ريما لبّان.. إعادة قراءة الطهطاوي

        

العربي الجديد/نوال العلي:تقبض الباحثة ريما لبّان على لحظة من القرن التاسع عشر تجلّى فيها ما يحدث عند التقاء فكر الشرق بالغرب، فتعود إلى تجربة أحد أبرز أعلام النهضة العربية المصري رفاعة الطهطاوي (1801-1873).

"نحن لا نعرف اليوم من نحن"، تقول الأكاديمية اللبنانية في حديث إلى "العربي الجديد"، وهي تتحدث عن أسباب عودتها إلى دراسة صاحب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، حيث سؤال الهوية والحداثة هو الأساس، تضرب لبّان مثالاً قريباً منها؛ "في لبنان مثلاً نتحدث ثلاث لغات بشكل متواصل، بينما تخفت علاقتنا بالعربية"، هذا الابتعاد عن اللغة هو مؤشر على الهشاشة التي تصفها الباحثة بقولها "إننا نفقد مبدأ التماسك وهو اللغة، التي تعطي الرسوخ في الحضارة".

مؤخراً صدر لـ لبّان كتاب "رفاعة الطهطاوي والغرب: بواكير الحداثة أم بوادر الإخفاق؟" (دار نلسن) الذي تشكلت نواته أثناء إعدادها أطروحة الماجستير، حيث تخصصت في عصر النهضة والفكر العربي الحديث، عن ذلك تقول: "لا يمكن تجنب دراسة الطهطاوي لفهم علاقتنا بالغرب اليوم، فهو يمثل أول احتكاك بالحضارة الغربية بعد الجبرتي الذي أرخ للحملة الفرنسية، ولم يحدث اطلاع على هذه الحضارة بالعمق الذي قدّمه الطهطاوي قبله".

ترى الكاتبة أن "العولمة وتداعياتها كما حملة نابليون وكما رحلة الطهطاوي"، كاشفة للأزمة التي تحدث ما إن يحتك الشرق بالغرب، وتبيّن الأستاذة في معهد "سيانس بو" في باريس: "لا يمكن اليوم مع كل ما يجري في عصر العولمة أن يكون هناك تحديث حقيقي للمجتمعات العربية، التطوّر التكنولوجي حداثة بلا شك، لكن المشكلة أن جوهر الحضارة والخلفية الثقافية والذهنية لم يتم تحديثها".

ما حصل فعلاً، وفقاً للمؤلفة، أن الاستعمار جلب فكر الأنوار، وركبنا نحن الحداثة التي كان قوامها الانقطاع والغربة عن أنفسنا، فلا نحن مع التراث ولم نلحق بركب الحداثة؛ وذلك لأنها "ليست حداثتنا، بل إنها تتناقض مع تراثنا، ونحن إلى اليوم لم نعرف المعنى الحقيقي للحداثة في شرقنا، فتجلياتها ليست تكنولوجية واجتماعية فقط، بل لا بد أن تظهر في نظرة الفرد إلى العالم إنها فلسفة وجود".

توضح لبّان لـ"العربي الجديد": "لا أدعو إلى العودة للخلف، أريد أن تطرح الأسئلة الحقيقية التي تساعدنا على الخروج من مأزق الهوية"، نعود للطهطاوي، لأنه ورغم انبهاره بالحضارة الغربية ودعوته للأخذ بأسباب تقدّمها "كان متناقضاً ولديه التباس في موقفه من هذا الغرب، فتارة يصفهم بالكفار، ثم الكتابيين، ومرة يدعو إلى التخلّي عن بعض العادات والتقاليد، ثم يقول إن بإمكاننا النهوض من خلال التراث الإسلامي وأن العلوم الشرعية هي أهم العلوم".

كان الطهطاوي داعية للعلمانية، نظّر لفصل السلطات الثلاث، ومصادر التشريع، وشرعية الحكم، لكنه كان متردداً وفق لبّان بين فعل ذلك بالبناء على تراث الفقه وأصوله أم بالبتر معها، فاستعان بمفردات المعتزلة ولغة علم الكلام لكي يخلق أرضاً توفيقية يحاول من خلالها تفسير مؤسسات الدولة الفرنسية من خلال مفاهيم إسلامية. وهي مواءمة شبه مستحيلة كما ترى الباحثة، وكما يوضح الكاتب نجم الدين خلف الله في قراءة تناول فيها الكتاب، حيث تنطلق في مغامرتها البحثية هذه لتستكشف صحة استحالتها وارتباك صاحبها تجاهها وما له وما عليه من خلال قراءة فكره في حقول القانون، والاقتصاد، والعلوم، والمجتمع والمرأة و اللغة.

تعيد لبّان إذن النظر في سؤال "كيف فهم الطهطاوي الغرب؟ ما هو موقفه منه؟ ما هي مواطن إعجابه به؟ ما هي مآخذه عليه؟ ما هي نقاط التلاقي والاختلاف بين حضارة الطهطاوي وهذا الغرب؟ ثم أين تجلت الجدلية بين الإسلام والغرب" عند العلامة المصري النهضوي، فرغم وجود دراسات كثيرة حاولت الاقتراب من بعض هذه الأسئلة إلا أن قراءة لبّان تقدم منظوراً نقدياً جديداً من فكر الطهطاوي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

912 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع