الفساد يمكن مسلحي العراق من انتحال صفة رجال الأمن

 

                ملابس عسكرية تباع في أحد محلات بغداد

تباع الملابس والتجهيزات العسكرية العراقية في الأسواق الشعبية، فتستفيد المجموعات المسلحة من هذا، لانتحال صفة رجال الأمن العراقيين أثناء تنفيذ عمليات الخطف والسلب والتفجير.

إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: في خطوة تهدف للتضييق على منفذي العمليات المسلحة التي تحدث بشكل شبه يومي في العراق، اعلنت وزارة الداخلية العراقية فتح سجلات واضبارات خاصة لبائعي الملابس والتجهيزات العسكرية والأمنية في مديرية الاستخبارات العسكرية، بغية معرفة المصادر والجهات التي تنتج وتستهلك هذه البضائع. فالعمليات الانتحارية وأعمال التفجيرات ما كانت لتحدث لولا عمليات التمويه التي تقوم بها الجماعات المسلحة عبر انتحالها صفات الشرطة والجيش ورجال الأمن.
ففي مطلع الاسبوع الحالي، ارتدى مسلحون مجهولون زي الشرطة وقاموا بسرقة وسليب رواتب منتسبي كلية طب الموصل تحت نفق الجسر الخامس، في منطقة باب سنجار غربي الموصل، والبالغة 873 مليون دينار عراقي. وبحسب العقيد في الشرطة احمد الخزرجي في بغداد، ما زالت الجماعات المسلحة تستخدم هذه الطريق للنفاذ إلى الاماكن الحساسة.

مسلحون ببزات رسمية
وفي الغالب، يقوم افراد تلك الجماعات بارتداء البدلات الرسمية ويحملون "باجات" الوزارات والمؤسسات الامنية باعتبارهم منتسبين لها، للتغلغل داخل المؤسسات والقيام بأعمال التفجير. وإذا كانت هذه الظاهرة قد خفّت وتيرتها بحسب الخزرجي، إلا انها ما زالت موجودة، وتتركز بصورة خاصة في الوقت الحاضر في الطرق الخارجية، حيث تقوم تلك الجماعات مرتدية ملابس الشرطة والجيش بنصب السيطرات الوهمية والقيام بأعمال القتل والسلب. وفي اتصال مع المتحدث الرسمي باسم الوزارة العميد سعد معن، قال إن الوزارة سمحت في الوقت الحاضر ببيع التجهيزات العسكرية بعد تنظيم عملها، مؤكدًا أن استخدام الإرهابيين للتجهيزات العسكرية في الوقت الحاضر نادر جدًا.
ويقول ابو سعد، خيّاط بدلات عسكرية وبائع رتب ومستلزمات عسكرية أخرى، أن جعل هذه التجارة عملية شرعية امر مهم، مؤكدًا أن الجهات الرقابية بدأت محاسبة المتاجر غير المرخصة. لكنه لا يرى أن هذه الخطوة ستقلل من خطر الارهاب، "فالجماعات المسلحة التي تستطيع الحصول على المتفجرات وتفخيخ السيارات، يمكنها بسهولة الحصول على التجهيزات العسكرية". ويؤكد ابو سعد انه لم يبع يومًا أية تجهيزات لجماعات غير رسمية.

من مخازن رسمية
في الوقت نفسه، يرى أبو سعد أن حصول المجموعات الارهابية على هذه التجهيزات لا يتم من المتاجر بقدر ما يتم من مخازن الجهات الامنية نفسها، بسبب الفساد المستشري بين افراد القوات الامنية. ويوضح: "عَرَضَ عليّ منتسب للشرطة نحو أربعين بدلة شرطة رسمية للبيع بمبلغ مناسب، لكني رفضت ذلك لانه عمل يعاقب عليه القانون".
لكن في مناطق مثل سوق هرج وسوق مريدي في بغداد، والأسواق الشعبية الاخرى، فإن بيع السلع والبضائع المسروقة او الممنوعة من دون معرفة مصادرها امر يحدث يوميًا.
وفي سوق هرج الحلة، يستطيع شخص سمّى نفسه ابو نوال أن يوفر لك عشرين بدلة جيش ورُتَب خلال يومين، بشرط أن تدفع له نصف المبلغ، مع ضمان ارجاعه في حالة لم تتم الصفقة. وتتراوح اسعار البدلات العسكرية بين خمسين إلى ثلاثمائة دولار، بحسب نوعيتها. كما تُباع أيضًا إلى الآن بدلات عسكرية أميركية، وأزياء الجيش العراقي السابق قبل العام 2003. وبالرغم من صعوبة الدخول في التفاصيل مع ابو نوال، إلا أن محاولة توجيه اسئلة له تجعلك تحصل على بعض الاجوبة.

ورش سرية
يعترف أبو نوال أنه وسيط لتاجر يتعامل مع مسؤولي مخازن عسكرية، يؤمنون له التجهيزات العسكرية بأسعار مناسبة. لكن التجول في هذه الاسواق يجعلك تجد الكثير من السلع العسكرية والتجهيزات بأسعار مناسبة أيضًا، بلا وساطة أبو نوال.
ويرى أبو علي، الذي يبيع التجهيزات العسكرية، أن هذه التجارة اصبح ذات حساسية امنية عالية منذ العام 2003، مؤكدًا انه يرفض أن يبيع البدلات العسكرية الا بعد التحقق من هوية الشاري.
كما يؤكد ابو علي أن هناك من يبيعها لأي كان، غير عابئ بمخاطرها، وانه من المحتمل أن يكون قد ساهم في قتل الناس.
لكنه يقول إن الجماعات المسلحة تعتمد على خياطين من اصحاب الاختصاص، يعملون بصورة سرية وفي اماكن يصعب اكتشافها، كالبيوت مثلًا. وبحسب ابو علي، شهد العام 2011 إلقاء القبض على شخص يؤمن البدلات العسكرية والتجهيزات الامنية عن طريق تصنيعها في ورش سرية.

تزوير ممتاز
تعتمد السيطرات المسلحة الوهمية على اسلوب انتحال صفة الاجهزة الامنية بزيها واسلحتها، لتقوم بخطف وقتل المواطنين. والجانب الاخطر في الموضوع، بحسب ضابط الشرطة عصام كامل، هو تزوير الهويات العسكرية بيد مزورين من أصحاب الاختصاص، مصنّعة بتقنيات عالية. ويتابع: "لهذا السبب، سعت السلطات إلى تغيير الباجات وفق احدث التقنيات، للحد من هذه الظاهرة، الا أن ذلك لم يمنع بشكل نهائي من عمليات انتحال الصفات بسبب الفساد الاداري ايضًا". وفي سوق مريدي في مدينة الصدر ببغداد، يمكنك حيازة كافة المؤهلات القانونية المزورة من بدلة ورتبة وهوية بالغة الدقة، لتصبح ضابطًا او منتسبًا إلى القوات الامنية.

تحت تهديد السلاح
يؤكد بائع التجهيزات العسكرية محمد الهيتي في الباب الشرقي ببغداد أن مضايقات الجماعات المسلحة لم تعد موجودة في الوقت الحاضر، مؤكدًا انه اضطر تحت تهديد الجماعات المسلحة إلى بيع الكثير من الرتب العسكرية والبدلات. لكنه يؤكد أن اكتشاف السوق السوداء يجعلك تعرف أن الكثير من المعدات العسكرية وأدوات القتل متوافرة، شرط أن تعرف كيف تنفذ إلى هذه السوق. ويتابع: "حتى جهاز كشف المتفجرات يباع في هذ الاسواق، ناهيك عن المسدسات والبنادق وأدوات التفجير، اضافة إلى الدروع الواقية للرصاص والخوذات العسكرية والرتب الاصلية، وقد توسعت تجارتي في البيع والخياطة، وافتتحت عدة متاجر في بغداد". ويهيب الهيتي الذي يعمل في هذه المهنة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي بزملاءه في العمل، الحفاظ على شرف المهنة والانتباه إلى الاشخاص الذي يتم التعامل معهم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1040 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع