنصرية العرقية تطلُّ برأسها تجاه الكثير من الأعراق، وعلى الأخص الأميركان السود، وهو ما يدفع للتساؤل.. كيف فشلت دولة مثل الولايات المتحدة الأميركيّة في القضاء على الفكر المتعصّب تجاه الأميركي الأسود؟ لماذا لم يفلح دستورها المدني الذي يحمي حقوق المواطن الأميركي في طمس هذه النظرة الضيقة نهائيّاً؟!

كانت قد وقعت مؤخراً أعمال شغب بمدينة فيرغسون بولاية ميزوري الأميركيّة التي تقطنها أغلبية سوداء، بعد أن قام شرطي بقتل شاب في الثامنة عشرة من عمره، أسود البشرة وغير مسلّح، وهو ما دفع آلاف السكان إلى المشاركة في مسيرة جابت المنطقة، ومطالبة الحكومة بتحقيق العدالة، ومعاقبة رجل الشرطة، الذي أودى بحياة هذا المراهق، وهو ما أدّى إلى إعادة فتح ملف العنصرية العرقية من جديد!

لفت انتباهي منذ تولّي باراك أوباما سدّة الحكم، اهتمام صنّاع السينما بـ(هوليوود) بإنتاج مجموعة أفلام تتحدّث عن تاريخ السود، وعن الظلم الذي لحق بهم على مدى عقود منذ أن تمَّ جلبهم من أفريقيا السوداء كرقيق لخدمة الرجل الأبيض، ولاقت نجاحاً باهراً عند عرضها بدور السينما، ونال بعضها عدداً من جوائز الأوسكار.

عدتُ إلى الوراء وتذكّرتُ زيارتي جنوب أفريقيا، وكان وقتها قد تحرر من الفصل العنصري الذي عانى أهله منه عقوداً طويلة. وعند الإعلان عن إنتاج فيلم (نيلسون مانديلا)، والمأخوذ عن كتابه (رحلتي الطويلة من أجل الحرية)، حرصتُ على مشاهدته. كنتُ وما زلتُ معجبة بهذا المناضل الكبير، وكتبتُ عنه مقالات عدّة، حيث كان أول رئيس أسود منتخب لجنوب أفريقيا. ولكن يظهر بأن قدر الأفارقة أن يعيشوا مواطنين من الدرجة الثانية! فعلى الرغم من نجاح مانديلا ورفاقه في إنهاء الفصل العنصري ببلادهم، إلا أنهم لم يفلحوا في تخليص شعبهم من براثن الفقر، وسيُلاحظ كل من يذهب إلى جنوب أفريقيا بأن البيض ما زالوا يُسيطرون على اقتصاديات البلاد وعلى مناجم الماس، وأن نسبة الإجرام بجنوب أفريقيا بعد أن كانت تُمثّل 2% أيام حكم البيض، صارت تُشكّل 80% بسيطرة عصابات المافيا على أرجاء البلاد.

لا أريد التقليل من نضال مانديلا ورفاقه، فقد أدّوا دورهم بإخلاص، ولكن من الصعب تغيير واقع الشعوب المقهورة بقرارات سياسيّة أو بخطب عصماء يُلقيها المسؤولون أمام شعوبهم! وأن الحل يكمن في قلع النظرة المتعصبة من جذورها، والقضاء على الفقر الذي أعتبره آفة الشعوب!

الإحساس بالظلم لا هوية له، فهو موجود على الأرض ومدوّن بصفحات التاريخ كافة. والشعور بالغبن سيظلُّ قائماً إلى أن يرث الأرض الله ومن عليها. والسعي لتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعيّة، سيبقى مطلباً ملحاً للشعوب المغبونة كافة التي أصبحت تتجرّع نير الاستعباد في شكل أنماط جديدة، تتلاءم مع روح العصر!

الحرية جميلة، ولكن تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية بين أعراق الأرض كافة أجمل. ماذا يفعل الإنسان بسراج الحرية إذا لم يدله على نهاية النفق المظلم؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع