بعد سقوط فتاة من أرجوحة حكومية ..عشيرتهــا تغــرّم الحـدّاد عشــرة ملاييــن دينــار

  

             عدد من شيوخ العشائر في احدى المناسبات

المدى/بغداد/ عامر صلال:هناك مجموعة من القوانين، يسنها ويتفق عليها عقلاء القبيلة أو العشيرة، بحكم الأعراف السائدة لديهم، لتكون نظاما ينظم الأفراد في مجتمعهم القبلي، تسمى بـ(السانية او السنينة) تحفظ لدى رئيس العشيرة والمسمى بالشيخ العام، ويسانده مجموعة من المستشارين يكونون بقربه .

ولكل قبيلة فروع تسمى الأفخاذ وهم جزء من العشيرة يسكنون في منطقة أخرى غير التي يسكنها الشيخ العام غالبا،  ولهم رؤساء يسمونهم بشيوخ الأفخاذ ومفردها (شيخ فخذ)، وهؤلاء يرجعون لشيخ العشيرة العام في حالة حدوث خلاف أو مشكلة فيما بينهم أو بينهم وبين العشائر الأخرى.

وكلهم يتبعون السانية (السنينة) التي سنها لهم آباؤهم وأجدادهم، لتنظم لهم أمورهم الحياتية والاجتماعية داخل العشيرة،  من حيث تحديد الدية أي (الحشم أو الفصل) كقيمة مادية أو معنوية نتيجة ضرر ما، يقوم بدفعها الجاني أو أهله إلى المجني عليه أو أهله.
وهناك اتفاق آخر يجرى بين قبيلتين، يسن بالاتفاق بينهما يكون قانونا معمولا به، ليحفظ الصلح بين المتخاصمين من العشيرتين، ويحقن الدماء، ويحفظ لهم حقوقهم، وعدم الاعتداء عليهم.

حالات سلبية وحكايات أقرب للخرافة
"يروي المواطن حامد علي 37 عاما انه اتصل بأحد أقاربه ويعمل سائق تكسي في سيارته نوع (سايبا) ، ولما سأله على الهاتف (أين أنت الآن ؟) أجابه صاحب التكسي (وين يعني أفتر بهل سايبه). وقد كانت في سيارة الأجرة امرأة يقوم هذا السائق بتوصيلها سمعت هذا الحديث فظنت أنها المقصودة بكلمة (سايبه)، فعند وصولها إلى البيت طلبت من السائق الانتظار بحجة أنها ستأتي بالأجرة من المنزل، ثم دعت أولادها وزوجها الذين انهالوا على الرجل بالضرب المبرح ومن ثم اجبروه على دفع فصل قدره 30 مليون دينار.
فيما يقول أبو علي وعمره 50 عاما انه ذهب برفقة مجموعة من أقاربه إلى احد مجالس العزاء وفيهم شخص كبير السن، وعند تناول العشاء قام صاحب العزاء بتقطيع اللحم ووضعه أمام الرجل المسن، والذي بدوره عد هذا الفعل إهانة له وقال لصاحب العزاء لماذا عملت هكذا.. هل تشبهني بالكلب لترمي اللحم أمامي..!! فزعل وخرج من مجلس العزاء وقام بتهديد أصحاب العزاء وفرض عليهم فصلا عشائريا قدره 22 مليون دينار..!.


فصل الأرجوحة
أما 'أبو أسيل' الحداد فتبدو قصته غريبة نوعا ما اذ يقول ان فتاة شابة ركبت أرجوحة مخصصة للأطفال في متنزه حكومي وبسبب عدم تحمل مقعد الأرجوحة لجسم الفتاة هطل المقعد وسقطت الفتاة وتسبب ذلك بكسر مرفق يدها.. وأوضح إن الغريب في الأمر بعد ان علم ذوو الفتاة ان المتنزه حكومي ولا يمكنهم محاسبة احد قاموا بالبحث عن الحداد الذي لحمَ هذه الأرجوحة حتى أوصلتهم الناس إليه... ويضيف أبو أسيل انه فوجئ في احد الإيام بطرق باب بيته مجموعة من الرجال الذين يرتدون الزي العربي طلبوا منه أخذ العطوة منهم وإلا قاموا بما يعرف بـ'دك بيته' أي رمي إطلاقات نارية أمام منزله، مشيرا انه بعد معاناة طويلة خضع للأمر الواقع واضطر لدفع مبلغ من المال قدره 10 ملايين دينار..".
تقطيع اللحم للضيف
امر محمود
ويقول الوجيه أبو علي الميالي " إن الفصل العشائري يختلف من عشيرة إلى أخرى، وهو وسيلة ردع لعدم التعدي على الآخرين، وما يتطرق من قصص ظالمة غير عادلة مثل قصة ابو علي وتقطيع اللحم أمام الضيف،  بالعكس هذه حالة محمودة في العرف العشائري، تدل على كرم المضيف والاهتمام بضيفه، وهي في عرفنا العشائري محمودة غير مذمومة وأنا أجد الأمر هذا إن صح ظلما وعدوانا، ولا يجوز الإتيان به، وأي عاقل تحدثه بهذا الأمر لقال مثل قولي، وليس كل ما يطرق أسماعنا في الآونة الأخيرة صحيحا، أما بخصوص (الفصلية) أي المرأة التي تفرض كفصل، فقد انتهت منذ مدة طويلة، نعم كانت موجودة في الخمسينات والستينات، لكنها انقرضت شيئا فشيئا وان وجدت فبصورة نادرة جدا، وبخصوص (الفرشة) وهي مبلغ مالي يقدم من قبل (المشاية) في (العطوة) إلى المعتدى عليه أو أهله، ويكون جزءا من الفصل العشائري إن اتفق الطرفان، وهو بمثابة مصاريف خدمة للمقبلين لعقد الصلح (المشاية) وتكون قيمته على درجة الاعتداء، ويستقطع لاحقا من قيمة الفصل الذي تتفق عليه العشيرتان.

العشيرة القوية
يكون فصلها كبيرا
ويقول الإعلامي باسم الشرع " إن قضية الفصل العشائري الجائر متجذرة في المجتمع العراقي وتحتاج إلى وقت طويل لحلها خصوصا إن الدولة العراقية بعد ضعفها في تسعينات القرن الماضي، واستمرار الضعف بعد سقوط صدام، أعطت حرية واسعة للأعراف العشائرية بسبب ضعف الدولة وسلطة القانون،  لكن الفارق الوحيد الآن، إن أسعار الفصول العشائرية تغيرت، مع القفزة الاقتصادية في البلاد، فمثلا (العطوة) وهي المدة التي تطلبها عشيرة المعتدي من عشيرة المعتدى عليه،  كانت في اغلب الأحيان مجانا أما الآن فتصل في بعض القضايا إلى 4000  دولار كـ(فرشة)، إذا كانت قضية قتل كبرى، وتصل أسعار بعض الفصول من 20 إلى 30 مليون دينار، وخصوصا تلك المتعلقة بالإرهاب، وتختلف أيضا الفصول بقوة العشيرة فالعشيرة القوية، يكون فصلها أكثر وأكبر من غير القوية، وهكذا حتى الأعراف التي كانت تنص بتخفيض قيمة الفصل المفروض  بوجود السيد ووجهاء العشائر الأخرى، للتخفيف من المبالغ المفروضة من قبل عشيرة المعتدى عليه، الآن بدأت في كثير من العشائر لا تنفع".


ضعف الدولة وغياب القانون
وذكر الباحث العراقي حميد الهاشمي في بحثه الموسوم عجلة المدنية وعصا العشائرية
كما هو معروف حينما تغيب الدولة ويضعف القانون تبرز إلى السطح العديد من القيم العشائرية السلبية لتؤكد نفوذها ووجاهتها وتعزز مكاسبها المادية التي لا تحصل عليها في ظل الظروف الطبيعية. "فتسلك سلوك عصابة وأشخاص خارجين عن القانون" يحملون سلاحاً غير مرخّص وينفذون تهديداتهم الهمجية التي طالت مجالات عديدة في الدولة من بينها الصحة والرياضة والحدود ومرافق أخر.
وأشار الباحث إلى أن أحد المواطنين أُصيب بطلق ناري، ثم نقل إلى مستشفى "ابن النفيس"، لكنه فارق الحياة لأسباب تتعلق بطبيعة الإصابة القاتلة، وتأخر وصوله إلى المستشفى، الأمر الذي دفع بذويه والمرافقين له إلى الاعتداء على الطبيب حيث أوسعوه ضرباً، وأجبروه في خاتمة المطاف على دفع "ديّة قتل" المصاب وكأنه هو الجاني وليس الطبيب المُسعف.


نادي الطلبة والشيوخ
ساق الباحث في معرض حديثه عن التدخلات العشائرية الصارخة مثالاً آخر في الرياضة هذه المرة، إذ لجأ عدد من لاعبي نادي الطلبة إلى عشائرهم لأنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم المادية المتأخرة، الأمر الذي دفع بعض شيوخ العشائر أن يمهلوا النادي المذكور مدة أسبوع واحد بغية إنهاء هذه القضية، وبخلافها فإن عشائرهم ستتبع طرقاً أخرى "لم يُكشَف عنها" لاستيفاء حقوق أبنائهم الرياضيين.
أما المثال الثالث فإنه يتعلق بلصٍ حاول سرقة أحد المنازل في الناصرية، لكنه لم يفلح في مهمته لأن صاحب المنزل اكتشفه وطارده خارج المنزل، وكانت النتيجة المُفجعة هي موت السارق، ليس على يد مطارِده، وإنما دهسه القطار الذي كان يمرّ بالمدينة في ذلك الوقت. و برأ القانون صاحب المنزل لأنه كان يدافع عن نفسه وماله، كما برأه الشرع الإسلامي الذي يبيح للمسلم القتال دفاعاً عن ماله وعرضه وبيته، لكن القيم العشائرية السلبية ضربت القانون المدني والشرع الإسلامي عرض الحائط وألزمت صاحب الدار بدفع ديّة قيمتها "20" مليون دينار عن سارق فارق الحياة بسبب قطار مملوك للدولة، وليس لصاحب الدار، عاثر الحظ الذي لامَ نفسه كثيراً لأنه لم يترك هذا اللص يسرق ما قيمته عشر أعشار هذه الملايين التي دفعها.
يشير المثال الرابع إلى سقوط هيبة الدولة في أعين بعض القبائل العراقية، إذ نُقل لوكالة إعلامية عن أحد وجهاء عشيرة (ألبو درّاج) "بأن قبيلته ستلجأ إلى خيار اقتحام منطقة العبدلي الكويتية الحدودية إذا لم تُسفر الطرق الدبلوماسية عن نتائج قادرة على وقف تجاوزات الكويت"، وهذا مؤشر خطير على تمادي القيم العشائرية السلبية في أوقات غياب الدولة أو ضعفها.

العناصر المساهمة
في خلق الفوضى
ويضيف الباحث قائلا" هناك ثلاثة عناصر تساعد على هذه الفوضى من التسيير الاجتماعي،
أولا: ضعف القانون وفساده، بحيث يفسح المجال لعوامل الضبط الأخرى بجوانبها السلبية أن تحل محله.
ثانيا: قلة نصيب الفرد من التعليم أو ضعفه، التي تجعل الفرد ضعيفا ومنقادا.
ثالثا: ضعف مؤسسات المجتمع المدني، التي يغيب دورها لتفسح المجال لمثل هذه المؤسسات الاجتماعية الفطرية البدائية  التي تخلق هذا الارتباك في المجتمع.
أن غياب القانون أو ضعفه أو فساده سوف يجعل الفرد يلجأ إلى مؤسسات بديلة تحميه أو على الأقل يخضع لها مجبرا، وهذا يشابه سلوك العصابات والمليشيات المسلحة التي تظهر في نفس الظروف، وتظهر قوة القيم العشائرية نتيجة درجة قوة التعارف والعلاقات الأولية بين أفرادها والرابطة القرابية الجاذبة.
نحتاج لوقفة..
لا تخلو القوانين العشائرية من عرف صحيح، يسهم في إحقاق الحق، والضرب على يد الظالم، كما لا تخلو من عرف غير صحيح، وهناك أعراف قديمة تحتاج إلى تجديد، لمراعاة ظروف المنطقة والتطور الاجتماعي الحاصل فيها، فالعشيرة في القرى والأرياف ليست كمثل العشيرة في البادية،  وهاتان العشيرتان ليستا كمثل التي تسكن المدينة، فكل منها لها ظروف وأجواء مختلفة، فالذي يسود المجتمع المدني هو العلم والثقافة، والمدينة هي التي تمثل حضارة البلد، وكلما تطورت المدنية في البلد كلما دل على تقدمه الحضاري، فثقافة المجتمع الحضري تفوق ثقافة المجتمعين الريفي والبدوي، ولا يمكن أن يسود المدينة قانون الريف أو قانون البداوة، بل يجب أن يسود قانون المدينة هذين المجتمعين.     
نحتاج لوقفة بقوانيننا العشائرية، لصياغتها صياغة حضارية توافق القانون المدني، وتتماشى مع ما وصلت إليه المجتمعات من تطور ورقي، فليس من المعقول أن تبقى قوانين سنها الأجداد، في زمان ومكان أصبح غير زمانهم ومكانهم، كما ليس من المعقول أن يسود قانون عشيرة ما، على مجتمع متعدد العشائر والطوائف والمعتقدات، فلابد لنا من دعم القانون المدني، وجعله نهجا نتبعه، وظلا نعود أليه في حالة اختلافنا أو تخاصمنا.


ضرورة القانون المدني
توجد في العراق ثلاثة قوانين،  قانون العشائرية، وقانون الدينية، وقانون المدنية، فلو اتبعنا قانون العشائرية، لأصبحنا عشائر متصارعة متحاربة، قوينا يغلب ضعيفنا، وعدنا إلى ما كنا عليه قبل آلاف السنين ، من شتات وفرقة، ونضعف فيطمع فينا كل طامع ونصبح لقمة سهلة له، ولو اتبعنا قانون الدينية، لاختلفنا وتحاربنا وقطعت أوصال مجتمعنا إلى قطع متناثرة، واستعرت فينا نار الطائفية المقيتة، ولا يبقي احدنا على الآخر، فلا سبيل أمامنا إلا قانون المدنية الذي يعطي لكل فرد في المجتمع حصة في المواطنة، بوصفه مواطنا له حقوق وعليه واجبات، بغض النظر عن عشيرته أو طائفته، بغض النظر عن سكناه إن كان حضريا أو قرويا أو بدويا،  له ما للكل وعليه ما على الكل، قانون يكفل وحدة العراق أرضا وشعبا.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع