أغنى وأكبر متسوّل في العراق يروي حكايته على فراش الموت

         

المدى/بغداد/ غفران الحداد
"الأيام الوحيدة التي لم أحصل فيها على النقود من جراء التسول كانت في   يوم مقتل الباشا نوري سعيد  وبعدها أيام حرب الخليج الأولى عام 1991 وأخيرا الأيام الأولى التي احتل فيها الأمريكان العراق عام 2003.في هذه المرات الثلاث لم أستطع  أن طلب المال من الناس لأنهم منشغلون بأحداث ومصائب كبيرة " .

هكذا تحدث المواطن الذي سأختصر اسمه بحرف  "ج"  لأن عائلته رفضت ذكر اسمه الكامل ،كما رفضت تصويره ، المواطن " ج " يعد أكبر وأغنى متسول في العراق ويبلغ هذه الأيام  الرابعة والتسعين  من العمر، ويسكن شمال بغداد مع أولاده الأربعة.

 يتحدث بصوت متعب " مارست التسول منذ أن كان عمري ثماني سنوات وإلى اليوم،  جنيت منه ثروة متكونة من قطعة أرض زراعية في منطقة النباعي وثلاث في مناطق الطارمية والشعب والكاظمية إلى جانب سيارة نوع "مارسيدس" رصاصية اللون. وأضاف (ج) "لا أحب كثيرا الاختلاط بالناس مع أنني أتمتع

بذاكرة قويه وعقلية  سليمة .في صيف 1982 مر موكب مهيب في منطقة الحرية الأولى وتوقفت إحدى السيارات أمامه

ولم يكمل ترديد عبارته التي لازمته على مدى حياته "المال مال الله انطيني منه صدقة بجاه الله  "حتى ترجل منها رجل لم تكن ملامحه غريبة عنه.

 لقد كان أحد مسؤولي النظام السابق الذي وضع في إنائه البلاستيكي أكبر مبلغ حصل عليه في حياته من مسؤول دفعةً واحدة ،كان  ورقة نقدية فئة عشرة دنانير   

وغادر المكان ويضيف ابن المتسول"إن والده حصل على عمل من  المسؤول

 ،إذ عمل فلاحاً في إحدى مزارعه  رتب

(17 )دينارا,وهو مبلغ جيد في ذلك الوقت

إلا أنّ والده لا يعرف طعم حياته بدون التسول وترك العمل بعد يومين وعاد إلى التسول. وأشار إلى أن والده يملك اليوم كل الفئات النقدية العراقية منذ قبل تأسيس الدولة العراقية والى اليوم ويحتفظ بكل الخرق التي لبسها في حياته ويتمنى  أن تؤرخ حياة والده في مسلسل تلفزيوني لولا أنها تمثل إساءة لسمعته وسمعة إخوته ومنطقته وعشيرته ويكفي أنه أساء لسمعته في الكبر وأمام أهل زوجته وأقرانه .

ويكمل :أن والده حصل حصل على عمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قبل عقود ،إلاّ أنه لا يكف عن التسول وأنه استثمر أمواله التي حصل عليها من التسول ،وأضاف أنه أرغمنا على التسوّل في الطفولة والصبا . وعن السبب الحقيقي لتسول والده  وهو في عمر الثماني سنوات " قال  :

كانت عائلة جدي على شفا الهاوية، ينتظرهم مصير مظلم مجهول، ويتربص بهم الفقر ،وكان جدي   عامل بناء في منطقة الفضل التي عاش فيها والده طفولته ،وعلى مدى أربعة أيام متتالية لم يحصل على عمل

وملّ من وجبة (التشريب ،ومحروك إصبعه ,المنقعة من الخبز اليابس(

 ومد يده لأحد المارة  يسأله مالاً فأعطاه "عانة "وهيّ القطعة النقدية الموجودة في ذلك الوقت .ومن هنا بدأت رحلة التسول.

وهناك حكاية طريفة فعلها"ج" في شارع الرشيد ،ففي رمضان من عام 1987 حين كان يتسول  التقاه أحد الشباب الذي يسكن هناك و الذي كان يشفق عليه ويعطيه المال والطعام بشكل يومي ،حيث  كان الشباب يلعبون لعبة المحيبس بعد الإفطار  فأعطاه مالا ليشتري لهم أربعة أطباق من الزلابية لكنه أخذ النقود وهرب !

و لدى "ج" الكثير من الاحداث والأسرار والخفايا التي يرفض البوح بها والخوض في تفاصيلها خوفاً على حياة وسمعة العائلة ،لعل أهمها أن والده عمل جاسوساً لصالح احد الرؤساء الذين حكموا العراق .

واليوم"ج" ترك عصاه التي  كان يتكئ عليها ليتسول على مدى عقود ،فهو يصارع الموت إثر أصابته بجلطة دماغية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع