الفنان خليل عامر الشرايبي لموقع"الگاردينيا": «رواق "مرسم" ليس إرثا عائليا وإنما مؤسسة ثقافية وفنية

       

 الفنان خليل عامر الشرايبي لموقع"الگاردينيا": «رواق "مرسم" ليس إرثا عائليا وإنما مؤسسة ثقافية وفنية»

       

                  

الدار البيضاء: لحسن وريغ: رواق "مرسم للفن المعاصر" واحد من أشهر الأروقة الفنية بالمغرب؛ تأسس منذ سبعينيات القرن الماضي من طرف عائلة الشرايبي. هذه السنة اختار الرواق الاحتفال بأربعين سنة عن انطلاقته وذلك من خلال تنظيم عدة لقاءات ومعارض وندوات، وكانت البداية بتظاهرة خاصة بالفن التلقائي باعتباره أقدم وأعرق المدارس الفنية التشكيلية، حيث يتم عرض مجموعة من اللوحات الفنية ل12 تشكيليا وتشكيلية من ضمنهم: الشعيبية، محمد بن علال، فاطنة غبوري، فاطمة حسن، آيت يوسف سعيد، فاطمة الورديغي، شراد، بشير بن علال…إلخ. خليل عامر الشرايبي أحد أبناء هذه العائلة الفنية يتحدث لموقع "الگاردينيا" عن هذه التجربة الفنية وعن هذا الاحتفال بمرور 40 سنة عن ميلاد "مرسم"..لنتابع --------------

* يحتفل رواق "مرسم للفن المعاصر" بمرور أربعة عقود على انطلاقته في مجال الفن والتشكيل. ماذا تعني لكم هذه المناسبة وهذا التاريخ ؟

      

** خليل عامر الشرايبي: أربعون سنة من حياة رواق "مرسم للفن المعاصر" تعني لنا شيئين إثنين: الالتزام والحياة. إلتزام بالنسبة للوالد رشيد الشرايبي والوالدة لالة زينب، وحياة بالنسبة لي شخصيا؛ لقد تبلورت فكرة الأربعين سنة من عُمر هذا الرواق الفني بفضل جيلين إثنين هما: جيل الوالدين وجيل أبنائهما، ولذلك يمكن لي الاعتراف بأن "مرسم" ليس إرثا عائليا بقدر ما هو مؤسسة ثقافية وفنية تديرها وتسيرها عائلة الشرايبي بفعل قوة الأشياء. وإذا أردتم أن نعود إلى التاريخ بعض الشيء، سأقول لكم بأن هذه المؤسسة الثقافية لها تاريخ بسيط جدا. فعمرها لا ينحصر في أربعين سنة وإنما في خمسين سنة بالتمام والكمال. أي أنه منذ سبعينيات القرن الماضي، بدأ بعض أفراد عائلتي في شراء واقتناء اللوحات التشكيلية كلما أتيحت لهم فرصة لذلك. لأنه كما يعرف المهتمون بهذا المجال، لا يمكن أن تؤسس رواقا للفن التشكيلي وأنت لا تتوفر على عدد من اللوحات التشكيلية ذات القيمة الفنية الكبيرة، إضافة إلى علاقاتك العديدة مع الفنانين  والمبدعين أنفسهم. ومن حظ الرواق أن هذه العلاقات بدأت عشر سنوات قبل افتتاح وتأسيس "مرسم" بالعاصمة الرباط. وتزامن  التأسيس مع ظهور محترف لفن الطباعة يجمع كل التخصصات المرتبطة بهذا الفن الجميل، وساهمت هذه البداية في تعزيز دار النشر للفنون التشكيلية. كانت الأسرة تنظم من حين لآخر لقاءات مع التشكيليين والشعراء والروائيين وكل ممارسي الإبداع والفكر، مما جعل المؤسسة تتحول شيئا فشيئا إلى ملتقى للفن والفنانين عبر ربوع المملكة، وستجدون في العدد الهائل من إصداراتنا (portefolio) دليلا على ما أقول. وبعد عشرين سنة من هذا التاريخ، تحولت دار النشر للفنون من مؤسسة ذات طبع محدود إلى مؤسسة ثانية للنشر بعد تطوير إمكانياتها لتتعدد منشوراتها وترتفع أعداد طبعاتها، حيث انتقلت من مائة نسخة إلى ألف أو ألفي نسخة.  معنى هذا الكلام هو أن  "مرسم" أصبح يراهن على دمقرطة الفن وجعله في متناول الجميع، لأن الفن عامة والتشكيل على وجه الخصوص، يجب أن يكون مشتركا ومعمما. هذا الاختيار لم يكن اعتباطيا أو صدفويا، ولكنه جاء نتيجة سيرورة العمل الجاد والمتواصل من طرف المؤسسين وشركائهم في هذه المغامرة الفنية الجميلة حقا، وبسبب مكانة الرواق التي أخذت تترسخ وتتعزز مع توالي الأيام. لقد لجأ "مرسم" إلى تنبي طريقة في التعامل مع الفنان التشكيلي المغربي ومع المؤسسات الفنية ذاتها، مما جعل اللوحة التشكيلية تحظى بكثير من العناية والتقدير والاحترام. فاللوحة تحمل قيمة فنية تستحق أن يتم عرضها في المكان المناسب. كل لوحة تحتاج إلى: المشاهدة والقراءة والنقد. إن الفن فعل للتفكير والتأمل وليس شيئا نستعمله للزينة فقط. ثم لا ننسى أن اللوحة التشكيلية تعبير عن فكرة وعن ثقافة بطريقة الخطوط والألوان. فكل لوحة تختزن خلفها فكرة عن الحياة والواقع. لاحظ معي لوحات هذا المعرض التي تحيط بنا من كل جانب. إنها تعبر عن مدرسة فنية اشتهرت باسم "الفن التلقائي". وهي لوحات رسمتها أنامل مجموعة من الفنانين العصاميين.  إذن، نحن نعتقد أن ما حققناه خلال هذه الفترة، يعتبر أساسيا في مسار هذا الرواق الفني، ومازلنا نطمح في الوصول إلى قمة العطاء والإنتاج. وارتباطا بسؤالك دائما، أخبرك أنه في سنة 2009 قامت المؤسسة بافتتاح مركز لإيواء الفنانين بمنطقة عين السبع الشاطئية. وهو مركز نتوفر فيه على كل ما يجعل ممارسة العمل الفني في ظروف احترافية راقية. إن الاحتفال بأربعين سنة من عمر هذا الرواق، معناه الاحتفال بتجربة عائلة فنية رهانها الأول والأخير هو المساهمة في تطوير الفن التشكيلي المغربي ونشره على أعلى مستوى سواء داخل الوطن أو خارجه. وسيبقى الفضل كل الفضل للوالد والوالدة (أدام الله عمرهما)، فيما وصلنا إليه ونسعى إليه. خلال هذه السنة، توجه رواق"مرسم" إلى الأطفال باعتبارهم رموز المستقبل. فعلى مدى يوم واحد، استضفنا حوالي أربعة مائة طفل ينتمون إلى مؤسسات تعليمية بمدينة الدار البيضاء. الهدف هو فسح المجال أمام هذه المواهب الصغيرة لاكتشاف عالم الخطوط والألوان، وقد كانت النتائج طيبة ومشجعة بكل المقاييس، مما يعني أننا نتوفر على الخلف في هذا المجال الفني.

* منذ أيام خلت، نظم رواق "مرسم" تظاهرة ذات طابع خاص، حيث اخترتم المدرسة التلقائية للاحتفال بهذه المناسبة. لماذا هذا الاحتفال بالفنانين العصاميين والفن التلقائي؟

** خليل عامر الشرايبي: بداية، لابد من الإشارة إلى أن رواق "مرسم" لم يختر الفن التلقائي للاحتفال بمرور أربعين سنة عن تأسيسه، وإنما بدأنا بهذه المدرسة التشكيلية لأنها تعتبر واحدة من أعرق المدارس في عالم التشكيل، في انتظار الاحتفال بالمدارس الأخرى التي يعرفها التشكيليون أنفسهم والنقاد والمختصون والباحثون.  ففي هذا المعرض، نلتقي مع 12فنانا تشكيليا عصاميا شكلوا بحق صورة واضحة المعالم عن الفن التلقائي المغربي: محمد بن علال، الشعيبية، فاطنة غبوري، فاطمة حسن، بشير بن علال، فاطمة ناجم، آيت يوسف محمد…إلخ. إذن، لم يكن اختيارنا للفن التلقائي اعتباطيا بقدر ما هو مؤشر على بداية مشروع كبير وطويل ممتد في الزمان والمكان. غير أن الاحتفال يتطلب منا أن نخصص لكل مدرسة تشكيلية تنظيما يليق بها وللمنتسبين إليها، كما لا ننسى أننا ننظم هذا الاحتفال بالاعتماد على ما نتوفر عليه من لوحات تنتمي إلى هذه المدرسة أو تلك. وإذا شئت، فهذا الاحتفال بالفن التلقائي هو الفصل الأول في انتظار الفصول الأخرى التي ستحمل معها مفاجآت لكل ما سيزور رواقنا ويتعرف على مخزوننا الفني.

*: ألاحظ أنكم اخترتم 12 تشكيليا وتشكيلية للاحتفال بهذه المناسبة، هل يمكن لي معرفة المعايير التي تم الارتكاز عليها في هذا الاختيار؟

**خليل عامر الشرايبي: كما قلت لك سابقا، اخترنا هذه الأسماء انطلاقا مما هو متوفر لدينا من لوحات تشكيلية خاصة بهم. صحيح أن الساحة المغربية تتوفر على غير هذه الأسماء التي تنتمي إلى المدرسة التلقائية، لكن معرضنا يضم اللوحات التي هي في ملك الرواق. ونفتخر بكون هذه اللوحات لها قيمة فنية عالمية وقد عبرت عن ذلك في كثير من المعارض الوطنية والدولية. ومثال ذلك الفنانة العصامية فاطنة غبوري التي نعرض لها واحدة من أشهر لوحاتها التي تحكي عن المراحل الأربعة للحياة. ثم لوحة الفنانة العصامية الشعيبية طلال وفاطمة حسن…إلخ فخصوصية هذه اللوحات تكمن في أنها تريد أن تصور السعادة والحياة والفرح انطلاقا من رؤية فنية خاصة بأصحابها. وكلما أطلنا النظر فيها نحس أن هذه الخطوط والألوان تعزف نشيد الحياة وتصور الواقع المغربي بكثير من التلقائية الفنية. في نظري المتواضع، الفن المعاصر مهما كانت درجات إبداعه وأدواته ، فإنه لا يخرجه عن كونه يريد أن يقول شيئا واحدا ألا وهو : التعبير عن الحياة.

     

* أي مكانة لرواق "مرسم" داخل الفن التشكيلي المغربي؟

** خليل عامر الشرايبي: أظن أن هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الأخرين وليس إلي باعتباري مسؤولا داخل الرواق. أي لا يمكن أن تنتظر مني حكما خاصا عن تجربة أنا طرف فيها. ومع ذلك، يمكن أن أختزل جوابي في كون هذا المسار الممتد على مدى أربعة عقود، هو عنوان للعمل الجاد والمتواصل في مجال الفن المعاصر. رهاننا هو الانفتاح على الجمهور حتى يصل إليه عملنا في أحسن الظروف، مما يجعل رواقنا يتبوأ المكانة التي يستحقها في خريطة الأروقة الوطنية وإعادة الاعتبار إلى الفنانين التشكيليين الذين وافتهم المنية وفي نفس الآن احتضان الأحياء والاهتمام بهم وبإنتاجاتهم.

*لماذا هذا التعدد والتنوع في نشر الثقافة التشكيلية داخل مؤسستكم؟

**خليل عامر الشرايبي: هذه التجربة تعود ملكيتها إلى الوالدين رشيد و زينب. الأول متخصص في اقتناء اللوحات التشكيلية، والثانية عاشقة للأدب والموسيقى. وكانت رغبتهما دائما هي الوصول إلى تأسيس مقهى أدبي بما تحمله الكلمة من معنى. من هنا جاء التفكير في البحث عن الأدوات التي من خلالها نستطيع أن نوصل الفن التشكيلي إلى شريحة أوسع من الجمهور. ف"مرسم" ليس مكانا للرسم فقط، وإنما هو فضاء للتفكير في عالم الفنون التشكيلية ممارسة وتنظيرا.  فكلما أتيحت لنا فرصة التعريف بهذا الفن ، لن ندخر جهدا في إيصال اللوحة إلى جمهورها الواسع إينما كان ، سواء عن طريق المعارض التشكيلية أو اللقاءات التشكيلية أو إصدار الكتب الفنية…إلخ. فبعيدا عن اقتناء اللوحات وبعيدا عن عرضها وبيعها، ثمة شيء جوهري في هذه التجربة، ألا وهو الفكر والتأمل في الحياة من خلال الألوان والخطوط. ولهذا اخترت مواصلة ما بناه الوالد والوالدة رفقة أشقائي. كان بودي أن أنخرط في عالم مهني آخر، لكن عشق اللوحة سيطر علي وجعلني مهووسا بها، وفي ذلك عشق للحياة. وأملي أن يصل هذا العشق إلى حد بناء متحف أو مؤسسة فنية كبيرة تستوعب كل ما تطمح عائلة الشرايبي تحقيقه في قادم الأيام.

* من هو جمهور "مرسم"؟

** خليل عامر الشرايبي: جمهورنا متعدد ومختلف. فهو يشمل كل شرائحة المجتمع المغربي: مؤسسات فنية، شركات، فنانون، نقاد، باحثون، مقتنو اللوحات، شباب، طلبة…إلخ 

* هل ثمة صعوبات وعوائق  أمام رواق "مرسم" للوصول إلى ما يطمح إليه في الحاضر والمستقبل؟

** خليل عامر الشرايبي: لا ترتبط القضية بالصعوبات أو العوائق، بل هي تنحصر أساسا في شيأين اثنين هما: العمل والزمن. منذ بداية هذه التجربة، ونحن نؤمن  بحتمية العمل والزمن. كل يوم أستيقظ فيه ، أفكر في الرهان الذي سيمكنني تحقيقه. ومع توالي الأيام والأشهر والسنوات وتراكم التجارب، أنظر إلى الحصيلة لكي أعرف هل كانت مشجعة أم لا؟. و لا يمكن لك أن تتنبأ بالحصيلة خلال فترة زمنية قصيرة وإنما على مدى يمتد إلى أكثر من سبع سنوات. إذن، ليست هناك صعوبات ولا عوائق بقدر ما هناك صراع دائم مع العمل والزمن.. هذا الرواق يفتح أبوابه طيلة أيام الأسبوع، وطيلة أشهر السنة وعلى امتداد الفصول الأربعة.. لا نتأثر بأحوال الطقس وأسهم مبيعاتنا.. الخسارة لا تهمنا والربح رهاننا.. نحن في هذا الرواق لا نتوقف عن الاستثمار في اللوحة التشكيلية، وسنظل عاقدين العزم على ذلك.. نعمل دائما على اقتناء الإنتاج الفني كيفما كانت أحوال السوق.. لا نصاب بالغرور إذا كانت أسعار سوق اللوحة حامية ولا نرمي بملابسنا إذا أصبحت الأسعار باردة...

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

509 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع