لميعة عباس عمارة.. طلقت الشعر بالثلاث!

   

          

إيلاف/ عبدالجبار العتابي ـ بغداد: كان لاعلان الشاعرة العراقية الكبيرة لميعة عباس عمارة (مواليد عام 1929) عن (طلاقها للشعر) اكثر من علامة استفهام، واكثر من دلالة دهشة، باعتبار ان الشعر لايمكن طلاقه لاسيما اذا ما كان صاحب العلاقة به يمتلك تاريخا واضحا ومسيرة مجيدة، وهو ما يدعو للتساؤل:

هل يمكن للشاعر ان يعتزل كتابة الشعر او (يطلق الشعر) طلقة واحدة، ناهيك عن ثلاث ؟، ومن ثم هذا التساؤل يجر تساؤلا اخر وراءه وهو: لماذا الاعلان عن اعتزال الشعر او تطليقه؟ هل من اجل البحث عن اضواء اعلامية ام لموقف ما من الشعر ذاته او من الحياة او من اشياء اخرى؟
 هنا.. تتباين وجهات النظر بالتأكيد، فهناك من يرى ان الشاعرة وصلت الى عمر 93 عاما، وانها لم تعد على قادرة على استقطاب (شيطان) الشعر، فيما يرى اخرون انها نضبت فعلا، بينما يرى البعض ان اعلان الشاعرة كان (جرأة) منها، تحسب لها، وهناك من لم يصدق الخبر وشكك في مصداقيته، او رده الى (مزاج) الشاعرة.
  فالكاتب زيد الحلي يعتقد ان هذا القرار (الحكيم) للشاعرة، جاء بعد ان أحست، وهي المثقلة بتاريخ مجيد في الذاكرة الشعرية، بأن طير الشعر غادر أعشاشها، ولا تريد ان تنظم صورا شعرية تعتقد إنها لا تضيف الى اسمها شيئاً، فكتب يقول موضحا: في سابقة ادبية وتربوية رائعة، تُسجل لصالح الشاعرة الرائدة لميعة عباس عمارة، حين أعلنت الشاعرة مؤخراً، في حفل اقامته الجالية المندائية في ولاية مشيغان بالولايات المتحدة الاميركية حيث تقيم منذ أكثر من ثلاثة عقود، إنها طلقت الشعر، وطلقها الشعر بعد زواج جمعهما دام سبعة عقود ونيف..

   
 وتساءل: فهل خمد بركان الشعر عند لميعة عباس عمارة بلمح البصر ؟ وهل حقاً ضاق الشعر بلميعة، وضاقت لميعة بالشعر لتعلن بجرأة نادرة قرارها في التقاعد وهي في قمة وهجها الشعري وحضورها البهي في خارطة الشعر العراقي والعالمي... إنها الشاعرة التي عندما اقرأ لها، فأنني اجد في شعرها روح المتنبي، وموسيقى البحتري، وتصوير ابن الرومي وصوفية المعري
 واضاف: وفي ظني ان القرار الحكيم لعمارة، جاء بعد ان أحست الشاعرة المثقلة بتاريخ مجيد في الذاكرة الشعرية، بأن طير الشعر غادر أعشاشها، ولا تريد ان تنظم صورا شعرية تعتقد إنها لا تضيف الى اسمها شيئاً..، لقد اكدت مبدعتنا ان كتابة الشعر ونظمه هو فعل المبدعين، وليس فعل الهامشيين، إنها مسؤولية كبيرة لا يقدر على حملها ضعاف الرؤى..
 وتابع: ان شاعرة مثل لميعة، حققت لنفسها رسوخاً شعرياً، ثبت اصله وعلا فرعه الى سماء المشهد الشعري العربي، عندما تعلن طلاقها من الشعر ربما احست بأن الشعر هو الذي سيطلقها، فسارعت الى الاعلان عن توقفها عن كتابة الشعر، وبذلك سجلت سابقة، اجد من الضروري ان يسارع البعض من هواة كتبة الشعر الى الخروج من حلبة ابداعية هم غرباء عنها، فإذا كان اللاعبون الحقيقيون شعروا بتوقف مدادهم الابداعي فآثروا الانسحاب، فيكون من الاولى من الهواة الاسراع الى المغادرة قبل ان يجبروا على ذلك، وبوادر الإجبار آتية.. وهي بوادر لا تسر.

            

 من جانبها اشارت الشاعرة نضال القاضي الى مزاج لميعة، غير مصدقة انها قادرة على اعتزال الشعر، وقالت: لا اعتقد ان شاعرة مثل لميعة عباس عمارة تنضب، ربما لانني متحيزة اليها، احبها جدا، ولكن لميعة.. مزاجية، ربما لمزاج ما اعلنت هذا الاعلان، وأتوقع انها ستكتب نصا جميلا بعد هذا الاعلان.
واضافت: ان كان لدى الشاعرة مواقف سياسية او اجتماعية او موقف اخر، فمن الممكن ان توظف كثيمة في الكتابة، وليس اعلانا للاعتزال، هي ليست فنانة ولا راقصة ولا مغنية لكي تعتزل، كي نقول ان صوتها جف، ربما تكون لميعة متعبة، ولكنني اعلم انها مزاجية.
 اما الشاعر حبيب النورس فأشار الى استغرابة من اعلان الاعتزال، معتقدا ان من الممكن القول ان الشعر طلقها فعلا، فقال: اعتقد ان قضية شاعر في نهاية عمره ونهاية المطاف او مشواره الشعري ويعلن على الملأ انه سيعتزل الشعر، اعتقد انها مسألة مبالغ فيها، فهي احدى مسألتين: اما ان تكون الشاعرة قد نضبت شعريا وانتهت شعريا ولا يوجد لديها شيء لتقوله لقرائها وجمهورها، او انها محاولة من الشاعرة لاثارت ضجة اعلامية، لاسيما وان الاضواء بعيدة عنها بعض الشيء، اما مسألة ان يكون لديها موقف من الشعر فأنا لا اعرف اي موقف هذا الذي يدعو الى هذا الاعلان، فلو كان الموقف سياسيا، فهو ادعى الى ان تكتب، وان كان موقفا اجتماعيا فالادعى ان تكتب، وان كان هناك موقف من الشعر، فالشعرية لا علاقة لها بالقضية، ومن غير الممكن ان يحجب الشاعر الشعرية من داخله، هذا غير ممكن، فهي ملكة موجودة في داخلنا، ولكن ربما طلقها الشعر، اقول ربما.
 واضاف: انا اعتقد ان الشعر لا يتم التقاعد عنه ولا يتم الاستغناء عنه، والشاعر وهو يموت على الفراش يقول شعرا وينطق شعرا ويتصرف شعرا.
 اما الشاعر مروان عادل فردّ الامر الى البحث عن اضواء، فقال: لميعة.. مع اعتزازنا بشاعرتنا العراقية، هي كبيرة في السن، ونحن نعرف معدل عمر العراقيين، هناك عمر عندما يصل اليه الانسان يصبح ميتا سريريا، وهو في قرارة نفسه قد ترك الشعر بشكل عفوي، ولكن هناك اناس يحبون ان يحدثوا ضجة معينة، اعلامية بالتأكيد، يقول فيها انه ترك الشعر وكأنما الناس والمعحبين والهائمين بجمال شعرها سيأتون افواجا، ويقفون عند بابها يطلبون منها ان ترجع لكتابة الشعر، هذا الامر لم يعد موجودا، وهذه كان الممثلون في السبعينيات يفعلونها ومن نسيهم الجمهور، وفعلها ايضا جمال عبد الناصر عندما قال انه تنحى عن الحكم، وهو كان يريد من الشعب ان يتمسك به، اراد ان يفعلها العديد من رؤساء الدول والمشاهير بحثا عن ضجة اعلامية ليس الا.

      

                         الشاعرة مع الأستاذ / زيد الحلي

من جانبه رفض الناقد علوان السلمان مسألة اعتزال الشاعرة، مؤكدا انها ما زالت تكتب الشعر، وقال: لميعة عباس عمارة صوت شعري نسائي متميز استطاع ان يشغل الساحة الثقافية ويشغل افكار النقاد فقدموا الكثير عن لميعة، ذلك الصوت الشعري الذي يعيش غربته مع ذاته، لميعة.. التي اخترقت الاجواء وعبرت الافاق فكانت اداعا شعريا، لميعة عباس عمارة.. اخترقت الذاكرة بعد ان دخلت المناهج الدراسية العراقية اضافة الى ترجمتها الى اللغات العالمية.
 واضاف: اخر الانباء تصلنا من بعيد تقول ان لميعة عباس عمارة تعتزل الشعر، انا اشك في ذلك وأقول:لا صحة لذلك وفق ما اتعامل به وما اتدارسه وما احصل عليه من لميعة عباس عمارة التي انتهت اخيرا من كتابة بعض الاناشيد للمندائيين باللغة العامية.
  مس الختام مع الشاعر والناقد علي حسن الفواز الذي اكد ان الامر لا يدعو الى الاستغراب، لان من يتوقف عن الشعر تتوقف ادواته الشعرية عن التجديد، فقال: اولا الشعر لا يمكن الخلاص منه ولا يمكن طلاقه، لان الشعر يلتقي مع الانسان، مع نبضه، مع وجوده، مع قيمه، واية محاولة لفصل الانسان عن الشعر هذه عملية ركض بالفنطازيا، لكنني اعتقد ان شاعرة مثل لميعة عباس عمارة تنتمي الى فضاء شعري اخر يبدو لي ان ادواته واغراضه انتهت، فأعتقد ان التصريح بمثل هذا قد يعبر عن هذا النضوب او هذا الاحساس بهشاشة الادوات الشعرية، ولكن مع ذلك تبقى لميعة عباس عمارة رمزا شعريا وانوثة شعرية مميزة وصوتا شعريا ينتمي الى فضاء الشعر العراقي، لكن ايضا الشعر مثل اي جسد حي، بحاجة دائما الى التجديد، بحاجة دائما الى ان يعيد تبديل ملابسه الداخلية لكي يكون قابلا للحياة ولكي يكون متفاعلا مع الحياة.
 واضاف: من يتوقف عن الشعر، في حقيقة الامر، هو توقف ادواته الشعرية عن التجديد وعن الانتماء الى فضاء التغيير.
  يذكر ان الشاعرة لميعة عباس عماره من مواليد بغداد سنة 1929 نظمت الشعر وهي صغيرة باللهجة العامية وتفتحت موهبتها الشعرية في الرابعة عشر من عمرها ونشرت اول قصيدة لها عام 1944 في مجلة السمير، وقد كانت ترسل قصائدها إلى الشاعر المهجري (ايليا ابو ماضي) الذي كان صديقاً لوالدها، وقد عززها ايليا ابو ماضي بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الأولى من المجلة اذ قال: (ان في العراق مثل هؤلاء الاطفال فعلى اية نهضة شعرية مقبل العراق)،تخرجت من دار المعلمين العالية،وقد صادف أن اجتمع عدد من الشعراء في تلك السنوات في ذلك المعهد، السياب والبياتي والعيسى وعبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم، وكان التنافس الفني بينهم شديداً، وتمخض عنه ولادة الشعر الحر،وعملت مدرسة للغة العربية وادابها.اصدرت عدة دواوين منها: الزاويه الخالية، وعراقية، ولو انباني العراق، والبعد الاخير.ولا تزال الشاعرة على قيد الحياة، وتعد الشاعرة محطة مهمة من محطات الشعر في العراق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1085 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع