سحب الاستثناء ورقة واشنطن لفصل العراق عن إيران

          

تدرس الولايات المتحدة مسألة إنهاء استثناء العراق نهائيا من العقوبات المتعلقة بالتعامل مع إيران، ما يعني وقف بغداد استيراد الغاز والكهرباء من طهران أو مواجهة احتمال التعرّض لعقوبات أميركية، ما قد يزيد الأوضاع الاقتصادية سوءا. وتتمتّع إيران بنفوذ سياسي وعسكري كبيرين في العراق، لكن الولايات المتحدة تمسك بورقة الاقتصاد.

العرب/بغداد - بدأت الولايات المتحدة الضغط على العراق من بوابة اقتصاده الهش بهدف وضع حد لتقاربه مع إيران، عبر تقليص فترة الاستثناء من العقوبات المرتبطة بالتعامل مع الجمهورية الإسلامية وتأخير السماح بإرسال دفعات نقدية حيوية.

وكانت الولايات المتحدة قرّرت في اللحظة الأخيرة هذا الأسبوع السماح للعراق بمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من إيران. لكن يبدو أنّ صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد أخيرا، إذ أنّ مدة الإعفاء تقلّصت من 90 و120، إلى 45 يوما فقط.

وقال الباحث في معهد الدراسات الإقليمية والدولية في السليمانية شمال العراق أحمد طبقجلي “هذه بداية الموت بألف طعنة”. وأضاف “كلّما تقلّصت مدة الاستثناء، أصبحنا أقل قدرة على تحمل نتيجة أي خطأ نرتكبه”.

ويقف العراق عند مفترق طرق؛ فرئيس وزرائه المكلف محمد علاوي يواجه صعوبات في تشكيل حكومة جديدة، بينما تتواصل التظاهرات المناهضة للسلطة في عدة مدن، وسط صراع أميركي إيراني تحوّل إلى مواجهة دامية على أرض العراق الشهر الماضي.

ويقوم المصرف المركزي العراقي شهريا بنقل ما بين مليار وملياري دولار نقدا من حسابه في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، حيث تتدفّق إيراداته من النفط، لتسديد ثمن معاملات رسمية وتجارية.

ولكن الدفعة التي كان من المفترض أن تصل في منتصف يناير الماضي، تأخّرت لأسبوعين بحسب مسؤول عراقي ومصدر في قطاع النفط، مشيرين إلى وجود “أسباب سياسية” وراء قرار البيت الأبيض تأخير السماح بخروج الأموال.

وكانت هذه أول إشارة إلى أن واشنطن قد تنفّذ تهديدا أصدرته في يناير بشأن منع وصول العراقيين إلى أموالهم في حال طردت بغداد القوات الأميركية المتمركزة في العراق والتي يبلغ قوامها نحو 5200 جندي.

وجاء ذلك بعدما صوّت البرلمان العراقي على إنهاء وجود القوات الأجنبية بسبب السخط على غارة أميركية أودت بحياة قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني ورئيس هيئة الحشد الشعبي التي تضم فصائل شيعية عراقية أبومهدي المهندس، قرب مطار بغداد.

وبحثت واشنطن على مدى أشهر مسألة حظر الأموال للضغط على العراق، وفقا لدبلوماسي أميركي كان وصف هذه الخطوة العام الماضي بـ”الخيار النووي”.

وبينما وصلت دفعة شهر فبراير في موعدها، يتوقع مسؤولون عراقيون أن تبدأ الولايات المتحدة تحديد حجم الأموال التي يمكن للعراق سحبها.

وحرمان العراق من الأموال قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وخصوصا أنّ اقتصاده يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط المدفوعة بالدولار.

وفي حال انتهت مدة الاستثناء من العقوبات المتعلّقة بالتعامل مع إيران دون أن يتم تجديدها، فذلك يعني أنّه سيتوجب على العراق وقف استيراد الغاز والكهرباء من طهران، أو الاستمرار في التعامل مع إيران ومواجهة احتمال التعرّض لعقوبات أميركية.

ويعاني العراق من عجز في الكهرباء، ما يؤدي إلى انقطاعها على فترات متفاوتة قد تصل إلى 20 ساعة في بعض مناطقه.

وربطت واشنطن الضغوط بمسائل أخرى من بينها نحو 20 هجوما صاروخيا تعرّضت له السفارة الأميركية في بغداد وقواعد تضم قوات أميركية في العراق منذ أكتوبر الماضي.

وذكر مسؤول عراقي أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “صرخ” في وجه رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي خلال مكالمة هاتفية الشهر الماضي. وأوضح المسؤول “قال له أن ينسى مسألة تجديد الاستثناء في حال تواصلت الهجمات”.

وفي مؤشر إضافي على تراجع العلاقات بين واشنطن وبغداد، لم يلتق بومبيو وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم على هامش مؤتمر ميونخ للأمن الجمعة والسبت، لكنه في المقابل اجتمع برئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، الذي التقى كذلك وزيري الطاقة والدفاع الأميركيين.

وتستاء الولايات المتحدة أيضا من التباطؤ العراقي في توقيع عقود مع شركات أميركية كبرى متخصّصة في قطاع الطاقة، بهدف تسريع فك الارتباط بإيران في هذا المجال.

وقبل أسابيع من انتهاء فترة الاستثناء الأخيرة، أفاد مسؤول أميركي بأنّ العراقيين “رفضوا باستمرار الاتفاقات مع جنرال إلكتريك واكسون”.

واعتبر أنّ المسؤولين العراقيين “يختارون أن يعتمدوا على الإيرانيين، مانحين طهران موقعا مؤثرا في اقتصادهم وبنيتهم التحتية”.

وإيران، التي لطالما عملت على الحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ثاني أكبر الدول المصدّرة للعراق. إلا أن الولايات المتحدة تتفوق عليها من ناحية الاستثمارات المباشرة، وخصوصا في قطاع النفط الحيوي وبنيته التحتية.

وتتحدّث مصادر في بغداد وواشنطن عن انقسام في السياسة الأميركية، حيث يبدو البيت الأبيض مؤيدا لاستراتيجية زيادة الضغوط على العراق، بينما يفضّل الآخرون اعتماد المرونة.

وذكرت المصادر أنّ الصقور في الإدارة الأميركية أصبحوا في مواقع “مهيمنة”، بينما قال مسؤول عراقي إنّ هؤلاء باتوا يستخدمون المعاملات المالية “للتنمر” في علاقتهم بالعراقيين.وقال وزير الكهرباء العراقي في الحكومة المستقيلة لؤي الخطيب إن على واشنطن ألا “تحشر العراق في الزاوية”. لكنّه أعرب في الوقت ذاته عن ثقته في أنّ الولايات المتحدة لن تقوم “بتفخيخ” الاستثناء من العقوبات “بهدف تقويض الخدمات العامة”.

وذكر الخطيب أنّ هناك تقدما في مجال البحث عن مصادر أخرى، مشيرا إلى توقيع اتفاقيات مع الأردن ودول خليجية لدعم شبكة الكهرباء، وإلى احتمال شراء الغاز من شركات عاملة في إقليم كردستان الذي يتمتّع بحكم ذاتي.

وكانت الحكومة العراقية منحت الضوء الأخضر لتوقيع ستة عقود لتطوير حقول غاز عراقية قبل ثلاثة أسابيع من انتهاء فترة الاستثناء الأخيرة.

وبحسب سياسيين فإنّ “الإعلان جاء ردا على الضغوط الأميركية”، غير أنّ الولايات المتّحدة قد تجد نفسها غير قادرة على التلويح بأكثر من “تهديدات اقتصادية”، حسب رأي الباحث في معهد السلام بالولايات المتحدة رمزي مارديني.

وأوضح مارديني قائلا “قد تساعد هذه المقاربة على حماية المصالح الأميركية، لكن العلاقة الثنائية في مجملها ستبقى رهن انعدام الثقة والعداء”.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1307 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع