أسوشييتدبرس: تلوّث الماء يهدِّد طقوس ١٠ آلاف مندائي لم يغادروا العراق

        

المدى/ترجمة: حامد أحمد:صباح كل يوم أحد في العراق وعلى امتداد ضفاف مياه نهر دجلة المحاذية لمعبد الطائفية المندائية يقوم أتباع هذه الديانة وضمن طقوس خاصة بهم بالغطس والاستحمام في هذه المياه من أجل غسل وتنقية أرواحهم، بحسب معتقدهم .

وعلى النقيض من الازمنة السابقة، فإن النهر العريق الذي يمر عبر العاصمة بغداد أصبح الآن ملوثا بمياه صرف صحي غير معالجة وأسماك نافقة يدفعها تيار الماء سريعا وهي تطفو على سطحه .
وقال رئيس طائفة المندائيين في العراق الشيخ ستار جبار، في حديث للاسوشييتدبرس: "الأمر محزن جداً. كتبنا الدينية تحذّرنا من عدم تدنيس المياه. فهناك ملائكة تراقب ذلك فوقنا ."
درجات التلوث العالية لمياه العراق تهدّد الشعائر الدينية لأحد طوائفه الدينية القديمة المتمثلة بالصابئة المندائيين الذين تعرضوا أصلا لمعاناة وخراب على مدى 15 عاماً من الحروب والعنف الطائفي الذي طال أقليات عرقية أخرى في البلد .
الصابئة المندائية هم أتباع النبي يحيى بن زكريا وأن أغلب طقوس وشعائر عقيدتهم يتم أداؤها في المياه الجارية في الأنهر .
عند الضفة الشرقية من نهر دجلة يقف الشيخ جبار وهو يتابع قيام رجل دين مساعد بمباركة حشد من المصلين في النهر ثم يقوم بمسحهم بزيت مقدس مع إعطائهم قرباناً مقدساً من قطعة خبز وماء على أرض يابسة .النساء بملابسهنّ الفضفاضة البيضاء التي تلف كل أنحاء الجسم مع غطاء رأس أبيض أول من يدخل النهر لممارسة الشعائر حيث يتلقين مباركاتهنّ عبر تراتيل مندائية بلكنة اللغة الآرامية. ومن ثم تعاد هذه المراسيم مرة اخرى للرجال .
الطفل يوحنا البالغ من العمر سنة واحدة فقط يجلبه أبوه بعد انتهاء المراسيم الى النهر لتلقي "تعميده" الاول حيث يقوم أبوه بتغطيسه في الماء ثلاث مرات .
يقول رئيس الطائفة الشيخ ستارجبار "عندما يرتكب مندائي خطيئة أو انه يريد التخفيف من أعباء الحياة فإنه يأتي الى رجل دين لأداء شعائره الدينية حيث يتوجب عليه تغطيس نفسه ثلاث مرات في المياه الجارية"، مشيرا الى أن "عملية التعميد الصحيحة للرجل المؤمن تتم فقط عند المياه الجارية النظيفة النقية التي يجب ان تكون صالحة للاستهلاك البشري .
حتى عام 2003 كان أغلب الصابئة المندائيين في العالم تقريبا يعيشون في العراق ولكن دوامات الصراع والعنف الطائفي التي أعقبت الغزو الاميركي دفعت بأتباع الاقليات الدينية الى مغادرة البلد لأسباب أمنية وللحصول على فرص عمل في الخارج . وحتى فترة أخيرة تحديدا تحت حكم تنظيم داعش الذي استمر لثلاث سنوات في مناطق سهل نينوى وجبل سنجار شمال العراق، قام مسلحو التنظيم بنسف أديرة وكنائس المسيحيين وبقية الطوائف الاخرى بالديناميت وأجبروا المسيحيين على دفع الجزية او الموت، وكذلك قاموا بسبي واغتصاب النساء الإيزيديات وقتل رجالهم .
ويقدر الشيخ جبار عدد الصابئة المندائيين الذين بقوا في العراق الآن بحدود 10 آلاف شخص وهو جزء ضئيل مما كانوا عليه سابقا. أعداد المندائيين تنكشف بسهولة إزاء الأعداد الكلية للمهاجرين وذلك لأن المندائيين محافظون على مكونهم يحرّمون اعتناق دين آخر ويقولون بأن المندائي المؤمن يجب ان يولد من أبوين مندائيين .
الحروب التي دفعت بكثير من المندائيين الى مغادرة البلاد قد فاقمت أيضا أزمة مياه بدأت بوادرها منذ عهد صدام حسين وسياسته في تجفيف الاهوار.
وجاء في تقرير أعدته إحدى منظمات المجتمع المدني صدر هذا العام تحت عنوان، انقذوا نهر دجلة، بان مياه النهر تعتبر الآن خليطاً من مواد صناعية كيمياوية ومياه صرف صحي غير معالجة ومياه بزل زراعية مسممة، مشيرا الى ان مناسيب المياه بدأت تنخفض ويرجع سبب ذلك لتغيرات مناخية وبناء سدود على منابع الانهر في تركيا وسوريا وإيران التي تشكل نسبة 70% من كمية المياه المتدفقة للعراق من هذه المنابيع .
في مدينة البصرة جنوب العراق، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات في منطقة القرنة، اندلعت تظاهرات هناك هذا الصيف في احتجاج على تلوث المياه وشحه. وقتل أكثر من 12 متظاهراً جرّاء مواجهات مع قوات حاولت قمع التظاهرات .
رغم ذلك فإن نهري بلاد الرافدين المذكورين في الكتب المندائية المقدسة لهما أهميتهما في تنفيذ شعائرهم الدينية .
المندائية، ابتسام كريم 45 عاما، تقبلت قربانا من رجل الدين واغترفت شربة ماء من نهر دجلة ثم قالت "إذا كنت مؤمنا بالله فان هذا الماء سيكون كالعسل".

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع