وأد البطل نهاية جيش وملحمة وطن / الباب الثالث: حرب البناء المؤسسي الفصل الرابع: المؤسسة العسكرية في العهد الديمقراطي

       

الباب الثالث: حرب البناء المؤسسي
الفصل الرابع: المؤسسة العسكرية في العهد الديمقراطي

    

الفهم الخاطئ للديمقراطية

لم تقبل أمة، احترمت نفسها، عبر هذا التاريخ الطويل، أن يتجه عسكرها الذين رسموا وحافظوا ببنادقهم حدود خارطتها الجغرافية، دخول السياسة. ويوم سُمحَ بدخول احزابها الى مقرات وثكنات وتنظيمات الجيش والمؤسسة الامنية العراقية، استثناءً من العرف الغالب عالمياً وعراقياً من قبل، نهاية ستينات القرن الماضي، انتقل ضابط الصف المهيأ نفسياً وتحصيلياً أن يكون هكذا ضابط صف، الى مرتبة الضابط، لأنه عضو قيادة فرقة في الحزب الحاكم.
وحملَ الضابط الذي لم يكمل الثانوية، ولم يتخرج من الكلية العسكرية شارة الركن.
ورقي الجندي الذي جاء مكلفاً لأداء الخدمة الالزامية إلى رتبة نائب ضابط، والشرطي الى مفوض، لأنه عضو في الحزب القائد.
وَجُلب المعلم، والمدرس والحقوقي والعامل الى صفوف الجيش، ليمنحوا رتبة ضابط لأن الواحد منهم بدرجة حزبية متقدمة. منها وبسببها:
- هبطت قيمة الضابط، وتدنت مستويات كفاءته المهنية، وتردى انضباطه، وتدهورت ثقته بنفسه وقياداته العليا وهيئات ركنها.
- تعممت جزافاً كلمة رفيق بدلاً من سيدي.
- حل الانضباط الحزبي، بدلاً من الضبط العسكري.
فضاعوا، وضيعوا الجيش ومؤسسته العسكرية في أول مواجهة جادة عام ٢٠٠٣ مع خصم قوي في ميدان القتال المفروض عليهم حزبياً. وفوق هذا الضياع، وعندما جاءت الفرصة للتخلص منه والعودة الى ميدان المهنية، بجيش جديد يستحقه العراق، خطى الاجنبي بعد دخوله بغداد من باب الاحتلال، خطوة شطب العسكر، ومهنيتهم من على الخارطة السياسية للبلاد ومن التاريخ. وقَصَر السياسي الذي وصل الحكم من باب الانتخاب الديمقراطي في عدم ادراكه مخاطر شطب العسكر من على الخارطة السياسية، وعدم انصافه المشطوبين، المحبطين. ومغالاته بتوجيه النقد والاتهام لمواقفهم القديمة، واستمراره باجتثاثهم.  
وهم الديمقراطية عسكرياً
كذلك لم تقبل أمة، تقدر حاضرها، دخول الديمقراطية فلسفة، وسلوكاً ميادين عسكرها الضبطية. ويوم توهم البعض من المنتسبين إلى المؤسسة في الزمن الجديد من الجنود والشرطة المتطوعين، وضباط الصف الأحداث، أنهم مشمولون بخطوات إرساء الديمقراطية، اعتقدوا أن الواحد منهم هو من يقرر المكان الذي يخدم فيه، والسلاح الذي يحمله، والعدو الذي يقاتله، فتسببوا في اعاقة خطوات البناء المهني لجيشهم وديمقراطية دولتهم معاً... مثالها القريب، تجربة لتوزيع وجبة من المتطوعين، المتدربين منتصف عام 2005 على الوحدات المطلوب إكمال النقص فيها من الأفراد، حسب خطة توزيع مركزية لرئاسة اركان الجيش. رفض بعضهم هذا التوزيع، لأنه توزيع يضعه في منطقة غير منطقته، وسط عشيرة غير عشيرته. وتمرد البعض الآخر لعدم استمزاج رأيه بالتوزيع، حتى خلع بزته العسكرية أمام الفضائيات التي دخلت إلى المعسكر أو أُدخلت تحت بند الانفتاح الديمقراطي الجديد، فصورت ونقلت نقلاً حياً الى العالم واقع لم يكن الاول في سلسلة وقائع عصيان خلال السنوات التي سبقته، ولم يكن الاول في الاخلال بالضبط من قبل المتدربين. لكنه الاول في تعمد اظهار الخلل على المتلقين بالصورة والصوت، وكأن القائمين عليه يريدون أن يثبتوا للعراقيين، وغيرهم:
- أن هذه المؤسسة الجديدة لا علاقة لها بالعراق.
- جنودها ليسوا جنوداً أكفاء لمقاتلة الإرهاب.
- مستقبل العمل فيها غير مضمون.
- التعويل عليها بحفظ الأمن غير موثوق.
انه عصيان بالمعنى العسكري، يستحق التوقف عند جوانبه ذات الصلة بالتدريب الذي يفترض أن يشمل مواداً عن الضبط أكثر مما هو جار، ويتضمن مفاهيم الوطنية التي يفترض أن تُلقن لعموم المنتسبين. بالإضافة الى المحاضرات الاعتيادية عن مخاطر الإرهاب التي دقت جميع الأبواب لأكثر من سنتين.
التزامات الخدمة بعيداً عن الديمقراطية  
يساق المتطوعون وحتى عام 2012، بطريقة تقليدية تتأسس على اتفاق مكتوب بين المتطوع والجهة الادارية التي تمثل الجيش، وابان فترة تدريبه لا يتلقى محاضرات وتدريبات خاصة تتعلق بالخدمة الوطنية، ولا يخضع لأي التزامات بالخدمة العامة في المكان الذي تحدده الجهة العسكرية، يبدو من سلوك العصيان المذكور اعلاه، ان المتطوعين لم يفهموا طبيعة الديمقراطية، وان ضبطهم آنذاك لم يكن كاملاً، وفهمهم للخدمة العسكرية لم يكن كافياً. وانهم يحتاجون فعلاً الى الخضوع بشكل كامل لضوابط الخدمة العسكرية، ولقانون العقوبات العسكري الذي تحاسب مواده من يتجاوز، ويخل بمعايير الضبط والالتزام. ويحتاج الآمر والمدرب في ميدان الخدمة الفعلية وساحة التدريب العملية الى الايمان بان التجاوز، والتهاون في أمر المحاسبة سَيُغرق المؤسسة برمتها في أتون الفوضى، والاضطراب التي يحول حدوثها دون إعادة بناء الجيش، بقدرة كافية على حماية دولة الديمقراطية.
التسرب السلبي داخل البنية العسكرية
بسبب تلك النواقص في الاعداد والتدريب، وبسبب نوايا الأجنبي غير المعروفة، دخل المؤسسة العسكرية والأمنية في الوجبات الاولى، أشخاص ساقطين، وآخرين مجرمين، وأميين منحوا رتباً، ودرجات بينهم على سبيل المثال شخص كان محكوماً بتهم تزوير لخمس وأربعين عاماً، أطلق سراحه بعفو من صدام قبل السقوط، وبعده منح من قبل قوات الاحتلال رتبة نقيب، رأى أنه مغبون فيها، كونه من المتضررين، فبدأ السعي للترفيع إلى رتبة مقدم، وحصل عليها في ظل غياب المعايير. وآخر ملازم في الجيش السابق حكم علية بالسجن، والطرد لسرقته جهاز من وحدته بعد سنة من التغيير وجد برتبة عقيد، وغيرهم عشرات وربما مئات يشكلون وجوداً وان قل في السنوات الاخيرة، يسهم في عمليات الاعاقة والهدم (16). ومع هذا، فإن منطق الحاجة إلى بناء دولة سوف لن يسمح باستمرار الخطأ إلى الأبد رغم جسامة الخسارة، وسوف يدرك بسببه الحالمون أن أحلامهم أضغاث أحلام، سيفيقون منها حتماً. وسيجدون أن الحكومات التي لا ترسي قواعد صحيحة لعسكرها الوطني، سوف لن تحصل على دعم وتقدير الجمهور. وسيدركون ان الدولة التي يقود عسكرها قادة غير أكفاء، ستكون عرضة لأطماع الغير. وسيجدون أيضا أن أمنهم الشخصي، سيكون عرضة للتهديد بغياب العسكر المهني رغم كثرة أعداد الحمايات الخاصة، وركوب السيارات المصفحة، عندها سيترحمون على عسكر موسى الكاظم، وعلى أولئك الضباط الذين أرسوا قواعده المهنية التي أفسدها السياسيون لتسع عقود.


حيادية العسكر في النظام الديمقراطي

إن الأساليب الخطأ التي أتبعتها الحكومات المتعاقبة في تحديد علاقة المؤسسة العسكرية بالدولة، والتي انتهت في العقود الثلاثة الاخيرة التي سبقت التغيير، لأن يكون منظمة حزبية يسهل تحريكها، والسيطرة عليها، مكونة صورة مشوهة للعسكر في عقول السياسيين الجدد، يصعب محوها، وعلى أساسها اصبحت عملية إعادة البناء لا تتوقف فقط عند محاولات وجهود العسكريين قادة ومنتسبين، بل ومدى تفاعل حصولها كعملية بناء مع جهود السياسيين، وتقديرهم لمهام العسكريين ودعمهم من أجل تحقيق تلك المهام. وفي هذا الجانب ولكي يكون العسكر مهنيين منضبطين، يتحركون في محيط الدولة الديمقراطية على وفق الدستور بعيداً عن التدخلات الشخصية، والنوايا الحزبية، لا بد وأن تكون للمؤسسة، علاقة واضحة المعالم بالحكومة من النوع الذي:
- يبتعد فيها السياسيون عن التدخل في شؤونها المهنية.
- يبتعد المنتسبون عن التدخل بالسياسة.
على ان تلتزم الكتل السياسية بهذا التحديد، لأنها في الواقع ولغاية 2012 مستمرة بتقديم مرشحيها من الضباط، والمراتب بكتب رسمية أو تتوسط لهم عند المؤسسة العسكرية من أجل الانتماء إلى الجيش والشرطة الجديدين، وهذا توجه يشكل خرقاً لمفهوم عدم التدخل بالسياسة الذي تتحسس الأحزاب عموماً من احتمالات وجوده. هذا وقد تأشر في اول انتخابات جرت للجمعية الوطنية نهاية كانون الثاني 2005 وجود ضباط برتب عالية مستمرين بالخدمة قد رشحوا لعضويتها، دون أن تتحرك الوزارة لمنع الترشيح، أو السعي لإحالتهم على التقاعد، كما يفترض ان يكون، لكنه واقع حال، تم تجاوزه في انتخابات عام 2010 اذ طلب من الضباط المرشحين، تقديم طلب الاحالة على التقاعد مسبقاً.   
علاقة المؤسسة العسكرية بالسياسية
ان العسكر فلسفةً ومهنيةً منفذ لأوامر السياسية، في علاقةٌ خاصة، تُثبتْ على ضوئها صلاحيات الاستنفار، وقرار الحرب، والاستخدام الداخلي لأغراض الامن، الواردة في مواد الدستور. على ان تقاد القوة القتالية للمؤسسة العسكرية من رئاسة اركان الجيش، ويتحدد دور الوزير في محيطها بالإشراف العام، وتنفيــذ سياسة الحكومة الدفاعية، وفقاً لصلاحيات واضحة لكلا الطرفين الرئيسين لهذه المؤسسة. لان منصب الوزير سياسي، قد يتقلده شخص مدني، لا يعلم ابسط مبادئ العسكرية، كما حصل بالنسبة الى وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية، الذي نزل الى ميدان القتال دون اية معرفة عسكرية، وبدأ يتكلم بأمور تعبوية، أخطأ في بعضها، فأعطى انطباع سلبي لدى المنتسبين. علاقة تتأسس على عقيدة عسكرية دفاعية، مناسبة لوضع العراق الداخلي متعدد القوميات والطوائف، وظروفه الخارجية كبلد محاط بإقليم عربي يختلف عن غالبيته مذهبياً، وإسلامي يختلف عن غالبيته قومياً. وتتأسس على مهام محددة للقيادة العسكرية، تبعدها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، وتبرز دورها في الدفاع عن حدود العراق وأمنه الخارجي.
علاقة تُدرس طبيعتها في الكليات العسكرية، والأركان بشكل مركز، ويحسب حساب ضوابطها التي تبقي المؤسسة العسكرية، وجيشها على الحياد، لتجاوز التأثيرات الجانبية لتوجهات حكم الأحزاب، والطوائف، والأقوام، وتطبيقها عملياً، ومحاسبة من ينحاز اليها، ويعمل معها خارج الضوابط. ويتم فيها التنبه الى رفض تقسيم المناصب القيادية للجيش على الأحزاب، والطوائف، والأقوام، التي بات بسببها كل طرف يسعى لتوسيع حصته من المتطوعين، ويحسب منافع جماعته، وكتلته من خطوات إعادة البناء وتوزيع العقود، التي كونت جيشاً في داخله بعض مشاعر الفرقة والتمزق، لا يمكن ان تنتهي في النفوس الا بالعمل الجاد لإسناد مناصب القيادة، والركن إلى مهنيين مستقلين، ومن المشهود لهم بالكفاءة، والوطنية، والإخلاص.
وان يكون فيها القبول في الكليات، والمعاهد العسكرية في هذه الفترة والمستقبل القريب على أساس النسبة السكانية لعموم المحافظات العراقية، يستبعد من خلالها التوجه الطائفي والقومي للقبول، ولو مرحلياً وبما يلائم فترة الانتقال الى الديمقراطية التي اتسمت بالتناحر والصراع في ساحة معركة اتجهت فيها الكتل والاحزاب والاقوام باتجاهات خاصة دون افتراض اتجاهها جميعاً نحو العراق، على ان يعاد النظر به بعد فترة من الاستقرار والنضج التي لا يفكر فيها العراقي ان حاكمه من طائفة اخرى وان موقفه من الحاكم والحكم مرهون بانتمائه للطائفة الاخرى، عندها يمكن العودة بالقبول الى عامل الرغبة والاستعداد النفسي، والمستوى التحصيلي والصحة العقلية والبدنية.
وهنا يقتضي التنبيه الى ان مديرية القبول في وزارة الداخلية نجحت عام 2011 بعمل برنامج آلي للقبول في كلية الشرطة ومعاهدها، والى التعيين بالوظائف والدرجات الشاغرة فيها، على اساس المفاضلة بين المتقدمين من كل المحافظات العراقية، وبنسب لكل منها على وفق التعداد السكاني المثبت لها في وزارة التخطيط، بخطوات تبدأ بالتقديم من خلال موقعها الالكتروني. علما ان البرنامج لا يمكن التدخل في خطواته من أحد بالوزارة، لان اي تدخل يرصد من ادارة الموقع المسجل في بريطانيا، فسجلت سبقاً وطنياً في هذا المجال اذا ما سارت عليه وزارة الدفاع يمكن ان تتجاوز الكثير من معاضل الانحياز والتسييس.   
ان العلاقة بين العسكر والمرجع السياسي، تتثبت بالتدريج، على وفق الخطوات المذكورة في اعلاه، ومعها خطوات مضافة، لإعادة قيمة وكرامة ووطنية القوات المسلحة، بخطوات تعبوية تنسقها رئاسة الاركان مع بعض الاختصاصيين، والباحثين العسكريين. وأخرى استراتيجية تقترحها الوزارة على الحكومة التي تنفذ بعض بنودها. إذا ما وضع في الحسبان تسلل العديد من الاشخاص الاميين وشبه الاميين الى البنية العسكرية، وكثر الاخطاء الحاصلة، التي قللت من قيمة العسكر وأخلت بالكرامة العسكرية، وبالمستوى الذي لا يتلائم والطلب منهم على وفق العلاقة بينهم والمرجع السياسي، أن يكونوا مقاتلين من أجل الوطن بدوافع ذاتية.
مسؤولية الحكومة في حيادية العسكر
إن من المشاكل التي رافقت عملية التغيير، وإعادة البناء المؤسسي للدولة، واجهزتها الامنية والعسكرية، مشكلة التجاوز العمدي على خطى الديمقراطية، وفي ظل هذا التجاوز، كان العسكر الحلقة الأخطر في التعامل، لأنهم وعبر كل الأزمنة والمجتمعات كانوا أداة الحكومة في تطبيق بعض جوانب السياسة، وبسببها باتوا يتأثرون بطبيعة إدارة الدولة للعملية السياسية فيما إذا كانت بصيغ الديمقراطية الفعلية أو الديكتاتورية المغلقة، وفيما إذا اصطبغت بالصبغة الوطنية النزيهة أو التابعية الفاسدة. لأنهم يتلمسون بحسهم العالي تلك الطبيعة منذ اللحظات الأولى لاستلامهم أوامرها، في التعامل مع الأهداف التي حددت لهم في الدستور، أو تلك التي يكلفون بها للضرورات الأمنية، وتبعاً لتطور الأحداث، وعلى هذا الأساس يقع عبئ حيادية العسكر، وابتعادهم عن السياسة والتدخل في شؤون الدولة، وزيادة مستويات وطنيتهم، والالتزام بالعراقية الأصيلة، على الحكومة المركزية التي تدير عملية تأثرهم بأوامرها الصريحة، وعدالتها في إدارة المجتمع، ونواياها للتعامل الصحيح معهم. وهو والأوامر التي تعوّدَ العسكر سرعة ودقة تنفيذها، عبئ يمكن أن تخرجه الحكومة كنهج تفكير، وتعممه من خلال الوصايا، والتعليمات، ملزمة التطبيق.
من هذا يمكن القول أن المشكلة الأولى في علاقة العسكر بالحكومة ومديات التزامهم بأوامرها، والدفاع عن وجودها تكمن في شكل الحكومة وبرامجها لما يتعلق بادارة شؤونها والمجتمع. ومدى التزامها بالسلوك الديمقراطي في علاقاتها وتعاملها مع مؤيديها ومعارضيها على حد سواء، بعيداً عن الغوص في تيه الشعارات والتبريرات، ومقدار التقيد بالنهج الوطني العام دون الانحراف تحت ضغوط الضرورة الحتمية والحاجة اللازمة.
في مثل ظروف العراق غير المستقرة التي اعقبت التغيير لا مجال الا ان تكون البداية في شكل الحكومة، وأساليب تعاملها على وفق الديمقراطية الصحيحة، ولكل مجالات الحياة... استحقاق يؤمن حيادية العسكر، ويديم تطوير مهنيتهم، فيه سيجدون أنفسهم ينفذون أمر الحكومة بطواعية ورحابة صدر، وإن كانت على حساب دور فقدوا فيه بعض سلطاتهم، وستجد فيه الحكومة تنفيذ سلس لاوامرها الدفاعية. انها مهمة كانت للسنوات التسع الماضية صعبة، وستكون كذلك بعدها بعدة سنين، لأن:
- السياسيين فيها لم يتخلصوا بعد من أفكار مضادة للعسكر، علقت في ذاكرتهم منذ الزمن السابق.
- لم يتخلص العسكر من الرغبة في التدخل ومد النفوذ.
- لم تسمح الفرص التي اتيحت للمرحلة، باكتسابهم كطرفين متقابلين خبرات التعامل الصحيح وبما ينتج الحيادية، والتفرغ لمهام قتال تعزز وجود وطن موحد فيه يعيشون.
هذا وما دمنا في موضوع الحيادية الافتراضية للعسكر في نظام كذلك افتراضي، يقتضي التنويه الى ان الجيوش والمؤسسات العسكرية في عموم المجتعات الديمقراطية، لا تُقحم في قضايا الامن الداخلي الا في الازمات والكوارث غير الاعتيادية، لاسباب مهمة بينها:
1. تجنيب الجيش تأزم علاقته بالمجتمع الداعم لوجوده ومعنوياته التي يفترض ان تكون موجودة أثناء الحروب، اي ابقاء العلاقة جيدة لضمان التأييد والدعم المطلوبين. اذ ان كثر الاختلاط يعني احتكاك تأثير وتأثر، وتبادل مصالح وتجاوز على القوانين، ومشاعر عدوان متبادل.
2. المحافظة على بنيته المهنية، لان الانشغال بامور داخلية ولفترات طويلة، يعني ابتعاد وحداته عن ساحة العرضات، واختلاط منتسبيه بالتجاوز والخطأ الذي يكسبهم قدر من الانحراف، ويقلل من ضبطهم، واذا ما اقحم بدافع الضرورة كما هو حاصل في العراق للسنوات التسع الماضية، سيكون من الانسب اعداد برامج لإعادة التأهيل النفسي لمنتسبي الوحدات مع كل فرصة راحة، وإعادة تنظيم. لان تنفيذ مهام القتال بالضد من الارهاب لجميع منتسبي الوحدات التابعة للجيش وباقي القوات المسلحة، تعني قيام بعضها وتبعاً لظروف الاشتباك باقتحام البيوت وتفتيشها، وتعني نصب سيطرات ونقاط تفتيش في الشوارع الرئيسية والفرعية وبين البيوت، والقيام بمهام الحمايات الشخصية لمسؤولين، الامر الذي يتطلب اقتراب من المواطن، وتعامل معه تعاملاً مباشراً، تَعلَقْ بسببه حتماً كثير من مسالك الخطأ، يصل بعضها الى قبول الرشوة، والتهاون مع قوى ارهاب، حد المشاركة معها، وبيع اعتدة، ونقل متفجرات، واخذ حبوب مهلوسة، وتكاسل واهمال، وتأثر بآراء الشارع حد القيام بتوجيه النقد العلني لمؤسسات الدولة وقادتها، وهذه مع اخرى غيرها تعكس صورة غير ايجابية للمهنية العسكرية وللقدرة القتالية، يمكن تلمس بعضها او غالبيتها بشكل واضح او مغلف حتى عام 2012 عند الاقتراب من الوحدات أو الاختلاط بالمنتسبين عن قرب.  
العسكر وسط المجتمع الديمقراطي
ان العسكر كمؤسسة اجتماعية، تختلف عن باقي مؤسسات الدولة من حيث الانضباط، وتقبل العيش تحت الخطورة، والضغوط شبه المستمرة، لكنها واحدة من تلك المؤسسات التي تؤثر وتتأثر بما يحيط بها، وبحركة الحكومة للتطوير والإصلاح، عليه يكون من الأجدى التركيز على مساعدتها بكل السبل المتاحة سعياً إلى إكمال تهيئتها عموداً من أعمدة الاستقرار، والدفاع عن العراق وطناً ديمقراطياً آمناً في وقتنا الراهن، وفي المستقبل البعيد.
كما ان مفهوم الجيش الجديد، والشرطة الجديدة قد اختلط في مخيلة العراقيين عسكريين، ومدنيين لعموم المرحلة التي اعقبت التغيير، حتى أصبح اللفظ مثيراً للاستغراب، أو عدم القبول للمتلقين أحيانا، وخاصة عندما يقارنوا بعض جوانب القوة، والضبط، بين القديم، والجديد فتكون المقارنة في ظروف الشد والتوتر، ومصاعب الحسم في غير صالح الاثنين معاً، وهذا يلقي المزيد من الاعباء على المنتسبين لان يَفهموا واقعهم السائد، ويُفَهِموا الحكومة طبيعته، ويعملوا سوية على إزالة الخطأ فيه وتعزيز الصحيح، علماً ان الفرص موجودة وبعض الامكانات متاحة من خلال الاستعراضات، والاحتفالات التي تقربهما مؤسستين وطنيتين، من الشعب الذي يمنح وحده شهادة الوطنية بتقدير.
إن الحيادية وسط مساعي الترميم واعادة التشكيل لمؤسسة عسكرية، وقوى امنية في ظروف الحرب والقتـال، والانحراف، وشدة الصراع بيـن الكتـل والجماعات، مسألة ليـــست سهلة، لكنها ممكنة فقط عندما:
- تَحـسِن النــوايا من قبل الجميع من خارج المؤسسة ومن داخلها.
- يستشار الخبراء، والمختصين في كل ما له صلة بجوانبها الفنية التي يفتقر إلى بعضها علمياً أصحاب القرار السياسي والعسكري في آن معاً.
- يقتنع السياسيون المشاركون في الحكم، والموجودون خارجه أن جيشهم وشرطتهم وامنهم لا يهددون وجودهم، ولا يستهدفون استمرارهم في قيادة البلاد.
- يدرك عموم العراقيين أن وجود مؤسسة عسكرية واخرى امنية قويتان هو الأساس في تحقيق تمنياتهم فــي تعزيز الأمن، والاستقرار، وهو الكفيل بحماية الديمقراطية التي يريدون دون الانحياز لاحد أطرافها الموجودين في الحكم او المعارضين له.
كما انها اي الحيادية مسألة صعبة وسط هذا الكم الهائل من التخريب المفاهيمي والانحياز الفكري لعموم ابناء المجتمع العراقي، سواء العسكريين منهم او السياسيين اذ اننا نجد وببساطة اختلاف في الرأي والتقدير لجميع ما تطرحه الحكومة من افكار للتعامل مع مواقف قتالية.
فعند توجه العسكر لمقاتلة ارهابيين خارجين على القانون في الرمادي مثلاً، سرعان ما يختلف معها عديد من الضباط السنة، والعكس صحيح ايضاً سيختلف معها البصريون الشيعة عند توجهها لمقاتلة الخارجين على القانون في محيط محافظتهم، وكذلك يفعل النجفيون وهكذا اختلاف في الرأي والمشاعر سيحول دون وجود الحيادية المهنية لعسكر تقتضي الضرورة تنفيذه مهام قتال في كل مناطق العراق المكونة من اقوام وطوائف ومذاهب مختلفة.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/31476-2017-08-16-12-00-20.html

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع