رواية - حفل رئاسي - المحكمة

  

         رواية - حفل رئاسي - المحكمة

       

   

هناك في نهاية النفق غرفة كبيرة، أو بالأحرى قاعة صغيرة، وضعت فيها عدة طاولات متلاصقة مع بعضها بعضاً. جلس خلفها رئيس المحكمة التي شكلت بقرار لمجلس قيادة الثورة، السيد نعيم حداد عضو القيادتين القطرية والقومية، والى يمينه السيدان حسن العامري وتايه عبد الكريم، عضوا القيادة القطرية، وسعدون شاكر الرئيس السابق لجهاز المخابرات، وشماله يجلسان على التوالي السيدان حكمت العزاوي، وعبد الله فاضل عضوا القيادة، وسعدون غيدان وزير المواصلات ، وهناك في الزاوية القريبة للقاعة وُضع كرسي مميز، اتخذه برزان رئيس الجهاز محطة استراحة، للجلوس عليه عندما يشعر بالتعب من التجوال بين غرف التحقيق، والهمس في آذان الأعضاء المنسبين الى هيئة المحكمة، ومراقبة التصرفات بقوة تتطلب استنزاف جل الطاقة. 

سيدي الرئيس، لقد أكتمل التحقيق، كان آخر الافادات التي تم ضبطها للخائنين طارق حسين، وسرمد عبد اللطيف، اللذان اعترفا بعلمهما بالمؤامرة وعدم الاخبار عنها، هذا ما قاله رئيس الجهاز لرئيس جمهوريته عبر الهاتف المباشر بينهما. وقبل أن ينهي الرئيس كلامه، بارك جهوده والآخرين في إتمام ما مطلوب على أكمل وجه، وأردف قائلاً:
ان الشعب العراقي العظيم تواق لأن يسمع عن المؤامرة والخونة، والمصير المحتوم هذا اليوم، وإنه ينتظر تمام الخبر، في مكتبه الذي لن يغادره، إلا بعد اتمامه كما يجب أن يكون.

.............


تعقد المحكمة الخاصة جلستها الأولى في الساعة الثامنة مساء اليوم السابع من آب، وهي كذلك الأخيرة، بعد اكتمال التحقيق مع الأشخاص المسجلة أسمائهم، في القصاصات المكتوبة بالحبر الأحمر، وتَثبيت الذنوب كما وردت مكتوبة أيضا بالحبر الأحمر:
اشتراك فعلي في المؤامرة.
التستر على المؤامرة.
التعاطف مع المشاركين في المؤامرة.
بعدها وُضع المذنبون، وغير المذنبين في طابور، وكأنهم يسيرون في رهط عسكري، يتقدمهم عبد الخالق السامرائي، ومن بعده مباشرة محمد عايش.
لقد تحولوا في هذا الطابور اللعين، من رفاق في الحزب وسادة في مناصب الدولة الرفيعة، الى أخوة في المصير المجهول...لعل روابط المجهول في السير على طريقه، أقوى أثراً من رفقة السياسة، وأمنياتها الساذجة، في تحقيق الغد الأفضل لكل أبناء الأمة، قالها السيد عبد الخالق حال الوقوف.
التفت اليه محمد عايش من دون تردد قائلاً، أي أمة هذه تقدم مناضليها، قرابين لمقدم رئيس مزور؟.
يقفُ كل واحد منهم، أو يُوقف أمام الشباك الفاصل بين ممر يسير فيه الطابور، وبين هيئة المحكمة بكامل أعضائها السبعة، يتلقى سؤالاً واحداً فقط من رئيس المحكمة حصرياً:
هل لديك شيئاً تضيفه، الى ما قيل في التحقيق؟.
يصل دور الحاكم من خلف الشباك الى السفير جعفر الذهب، المعروف بهدوئه المعهود، وترفعه على صغائر الأمور. كرر رئيس المحكمة السؤال نفسه فأجاب أن أحداً لم يحقق معي حتى هذه اللحظة.
أستغرب رئيس المحكمة، وباقي الأعضاء من هذا الادعاء، تصوروه كاذباً، فنهره على كذب جاء مغايراً لنتيجة التحقيق المعروض أمامهم، اعترافاً بذنب وصف بأنه عدم التبليغ عن المؤامرة، والتعاطف مع المشاركين فيها.
ومع هذا أعاد السؤال عليه ثانية. فأجاب بنفس مجروح:
سيدي الرئيس، أقسم بالعقيدة التي آمنت بها طوال حياتي، لم يقترب مني أحد، لم يسألني أحد، لم يقابلني أحد، منذ القبض عليً بعد نزول الطائرة في مطار بغداد.
حاول رئيس المحكمة التأكد، أو بالحقيقة الخروج من المأزق، الذي وُضعت المحكمة فيه، فالتفت الى باقي الأعضاء، كأنه أراد تجاوز هذا الحرج، الذي لم يكن في الحسبان. ينقذه رئيس الجهاز من هذا الحرج، بملاحظة أبداها سريعاً بالقول، لقد فقد المجرم جعفر عقله، من جسامة الاثم الذي ارتكبه، حتى لم يعد يتذكر، ولا يميز بين الواقع والخيال. المحقق الذي حقق معه، وثبت أقواله موجود، يمكن أن يدلي بشهادته أمام المحكمة اذا ما طلبتم ذلك.
انفرجت أسارير رئيس المحكمة، والأعضاء وكأن حملاً قد أزيح من على صدورهم، كان جاثماً على أنفاسهم، فاستجاب لملاحظة رئيس الجهاز على الفور، بتأكيد فقدان العقل في كثير من الأحيان، وعدم الحاجة الى شهادة المحقق، ومن بعده طلب من الحرس سحبه، ليقف منتظراً النطق بالحكم مع من سبقه في الطابور.
يمر طارق من بعده مباشرة، أوقفه الحرس عند حافة الشباك، سأله رئيس المحكمة فيما إذا كان لديه ما يضيفه الى ما قيل في التحقيق:
نعم.
يتدخل السيد العامري عضو المحكمة، سأل وقبل سماع ما يريد طارق اضافته، ممكن تبين للمحكمة، دوافع الدعوة التي أقامها لك محمد عايش، وحضرها المجرم وليد في نادي الخارجية، قبل ثلاثة شهور من الآن؟.
شعر عندها بالحنق من هذا السؤال الذي أحسه ساذجاً، جاء لمجرد تثبيت الذنوب، فكلمه بقدر من الانفعال الغاضب، مذكراً إياه أنهما قد التقيا على العشاء في بيته بعد عشاء محمد عايش بأيام، ولو تصادف أنه قد ظهر متآمراً، فهل يعني أن من شاركه العشاء ذاك اليوم يكون متآمراً بالضرورة؟.
ابتئس العامري، أكد اختلاف المسألة، استعرض ماضيه ومواقفه المختلفة، عن محمد عايش، المتآمر الذي خان الحزب والثورة، وجعل نفسه ذيلاً الى حافظ الأسد، وبقيّ هو مخلصاً للرئيس.
يتدخل رئيس المحكمة، محاولاً تهدئة الحال، رافضاً أي انفعال، وذلك بالقول، ان المحكمة تنظر بالتهم الموجودة وبنتائج التحقيق، لا صلة لها بالعلاقات الشخصية، مكرراً السؤال ذاته للمرة الثانية، هل لديك شيئاً تضيفه الى ما قيل في التحقيق؟.
لا، ليس لديّ أي شيء.
عندها أشار على الحراس بزجه مع الذين سبقوه بانتظار القرار. فدخل معهم في صف ينتظر المصير المحتوم... صف من كبار رجالات الحزب تم ترتيبه حسب التدرج الحزبي، ومقادير الحكم المذكور في القصاصات.
خمسة وخمسون شخصاً قيادياً.
تقدمهم في الصف الاول عبد الخالق السامرائي عضو القيادتين القومية والقطرية. المفكر، الملقب بالملا، كما كان يحلو لبعض الرفاق تسميته، لكثر التزامه بالمثل العليا. ومن بعده أعضاء القيادة القطرية غانم عبد الجليل ومحمد محجوب، ثم محمد عايش ومحيي عبد الحسين، وعدنان حسين.
يأتي هو في الصف الثاني وبجانبه مرتضى سعيد عبد الباقي والسفير عزام على جهة اليمين والعقيد سرمد على جهة الشمال. ومن بعده في الصف الثالث صديقاه السفيران حامد وحليم وجعفر، وآخرين من أصدقائه لم يتوقع وجودهم في هذا الصف المرصوص.
لم يأبه محمد عايش لما حصل، وكذلك الحال بالنسبة الى الملا عبد الخالق، الذي جيء به من الزنزانة الانفرادية مذنباً، كلاهما وغالبية المذنبين باتوا يعرفون النتيجة. ينتظرون نهاية النطق بالحكم كأنه أمر محتوم، لم يكن يتوقعوه جميعاً، حكماً بالإعدام.
يأخذ رئيس المحكمة ورقة، من بين أوراق تكدست على طاولته، كأنها وضعت تماشياً مع الطقوس اللازمة للمحاكم التقليدية.
بات يتلو الاحكام تباعاً.
لم ينتبه أي من المذنبين الا على اسمه.
عجز جهاز السمع لجميعهم أن يسمع غير اسمه، حتى لم يعد يتذكر من هم المحكومون وماهي طبيعة الأحكام.
نطق رئيس المحكمة باسم عبد الخالق السامرائي، ومن بعده محيي عبد الحسين المشهدي حكما بالإعدام، فسمعه فاضل العبيدي، الواقف الى جواره في صف المذنبين يقول" هذه كلمة الشرف التي أعطيتموني اياها" وسكت.
لقد استمر رئيس المحكمة في تلاوة قائمة المحكومين بالإعدام مستعجلاً، كمن يريد التخلص من عبئ قراءتها، اثنان وعشرون مذنباً، أولهم الملا وآخرهم غانم عبد الجليل.
يحمد غير المحكومين بالإعدام خالقهم، على عدم ورود أسمائهم حتى هذه اللحظة، التي توقف فيها رئيس المحكمة عن تلاوة الأسماء. لكنهم غير مطمئنين لما بعد من أحكام ستاتي بها المفاجئات.
تنتهي قائمة المحكومين بالإعدام، يُسحبون من القاعة الى زنازينهم، مثل أضاحي العيد. في الطريق اليها، وقبل اتمام الخروج من هذه القاعة المحكمة، ابتسم الملا عبد الخالق ابتسامة باهتة، نظر في وجه أعضائها الجالسين في أماكنهم بثقة من يتحداهم، سمعه أحد الحراس يقول، لمن كان بعده في رتل المسير، فتركه عمداً يقول:
لقد تمنيت هذا اليوم منذ اللحظة التي اتهموني فيها خائناً بمؤامرة ناظم كزار قبل ست سنوات، مؤامراتهم جاهزة، لإزاحة من يريدون ازاحته عن طريقهم، وسيبقون هكذا يتآمرون، ويتهمون الغير بالتآمر، لينهوا الحزب وبنهايته سينتهون، موتنا هو البداية، لقد فتحوا بفعلتهم هذه أبواب الموت، ستبقى مفتوحة، وسيدخلون منها واحداً، تلو الآخر.
فكر الحارس لحضتها بضربه، أو التبليغ عن قوله، لكن وخزاً من الضمير في داخله أسكته، وأحل محل هذه الفكرة، فكرة أخرى أو مخاطبة النفس بجملة واحدة، ما فائدة التبليغ والرجل سائر الى حتفه في القريب، ولما سلمه البدلة البرتقالي، التي تميز المحكومين بالإعدام عن غيرهم، قال له، لقد سمعت ما قلته أثناء الخروج من قاعة المحكمة، فأجابه:
يا ليت أُسمعُ أقوالي الى كل العراقيين، ولو سمعوها كما أقولها، لم حصل الذي حصل... خذ بالك من نفسك، ومن الوحوش الذين يحيطون بك، فبوابة الموت قد فتحت مصاريعها.

.........................

يخيم الصمت على قاعة المحكمة، وكل الموجودين في داخلها من أعضاء، وحراس، وضباط مخابرات، وباقي المذنبين، صمتٌ مخيف، يشبه ذاك الحاصل قبل الفجر في وادٍ تملأه القبور.
صمتٌ تبدد بإشارة من رئيس المحكمة، وبتلاوة أحكام بالسجن أعلاها خمسة عشر عاماً للسادة مرتضى الحديثي، وحسن محمود وطاهر حبيب، ومن بعدهم غسان مرهون اثنا عشر عاماً، وهكذا توالت الاحكام لتشمل السفير جعفر، سجناً لعشر سنوات، وإن لم يتم التحقيق معه، أو ضبط افادته في الأصل.
توقف عند السيد طارق حسين، كأنه لا يريد النطق.
استدرك حاله.
أكمل تلاوة الحكم سبع سنوات.
ومن ثم استمر الى آخر القائمة سنة سجن للسيد كامل محمد.
يتنفس المذنبون المحكومون بمدد مختلفة الصعداء، وان احتجوا في داخلهم على الاشتراك في مؤامرة هم ليسوا طرفاً فيها، وتيقنوا الآن بعد تلاوة الحكم أنها غير موجودة.
عند هذا الحد توقف رئيس المحكمة قليلاً، كأنه يمهد الى الفصل الثالث من السيناريو المعد مسبقاً، ثم أكمل مقطعاً كان مكتوباً على ورقة منفصلة" الحزب لا يظلم أحداً من رفاقه أو من غيرهم. العدل أساس الملك. لقد أوصانا السيد الرئيس حفظه الله ورعاه، أن نلتزم العدل سيفاً حاداً. الباقون الذين سأتلو أسمائهم أبرياء، لعدم كفاية الأدلة".
- الرفيق حاكم حافظ.
- نعم.
- براءة.
- يحيا السيد الرئيس العادل.
- اللواء رافد الفنداوي.
لا أحد يجيب، كأن السيد اللواء غير موجود، أو موجود في عالم آخر، الأمر الذي دفع رئيس المحكمة الى تكرار ترديد الاسم ثانية، لكنه لم يحصل على الاجابة أيضا. فتقدم شخص كان وقوفه قريباً من بقايا الصف المرصوص، بعد تلقيه إشارة من رئيس الجهاز. سأله فيما إذا كان هو اللواء رافد. أجاب بنعم، أعقبها بكلمة سيدي، وان لم يميزه ضابطاً كان، أو مدنياً، وان كان عمره لا يتعدى الثلاثين عاماً، ورتبته حتى لو كان ضابطا، لا تتعدى الرائد بحسابات الزمن، والتسلسل الرتبي في الجيش، والأجهزة الأمنية، سأله:
لماذا لم تجب السيد رئيس المحكمة عند ذكر اسمك؟، هل أنت أطرش؟..
رد بعد الاستفاقة، بلغة فيها قدر من الخنوع:
سيدي والله العظيم، لم أسمع، كنت أفكر بعظمة عطف السيد الرئيس، ورعايته الحزب والرفاق، أقسم بشرفي لم اسمع، سامحني سيدي لأني لم أسمع.
كان السيد رافد مصاب بالذهول عند سماعه البراءة، لما تبق من المتهمين، فجاءته صفعة من كف الشاب على وجهه، الذي كثرت فيه أخاديد الشيخوخة، جعلته يندفع بتكرار كلمة نعم سيدي عدة مرات.
أنهي رئيس المحكمة تلاوة أسماء المشمولين بالبراءة، على وفق السيناريو المكتوب، فتقدم السيد الحمداوي خطوة، خرج فيها عن الصف، أثار أنتباه الحراس المتأهبون، وكذلك رئيس الجهاز، هتف بحياة الرئيس، ملأ القاعة صراخاً، بعضه غير مفهوم، عَدَّدَ مآثر الرئيس، لم ينس فضائل الحزب عليه والعراق.
كلام مشوش، وكأن صاحبه أصيب بصعقة، حتى لم يعد يسيطر على مخارج الفاظه، ولا على حركاته التي زادت بشكل عشوائي، بسبب نبضات قلبه المتسارعة، التي أفلتت من سيطرته، ولم يتمكن كذلك من إيقاف التداعي المستمر للكلمات.
حرس أجلبوا له قدحاً من الماء، علّهُ يهدأ، هذا ما قاله رئيس المحكمة، قبل النهوض من على كرسيه، متوجهاً صوب رئيس الجهاز بقصد توديعه، أو في حقيقة الأمر ليعبر رسالة عن طريقه الى الرئيس، تفيد بأنه قد أكمل المهمة كما يجب، بعد أن بات مقتنعاً بعد وقائع المؤامرة، والمحكمة والقصاصات المكتوبة بالحبر الأحمر، أن أرواح الرفاق في حزب قضى جل حياته بين صفوفه، مرهون بقائها على قيد الحياة، برضا الرئيس.
قبل خروجه القى نظرة على رتل المحكومين بالسجن، وهم سائرون الى زنازينهم، كأنه يريد الاعتذار صمتا.
يستمر الرتل في سيره، وسطه طارق وسرمد وحليم وحامد وعزام، حصلوا جميعهم على سبع سنوات سجن. ساروا الى قدرهم، كل منهم يفكر بشيء خاص، وإن اجتمعوا عند غرابة المؤامرة.
يقف طارق معهم في الدور، أخذ طريقه سيراً كئيباً، خلف المذنب عزام. وصل قريباً من رئيس الجهاز، الذي ينظر الى السائرين، في وضعية قائد يستعرض أسراه.
هم جميعاً باتوا أسراه.
توقف قليلاً ليعتب بكلمات، تكاد لا تخرج من بين شفتيه المتيبستين:
أبو محمد لم هذا الاتهام، وانتم تعرفوني جيداً، وتعرفون علاقتي المتميزة بالسيد الرئيس؟.
رد عليه بإجابة جاءت دون تأخير، نعم نعرفك جيداً، ونقدر صداقتك بالسيد الرئيس، ونحن متأكدون من عدم مشاركتك في المؤامرة، لكني والسيد الرئيس واثقان بما لا يقبل الشك، أن المتآمرين لو كانوا قد فاتحوك بالانضمام اليهم، لما بلّغَت القيادة أبداً.
هل فهمت؟. عد الى مكانك في الرهط، احمد الله على عدالة محكمة لم تقطع رأسك العفن، واكتفت بعقابك سبع سنين.
تأوه مكتوماً.
لم يظهر ابتئاسه أمام السلطان الجديد.
عاد الى مكانه في الرهط المتجه الى الزنازين، فكر بما جرى وما سيجري. ومع هذا اتجه لأن يقنع نفسه أن هناك اشتباه، وإن الرئيس لن يتخلى عنه، وسيخرجه عن قريب بعفو خاص.

.........................


فُتحت أبوب الزنزانة ضيقة، لا تسع سرمد المحكوم سبع سنوات، ولا تستوعب أفكاراً ملأت عقل تعب كثيراً لبنائه. كان صائماً، وأستمر على وعده بأن يعود الى البيت صائماً، سأل نفسه، هل سيبقى هكذا صائماً، طوال السبع سنوات؟.
أجاب بالإيجاب، سأبقى هكذا صائماً، حتى لو مدوا فترة السجن، ايغالا بالحقد سبع أخرى.
جلس في مكانه.
لضيق فسحة الجلوس، بات يتحرك جالساً في مكانه.
قضى ليلته يتحرك في المكان، بالزنزانة المعلمة بالرقم تسعة، متجولاً في التفكير بين ثنايا الماضي وحاضره، والعائلة التي تركها، قبل أن تكمل احتفالها بعيد ميلاد الأبنة التي يحب، ومن دون أن يسلمها الهدية التي حرص على تسليمها في هذا اليوم العزيز على نفسه، وقبل أن يقبلها، قبلة وداع من سفر طويل، غير مضمون العودة.
لم يعرف ساعات الليل التي انتهت عند السادسة صباحاً، فليل الزنزانة معزول عن عالم آخر الا من مصباح يفقع وهجه العين، وصوت مفرغة للهواء يشبه طنين الدبابير.
ليل طويل لا يمكن فصله عن النهار.
عرف بداية النهار من صوت المؤذن الآتي من مسجد قريب.
ذكرّهُ بالعائلة التي تركها تلملم حوائج عيد الميلاد، وبنت قالت في وقتها، سوف لن أحتفل مرة أخرى بعيد ميلاد آخر، حتى تعود أبي من سفرك المجهول، وتضمني الى صدرك الحنون، تطبع قبلة على رأسي، كما تعودت في كل عيد ميلاد.

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/37485-2018-10-20-11-04-16.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

959 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع