مازلت احلم بعمل مسرحي حقيقي

     

        مازلت احلم بعمل مسرحي حقيقي

 

بغداد / الگاردينيا  - عبد الرضا غالي الخياط:لفت الكاتب المسرحي والقاص عبد السادة جبار انتباه القراء والنقاد على السواء، حين اصدر مجموعته القصصية "ولادة بين جدار" عام 2015، إذ كان مهتما بالمسرح ولم نقرأ له في مجال السرد. وحقيقة " إن لم يكن هناك أزمة، فلن يكون هناك أدب أبداً "، هذه المقولة تنطبق عليه، حيث تميز بالتنوع والإبداع، فقد بدأ العمل في منتصف السبعينات من القرن المنقرض مع فرقة مسرح الجماهير وبيت المسرح العمالي، ومن ثم أسس فرقة مسرح " الحضارة "، وخلال ذلك كتب عدة مسرحيات منها على سبيل المثال دون الحصر: " نقطة فاصلة "،و" قطرة الماء الصافية "،و" لعب لكل زمان"، و" خيمة الأرض"، وفي بداية الحرب العراقية الإيرانية توقف عن أي نشاط يذكر وغاب عن الأنظار منعزلا عن الوسط الفني بسبب موقفه الأخلاقي من الحرب العبثية وعدمية السلطة، ليحمي رأسه كما عبر في إحدى نصوصه " ثم عاودا بعد العام 2003، حيث عمل في مجال الصحافة المستقلة، بعد ما أتيح له نشر نص مسرحي بعنوان " الخطاب الاخير " كما شارك في مهرجان المونودراما بمسرحية " اعتصام الحمام " عام 2005، ومن ثم أصدر مسرحية بعنوان" كوابيس الأبيض وبيان يقظته الأول "عام 2015، كما شارك في الإصدار القصصي الذي ساهم فيه 10 من كتّاب القصة والرواية والذي جاء بعنوان " 33 أيقونة عراقية " الصادرعن دار فضاءات عام 2016.
وفي هذا الحديث عودة إلى تجربته القصصية مع التركيز على بعض قضايا المسرح       
• ما نهض بالمجموعة القصصية "ولادة في جدار" من الناحية السردية ستراتيجي في تركيب الزمن اثر جمالياً العمق الفكري للمتن الحكائي، كيف تم ذلك ؟
- من اخطر قضايا الكون هو قضية الزمن، من لايستفيد منه يعتبر خاسر ولا أريد ان أتوغل كثيرا في هذا الموضوع فيزيائيا وفلسفيا، ولهذا حين اكتب نصا يفرض الزمن فيه كينونته وبالرغم من ان بعض النصوص تسرد شيئا من الماضي أو مايشبه الذكريات إلا ان حضور المضارع فيه أقوى من الماضي أنت تقرأ في " تلك الأحلام" ذاكرة لكنها تعني اليوم وغدا لا بتشابه الاحداث أو الشخوص بل بتراكم تفاعلات الزمن على سلوكها وانصهارها فيه تماما كتفاعل كيماوي يتأثر بالزمن وينتج مركبا جديدا، ولهذا تجد في هذا النص على سبيل المثال انه يريد ان يربط الأبناء باستمرار التمسك بمنجزات زمن الإباء وعدم رفض الماضي بكونه يقع بمرحلة فكرية أو سياسية مرفوضة..هذا الرفض ساذج لأنه يجعل الذاكرة والتجربة مرهونة بسطحية السياسة والمتغيرات الدعائية المتشنجة ويفقد الإنسان تجربته الحياتية المهمة لنوعه ليخضع لتصورات فكرية مفترضة لم تجرب وتقع خارج زمنها..هذه النصوص لم تأت عبر تأملات عاطفية أو شحنات تخيلية مجردة بل تفاعلات واقعية تماهت مع الأحلام التي نسجت خيوطها الإرادة لإنسان يريد ان يكون ممسكا بذاكرته واعيا لها مرتبطا بخط الزمن وهو العنصر الحاسم ولهذا تجد ان شخوص قصص المجموعة لا يتفاعلون فقط  عبر تغير المكان  بل مع تغير الزمن عبر تراكمه وليس مع تغير هويته ومن هنا تظهر إشكالية السرد .
 • من خلال قراءتنا للمجموعة " ولادة في جدار"، يتضح لنا بوضوح أنها مجموعة لوحات تشكلت بوحدة موضوعية، وكأنها مشروع رواية ليس إلا ؟
- قد ينطبق هذا الرأي على  بعض القصص مثل " الضفة الأخرى" و" ولادة في جدار" و" عاشوراء حزيران" لشغلها مساحة زمنية طويلة كما عبر عن ذلك الناقد يوسف عبود وبعض الأصدقاء، ولكني لا اعتقد ان القصص التسع يجمعها رابط أو وحدة موضوع مشتركة لا زمنيا ولا في السلوك أو الأحداث أو في اتفاق الرؤى، نعم كلها تعيش الأزمات والضغط الاجتماعي والسياسي لكن لا مشتركات اجتماعية أو مهنية تجعلها تتصادم أو تتفق في أحداث مشتركة أو يربطها نسغ واحد يمكن ان يشكل منها نسيجا لرواية..إلا إذا افترض البعض - وهو وارد هذه الأيام  أنها يمكن ان تكون رواية بوليفونية من تسعة أصوات، أنا شخصيا أراها قصصا قصيرة ليس إلا .

                

• ما الغاية من إصدار " 33 أيقونة عراقية " جمعت 10 قصاصين في  كتاب واحد، وهل هناك ما يميزها عن التجارب السابقة ؟  
- الغاية من إصدار هذه المجموعة بتحقيق عدة أهداف، وهي مغايره لكل التجارب السابقة التي شهدتها السردية القصصية، منها إيصال أصوات سردية عراقية كانت مغيبة بالمرة بالرغم من إمكانياتها التي يمكن أن تكون مؤثرة في الوسط الثقافي في كتاب مشترك، وكذلك توفير مجموعة للقارئ والدارس العراقي والعربي معاً، وأحب التأكيد على القارئ العربي، وهو أهم هدف ليطلع على جانب من تجربة السرد العراقي ما بعد التغير 2003، ليكون لديه مصدر عن السرد العراقي في مجال القصة القصيرة مما يسهل عليه مهمته بدلاً من البحث بعدة كتب، ومن الأهداف أيضاً تقوية وتمتين أواصر العمل الجماعي بين المبدعين في مجال السرد فضلاً عن الإبداع الفردي، ومنها توفير أساليب متنوعة ومختلفة من السرد في منجز واحد استجابة للذائقة المتنوعة للقراء، وكسر طوق العزلة التي يفرضها الروتين المؤسساتي للثقافة والمهتم فقط بأسماء محددة، والاعتماد على أنفسنا في إيصال رسالتنا الثقافية لتجنب الوقوف طويلا أمام شبابيك موظفي البيروقراطية الثقافية أو الاستسلام لشروط الممول..وقد حققنا نجاحا للوصول لبعض تلك الأهداف كما لمسناه من جلسة توقيع المجموعة وما رأيناه وسمعناه من صدى جميل لدى الآخرين سواء من القراء أو النقاد .
• عن علاقة السرد بالمسرح، كيف تقيم العلاقة بينهما، وما المقاربات والمفارقات ؟
- هناك فرق بين المسرح كنصوص مطبوعة وبين العرض المسرحي، النصوص حسب رأيي تحسب على السرد ولكن باختلاف النوع نقول " رواية ،قصة قصيرة ،مسرحية " إما العرض المسرحي فهو تجنيس مختلف تماما  لأنه يعتمد الإبصار والتفاعل المباشر وليس التخيل كما يحدث في السرد، في النص المسرحي يلعب وصف الحركة والحوار " الدايلوج  والمنالوج " الدور الأساس في إيصال رسالة المسرحية وبذلك فهو اقل حرية من القصة القصيرة والرواية التي تمتلكان حرية الانتقالات الزمنية والمكانية وحرية الراوي الواصف للحالة النفسية والمكانية للحدث " وهو مايسمى بالراوي العليم " في النص المسرحي  اللغة هي الحوار ووصف الحركة والتي تكتب باقتصاد بالغ ولهذا انحسر النص المسرحي عن الساحة الثقافية لأنه نوع صعب، إضافة الى ان النص المسرحي يعتمد الاختزال والاشتغال على اللغة بغير إسهاب معتمدا لغة اقرب الى الشعرية وكأنه يعود الى جذوره الأولى، انا شخصيا لجأت الى أسلوب آخر في كتابة النص وأطبق هذا على " كوابيس الأبيض" في الطبعة الثانية أسميته " العرض المسرحي المدون"، أي كأني أضع على الورق كل ما يحتاجه العرض المسرحي من توصيف تفصيلي للمكان، للسينوغرافيا، الإنارة، الموسيقى، المؤثرات الصوتية، والحركة أحاول ان اجعله قريبا من العرض المسرحي دون ان الغي التخيل  طبعا هذا الأسلوب ربما اشتغل عليه غيري إلا أنني هنا أحاول أطوره بأكثر تجسيد دون ان يخرج عن دائرة السرد .
 •مع غياب المسرح وجمهوره، نراك مهتماً بقضايا المسرح ؟
- كل شيء صعب ويحتاج الى قدرات جماعية منسجمة متفاهمة يغيب في أزمنة الانحطاطات الثقافية، المسرح اشر بدايات غيابه منذ بداية انحطاط الثقافة في الثمانينات واكتمل هذا الغياب الآن بسبب انهيار الثقافة الجماهيرية وعودة الأمية، حيث أينعت القبلية والطائفية والمناطقية والحزبية وغاب القانون وأصبحت لغة السلاح هي السائدة لا تغرك كثرة الصحف والمواقع الالكترونية والفضائيات وعدد الروايات ودواوين الشعر هذه ليست نهضة ثقافية بل جهود فردية محضة، كل له عالمه الخاص غير المنسجم مع الآخر تحت ذريعة " الرأي والرأي الآخر" ولهذا غاب المسرح لأنه عمل جماعي يحتاج الى توافقات فكرية وجمالية، بإمكاننا اليوم ان نطبع في السنة أكثر من 100 رواية او قصة قصيرة او ديوان شعر لأنه عمل فردي ولكنا لانستطيع ان نقدم 10 أعمال مسرحية ناجحة، المسرح قضية مقدسة لانها رسالة تترسخ عند المتلقي يرسلها مجموعة متفقة ومتفاعلة الى عدد كبير من الناس المسرح قادر على التحريض والتغيير ولهذا تخشاه السلطات وتحاول ان تعوقه، انا بدأت من المسرح وسأبقى أسعى واساهم لاحياءه  بأي وسيلة ممكنة وأملي قبل ان أغادر هذه الدنيا ان اعتلي خشبة المسرح واحيي الجمهور ولو لمرة أخيرة في حياتي ولكن بعمل يستحق تلك التحية .
• كيف تفسر أزمة المسرح العراقي، من وجهة نظرك كفنان ومتابع، وهل هناك من سبيل للخروج من الأزمة ؟
- المشكلة متشعبة ومسؤولية حلها يحتاج الى جهود مشتركة ، يبدأ الأمر من البرلمان باعتبار ان هناك ممثلون مسؤولون عن نشر الثقافة والتوعية ومهمة الاتحادات والنقابات المسؤولة عن الثقافة والأكاديميين والتربويين والفنانين لابد من عقد مؤتمر تصدر فيه توصيات تلزم به وزارة التربية ووزارة التعليم العالي ووزارة الشباب لتنشيط الحركة المسرحية في العراق ولدينا الكوادر المهيئة لذلك ولاينبغي ترك الأمر لتنهض به وزارة الثقافة فقط ولابد ان تنتشر العروض في المدارس والكليات ومراكز الشباب وليس فقط في المسارح المركزية نحتاج الى نهضة مسرحية قبل ان يختفي هذا الفن الراقي مثلما اختفت السينما في العراق حيث محيت إلى الأبد صالات العرض .
• لكل كاتب رسالة إنسانية، مالذي تريد إيصاله إلى الآخرين من خلال خطابك الفكري ؟
- في عصرنا هذا على الرغم من تعدد وسائل الاتصال وتقدمها لاتصل الرسائل للأسف، لأننا نفتقد التبني، الرسالة بدون تبني تظل محبوسة في الورق، في الماضي كنا نطمح الى حرية التعبير قد توفرت الآن ولكن هل أجدنا التعبير بكل وضوح دون خوف او خشية من تابوات أخرى تحاصرنا، هل عززنا هذه الحرية بولادة جديدة نخترق بها الجدران، ولهذا انا اكتب بطريقة تؤرخ للسلوك السلبي، أعالج الذات قبل الموضوع كنوع من التطهير او التقويم لان حياتنا اليوم تمر باسوأ مرحلة والغالب هو السلبي، البطولات حالة نادرة جدا وغير مؤثرة إلا على المستوى التعبوي، وعلى قلتها إلا أنها أصبحت تاريخية كما يحصل الآن في مقاتلة الهمجية في غرب العراق ، ولكن الأهم بناء الانسان، التجاوز على بعضنا البعض عبر سلوكيات قبلية او طائفية، تجاوز على القانون، لان القانون ضعيف ويقبل التحايل عليه، ولهذا نجد التقاليد والقوة قد ترسخت، ولم يعد البقاء للأصلح ،بل البقاء للأقوى بسبب تلك الذات الفاسدة او الضعيفة او الذات التي تنتظر تغيير يأتي من الغيب، انا اكتب عن المسكوت عنه في الماضي والحاضر وما سيتم السكوت عنه في المستقبل انا لا احمل رسالة..الرسالة أمر كبير..عمل جماعي..اكتب شهادة تثير أسئلة إشكالية ربما لاترضي الأغلبية عن التأشير والاعتراف  بأخطائنا عن فشل السياسة والثقافة والفكر وتراجع الدين في منع الانحراف والفساد..أسعى لتثبيت شهادة محايدة لاتنتمي الى العرق او الدم او الأصل او الانتماء  انا لا أدافع عن هوية محددة، الهوية لديّ هي المدنية..ما اكتبه هو شهادة لأولادي ولأحفادي ولمن يهمه الأمر دون انغلاق او فردية او انشغال بلغة فوقية، إلا أني لا أهمل الجمال او متعة السرد، تلك المتعة المشحونة بالألم وبمحاولات تلمس طريق التقويم .
• هل يمكن لنا الحديث عن بداية اشتغالك في المسرح ؟
- كانت البداية من مسرح المتوسطة كان اشتعالا وجنونا.. بعد انتقالي إلى الإعدادية.. لم يكن يهمني أين اجلس وبأي صف، كنت أفتش عن قاعة المسرح وحين وجدتها.. بذلت جهداً لأقنع طلابا بأن يعتلوا خشبة المسرح، وتكررت التجارب، إذ يحولك المسرح إلى كائن يتفرج عليك الآخرون.. وتبصر بعيونهم من أنت، وحين تكون مسؤولا عن عمل مسرحي تدرك كيف يجب ان تكون مقنعا بعمل جماعي.. لكن، حين تشتت الشمل بقي ذلك الحلم يعصف بيّ، وحين عدت وجدت ان العمل أمسى من أصعب الأعمال، ولهذا لجأت الأعمال الهشة إلى تجارب الممثلين الاثنان والثلاثة لضمان التفاهم ولغرض الايفادات، والغريب ان هكذا أعمال تعرض  بمسرح كبير مثل المسرح الوطني اعد للأعمال الجماعية التي تكتب لحشد الممثلين، ويتم التعويض عن خواء الرحبة المسرحية بخليط من سينوغرافيا وعرض فيديو عبر " الداتا شو". وهكذا فقدنا لذة العرض المسرحي تحت ذريعة الحداثة، على الرغم من البعض لم يزل يعيد ويجتر أعمال شكسبير وكأنها صالحة لكل زمن. إذ بدت العروض بائسة، ولكني لم أزل احلم بعمل مسرحي حقيقي يعيد تلك الروح الجماعية وذلك الإبهار البصري الخلاق الذي يجعلنا نشعر بأن المسرح سيكون تعويضا عن تلك الفردانية والتقوقع الثقافي الذي تصنعه الرواية والقصة والشعر واللوحة والأغنية...على عكس العمل السينمائي والمسرحي والعرض السيمفوني.

• بماذا تود أن نختم حديثنا بعد ان شارف على الانتهاء ؟
- بعد الإجابة على أسئلتك أود ان أشكرك واشكر كادر المجلة لإتاحتها هذه الفرصة للتعبير عن رأيي لان هذا الزمن لا تتيح بعض وسائل الإعلام فرصة لمهتم مثلي يزعم انه يحمل رسالة ثقافية تنحى عنها منذ الثمانينات مضحيا مدة تقارب ربع قرن من الترويج لنفسه.. مبتلعا لسانه من اجل ان يحمي رأسه غير راغب بممارسة لعبة الكتابة عبر الرمز او عبر انتخاب مواضيع تجانب الواقع او تشير له من بعيد.. والحوار المعلن الذي تتيحه لي اليوم هو جزء من رسالتي اكرر شكري.

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

902 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع