زهيرگاطع الحسيني..الشاعر الذي لايغادرعشه أبداً

       

زهيرگاطع الحسيني..الشاعر الذي لايغادرعشه أبدا

       


        

كان الشعر وما يزال يؤدي دوراً فاعلاً في تدعيم وحدة الجماعات البشرية. فالشعراء ظلوا منهمكين بتقوية حس جماعاتهم بوحدة أصلها والتحام مصالحها وسمو مبادئها الأخلاقية. هذه النزعة الفنية تنبع من ميل الإنسان الفطري إلى الارتباط الفكري والعاطفي بجماعته وانتمائه إليها. حيث يسهم الشاعر بوصفه مثقفاً في أبراز الحقيقة والذين يحيطون به من كل جانب، في ان يجعل الآخرين يستشعرون برغبتهم بالتغيير بينما تضعف المبادرات الفردية الحرة الواعية بتأثير الضغوطات الجمعية.

ولوضع حد لهذا النزاع المستديم ولإيجاد مبدأ توافقي إنساني أكثر صلابة وتناسقاً يجب استثارة الرغبة المتأججة في الدفاع عن الإنسان أياً كان هذا الدفاع المفضل بوصفه اتجاه طبيعي لدى الإنسان. فقد تكونت لدينا اليوم صورة للإنسان المعاصر لم يستطع احد في الماضي الحصول عليها واكتسابها. كما تغيرت الأغراض والأساليب التي صورها عن المستقبل ويجب ان تتغير التراكيب التي يستعين بها للدفاع عن كيانه وانجازاته بوصفه كائناً فاعلاً يستحق الحياة التي وهبت له. فمن أبرز معطيات التجربة الإنسانية الخلاقة، في الحياة الدنيا، منحها كل القيم الجمالية، لمظاهر الكون وتجلياته على شكل صور وأنماط متعددة بعدد الفضاءات الواسعة التي تختزل مدار التجربة الإنسانية على الأرض. وهذا ما يجعل الإنسان صانعاً للجمال بكل قيمه المتعارف عليها منذ بدء الخليقة ونشأت التجمعات الإنسانية على المعمورة.. ويبقى المرء متطلعاً لروح الجمال الذي تلبسه. فالشاعر لايدخل العالم ليناقض الوجود فيه أو يكون متغايراً معه بتلك الحدة التي يقف بها، وإنما يدخله لينتهي بتجربته الفنية التي هي تجربة مجاورة للواقع المعاش بالإحساس والتعايش المادي أكثر منها باللغة، إلا إذا اعتبرنا الشعر لغة ليعيد اكتشافه فينحو على هذا الوجود، ليفجره باتجاه السمو به عن الواقع المزري صانعاً روح التجانس المدهش مع واقع الحياة من خلال الخروج بهذه الحياة محققاً صلة عينيه بالواقع على النحو الذي يجعل ذات الشاعر لا تتخلى عن حلمها أو كابوسها المرعب الذي تعيشه يومياً، ففي قصائده هناك باستمرار موضوع يقوم على حدث ما أو ينطلق من رؤية نقدية في علاقتها بالموضوع المحكوم بالواقع.. فنجد الكثير من قصائده تتميز بتناولها للهموم الإنسانية بوصفها حالة خاصة في هذا الخضم الحياتي الذي يمسك بشعره العصب الذي يشكل الوجود والبقاء معاً. ولا يعني ذلك الوقوف عند محطات إنسانية معينه بقدر ما يعني الانصهار في بوتقة الآخرين وجوداً وتحقيقاً لحالة استثنائية مميزة.. هذا ويسرنا في هذا اللقاء الحميم مع الشاعر زهير گاطع الحسيني، أن ندخل معه في حوار عن  تجربته الشعرية وهموم القصيدة..

          

س: ماذا أضاف ديوانك الأخير سفينة الإصلاح ؟
كان (سفينة الإصلاح) الديوان الثاني ليّ بعد الديوان الأول (منشور سري) هو بمثابة أرشفة لقصائد كنت كتبتها في أيام السبعينيات وأنا طالب في كلية الهندسة التكنولوجية التي أصبحت فيما بعد الجامعة التكنولوجية وهي تقع ضمن حالة الإصلاح التي إرتئيتها ان تكون حالة عامة لأشيائي كما هي حالة لعامة الدور الذي يمر به الوطن والناس الذين يتصبرون شوقا ً لحالات النهوض والتطور وإصلاح مفاصل الحياة من خدمات وبنى تحتية كما هو إشارة الى تغيير جديد لحالة التغيير الأول الذي حصل بعد عام 2003 ولا أخفي سراً إن معظم قصائد مجموعتي (سفينة الإصلاح) هي إمتداد للديوان الأول كما إنها إضافة نوعية طالبوني بها إخواني في تيار ألإصلاح وقدموا لي السند والدعم لتأطير الحالة التي كنا ننتهجها وتعزيز الهدف الذي كنا نرتقي إليه ألا وهو هدف الإصلاح بحد ذاته وكأننا إبتعدنا شيئاً ما عن الرومانسية وإقتربنا إلى الواقعية والعقلانية التي كنا نصبوا إليها.
س: كيف يقيم الشاعر العلاقة  بينه وبين الواقع الذي يعيشه اليوم ؟
كانت علاقتي ومازالت مع الواقع هي بمثابة ارتباط مع الناس وتماس مع الواقع. ومعظم قصائدي تتناول معاناة الإنسان العراقي وهموم المواطن الفقير كما تتحدث عن السياسي ويومه وعن الشعب وأطيافه..وما يمر به العراق العظيم في محنته، وأصبحت أكتب من وحي شمس النهار الذي نعيشه بعد ان كان معظمنا يكتب من خلف جدران الليل والظلام الذي كبل أقلامنا وكتم أفواهنا حيث كانت الكتابه مقيدة بمديح الشخص الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد الذي بعده تقام القيامة.. بيمنا اليوم أصبح المثقف وإبن الشارع البسيط على حد سواء في الكشف عن دواخله فأصبح الشعر في قصائدي مفتاحا ً لقضية سياسية او حالة إجتماعية معينه وكذلك هي حالة إنسانية متنوعة بعد ان كانت حالة وجدانية منفردة ومتجردة من دواعي الإثارة بسبب التحسس الذي كان والغطاء الثقيل الموضوع فوق رأس المثقف والأديب والشاعر بالذات.. بمعنى آخر أصبح الشعر متحرراً وبإلتزام أدبي من قيود الدولة والحكومة والطائفة ليعاود الظهور بحالته العفوية والشفافة التي يحبها الناس هكذا.. أن تكتب بلا خوف ولا تردد وأن تبقى شاعرا ً بمن حولك له حق الإحترام والطاعة من جهة ولك حق النقد وتعرية المواقف وقضايا الواقع من جهة ثانية.
 س: ما هي أهم الموضوعات التي تدور عليها قصائدك، وهل أن الأحداث التي  أصابت المجتمعات العربية تملي عليك مواضيع معينه، حيث نجد هناك أشارات بينه في شعرك تشير إلى ذلك بوضوح ؟
موضوعات قصائدي متنوعة ومختلفة تماماً عما أقرأه من نتاجات بعض الشعراء وخاصة الشباب الذين أصبحوا لا يفارقون قصيدة النثر كما ان البعض منهم يكتب في الوجدانيات والذاتيات أكثر مما يكتب في العموميات وهموم الساعة.. لقد كتبت عن قضايا الوطن والسياسة مثلما كتبت عن هموم الفقراء والعمال وإخواني المساكين وكتبت عن الناس داخل الوطن وخارجه ثم رجعت إلى حالتنا القومية والدمار الذي أحل بمجتمعاتنا العربية وكان مايسمى بالربيع العربي هو واحد من كتاباتي الصعبة والتي أدمت قلبي ناهيك عن التراجع الخطير الذي قامت به بعض الحكومات العربية الخليجية  وكانت لي كتابات في هذا الإطار أعتز بها.
 س: ما المطلوب من الشعر، إمام التحديات التي يواجهها الوطن؟
عزيزي الأستاذ الخياط أنا أؤمن إن كل ما يكتبه الشاعر هو كلام مقدس كونه جاء عن معاناة وإيحاءات و تنبؤات ولكون الشاعر هو إبن واقعه ولسان حال شعبه وناسه فعليه أن يكتب بل ألأجدر به أن يصور كل تفاصيل هذا الواقع ويؤرخ له، فالشعر هو الميزان الذي يحمل ثقلاُ أكثر من غيره من ألآداب في إصابة معيار الواقع وتخليده امام التحديات التي يواجهها الوطن والمواطن..فألمطلوب من الشعر وبإختصار ان يمجد الحالات الإنسانية للمواطن الغيور والمقاتل الشريف والعامل المثابر والأستاذ والطالب المجتهد في هذه المرحلة خاصة ونحن نمر في مفترق طرق لحالة التغيير.. نريد من الشعر أن يخلد الإستثناءات في وقت أصبح الإستثناء قليل جدا ً فللنظر مثلا ً الى حالات التطوع والجهاد وحراسة المال العام والبناء والأعمار والنهوض بالصناعة الوطنية والثروة الزراعية والإستغلال ألأمثل للموارد البشرية والثروات ولا ننسى ألأمن الداخلي ومحاربة الطائفية والتفرقة.. كل هذه وغيرها من الموضوعات السياسية والإجتماعية والاقتصادية بل وحتى ألأسريه في إحترام الزوجة وتوقير الأب والأم هي أرض خصبة للشِعر في أن يزدهر في ظل ظروف قاسية وصعبة تمر علينا جميعا.
س:آلا ترى أن قصيدة النثر ستضر بتجربة الشعر العربي لسهولة أدعاء كتابتها ولكونها بلا ضوابط ولا شروط  ؟
قصيدة النثر يا عزيزي قصتها قصة.. أنا واحد كغيري من الذين كتبوا قصيدة النثر كما  كتبنا الشعر الشعبي والعامي لكن صدقني لم أكتبها إلا مضطرا ً كي لا يخرج الموضوع الذي في رأسي من جادة العمود او الحر (التفعيلة).. اليوم أنت تريد ان توصل الفكرة التي إستوحيتها إلى متلقيها فأمامك خياران أما أن تكتبها كما نزلت عليك أو لا تكتبها.. إذن العيب ليس في الشاعر بل في أدوات الشاعر التي تنعكس على قابليته الثقافية والذهنية وما ينطلي عليه أصل الموضوع الذي جاء على ألأكثر من إيحاء داخلي وبالتالي نجد الخط الشائع للقصيدة الدينية مثلا ً والحماسية أيضاً هو ( العمود ) بينما نرى معظم القصائد الوجدانية والرومانسية والإجتماعية تقع في خانة (التفعيلة) في الوقت الذي تذهب الكتابات الخاصة والذاتيات وعواصر الذهون وما يوحى إليك من الميتا فيزقيات الى قصيدة (النثر) التي لا أحبها كثيرا ً وهي بشكل عام سهلة التشكيل والتركيب صعبة التفكير والإدراك..أما إنها ستضر بتجربة الشعر العربي ؟.. نعم ستأكل من جرف الشعر المعاصر حتى تسمن وتترهل ثم تسقط سقوط الأبراج العالية.. لها اليوم الكثير من القراء والمتلقين.. تبدو وكأنها الجديد بعد أن إستوعبت النخبة المثقفة تركيبة القديم حد ألإشباع وإبتلعت أدواته من وزن وقافيه وحلت محله بواعث النفس الغافية...!!
س: كيف ترى مستقبل الشعر، وسط  دائرة الحريق العربي ؟
لا خوف على الشعر من حريق الشعر.. بل الخوف على الشعراء من خبث الأعداء، حيث ان صناع الشعر وصناع القصائد المحملة بوابل هموم الوطن صاروا هدفا ً لأعداء الوطن والأمة من المأجورين والمتسللين.. فللشعر العربي مستقبل واسع  خاصة في العراق و دول الخليج العربي إن لم يكن نوعا ً فكما ً على مايبدو...
س: كيف ترى ازدياد الشعراء في الفترة الأخيرة بصورة لم نشهدها من قبل ؟
شيء مفرح الإزدياد العددي للشعراء، والكمي من الشعر، لكننا مازلنا نبحث عن النوع  والأصناف المبدعة التي تثمر الجديد المؤثر.
س: ماذا عن الجوائرالتي تمنح للشعر، وهل تعتبر مؤشر حقيقي إلى وجود حركة أبداعية ؟
في العراق لا حظنا إن الجوائز التي تمنح للشعر هي جوائز بسيطة وليست ذات قيمة عالية من الناحية المادية..وأصبحت هناك عدة أطراف تجتهد في إجراء المسابقات الشعرية والأدبية ومنح الجوائز أصبح بدون مكيال ثابت.. من المفروض ان تقوم وزارة الثقافة بوضع منهاج عمل مدروس لهذه النوادي وتلك المنتديات  مع وضع ضوابط صحيحة للتكريم في المهرجانات المقامة حالياً حيث نجد إن معظم المهرجانات لم ترتق  مستوى الكلمة التي توازيها كما لم ترتق القصيدة الفائزة سلم الجائزة الممنوحة معنويا ً لها..بمعنى لا يوجد مؤشر حقيقي يدل على حركة شعرية راقية رقي الجواهري او المتنبي...!!
س: تجلت المرأة في الكثير من أشعارك، فماذا عن المرأة في حياتك ؟
كتبت الكثير في المرأة والأكثر كتبت في زوجتي مالم يكتبه نزار قباني عن بلقيس.. أنا أحب إمرأتي التي توفت بحادث طريق مثلما أحب زوجتي التي تعلقت بي َّ كقلادة في رقبة.. لقد كتبت عن إمرأة غنية وأخرى فقيرة وكتبت عن إمرأة سياسية ناشطة وأخرى حبيبة صادقه.. كتبت عن الموت وما ترك من ذكريات في أشعاري الحزينة القاتلة.. المرأة كل شيء في حياتي.. ومثلي رجل كيف بدونها ؟.. وبضع إمرأة ما أنا لها إلا كاملاً متكاملا.. هي نصفي الآخر الذي يتمرد ولا يرتد.. هي عودي الأخضر الذي حباه الله لي ثم حصده ثم أعاده.. المرأة هي أمي وأختي وبنت أخي وزوجتي وأم أولادي..هي قطتي التي كانت وأشيائي الحلوة.. هي بطتي التي أتت ومعها شراب القهوة.. نعم هذه كلها قصائد لي في المرأة والبقية تأتي...

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

635 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع