حزب العمال يخلط الأوراق: تشكيل إقليم آخر بجانب إقليم كردستان

           

وكالات الأنباء:ولّد إعلان “إقليم قنديل” على حدود اقليم كردستان من قبل حزب العمال الكردستاني سيناريوهات غير متوقعة للمنطقة، فالخطوة جاءت بمعزل عن القوانين النافذة في الإقليم والدستور العراقي، ولكن يتم التعامل معها كأمر واقع.

على الرغم من اعلان حزب العمال ان تجربة اعلان إقليم قنديل هي عبارة عن إدارة ذاتية لسكان المنطقة، إلا أن الاقليم المثلث الواقع بين العراق وإيران وتركيا ولد من رحم الأزمة الادارية والسياسية لإقليم كردستان واحد سيناريوهاته هو إظهار نموذج لطريقة حكم جديدة تختلف عن الطريقة الموجودة وقد تمت تجربتها في كردستان سوريا.

ثمانية كيلومترات فقط تفصل بين آخر نقطة تفتيش تابعة لسلطة حكومة اقليم كردستان في اقصى شمال العراق وبين نقطة تفتيش تابعة لحزب العمال الكردستاني في منطقة كورتك إذ يشعر المرء وكأنه يسافر من بلد الى بلد آخر مختلف على الرغم من انهما تابعتان لإقليم واحد حسب الحدود الجغرافية.

نقطة التفتيش تلك التي تقع في شمال شرق مدينة السليمانية هي اولى بوابات “اقليم قنديل” الذي اعلنه حزب العمال الكردستاني كمنطقة ادارة ذاتية الشهر الماضي.

وقد رسمت صورة كبيرة لعبد الله اوجلان زعيم حزب العمال المعتقل من الحجارة الملونة وراء نقطة التفتيش أسفل احد التلال، وهناك تبدأ ملامح إدارة مختلفة عن باقي مناطق اقليم كردستان تسيطر عليها افكار حزب العمال ويشبه نظام إدارتها نفس الادارة التي اسسها الحزب في كردستان سوريا على شكل كانتونات ويطالب بإقامتها في كردستان تركيا لحل القضية الكردية فيها.

واعلن الاقليم في الثالث والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) الماضي في خمس مناطق خاضعة لسيطرة حزب العمال تحت اسم “الإدارة الذاتية في قنديل” كما تم انتخاب مجلس لإدارته.

واصدر حزب العمال بيانا عند اعلان الاقليم جاء فيه “ان النظام الحاكم في اقليم كردستان الجنوبية اثر سلبا على حياة شعب قنديل”.

وتمتد مناطق اقليم قنديل في مساحة مثلث على الحدود بين تركيا وايران والعراق اتخذها حزب العمال منذ التسعينات من القرن الماضي معقلا رئيسا لنشاطاته السياسية والعسكرية، وقال مسؤول في حزب العمال فضل عدم نشر اسمه لـ”نقاش”: “تعادل مساحة اقليم قنديل مساحة لبنان تقريبا (10 آلاف كيلومتر مربع)”.

وقال آمانج رسول (27 سنة) وهو من اهالي قرية بوكريسكان في منطقة قنديل لـ”نقاش”: ان حزب العمال “يعاملنا معاملة طبيعية ويقوم بدوره في معالجة مشكلات القرى يوميا”.

وتتبع معظم مناطق اقليم قنديل ادارة محافظة السليمانية الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني ولديه مناطق تماس اقل مع ادارة محافظة اربيل التي يشكل الحزب الديمقراطي الكردستاني فيها الأغلبية، إلا ان الوحدات الإدارية التابعة لحكومة الإقليم لا تستطيع الوصول الى المنطقة.

تشكيل الاقليم اثار امتعاض الاتحاد الوطني الذي يسيطر على المنطقة على الرغم من تمتعه بعلاقات جيدة مع حزب العمال مقارنة بالحزب الديمقراطي.

واعرب محمد وتمان العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني عن قلقه من الخطوة التي قام بها حزب العمال لتشكيل إقليم قنديل وقال لـ”نقاش”: “لم يتم استشارتنا في الأمر، انهم لا يستمعون إلينا ويقومون بما يريدون سواء أرضينا ام لم نرض”.

أما الوحدات الادارية في المنطقة التي يقع الاقليم ضمن حدود سلطاتها فلديها ملاحظات على خطوة حزب العمال.

واعتبر هيوا قرني المشرف على ادارة رابرين (رانية) التي يقع الإقليم الجديد في حدودها، اعتبر الاقليم “غير قانوني” بالنسبة لحكومة الإقليم والحكومة العراقية.

قرني الذي يشغل المنصب عن الاتحاد الوطني قال لـ”نقاش”: “لم تكن لنا اية علاقات إدارية مع مسؤولي المنطقة لا في الماضي ولا في الوقت الحاضر”.

القوانين النافذة في اقليم كردستان تنص على ان تشكيل الوحدات الادارية الجديدة من أقضية ونواح وصولا الى المحافظات بحاجة الى قرار من برلمان كردستان كما ينص الدستور العراقي على ان تشكيل الاقاليم يكون في محافظة او اكثر وتحكمه اجراءات اكثر صعوبة من الاجراءات الموجودة في اقليم كردستان، الا ان إقليم قنديل لم يمر بأي من تلك الإجراءات.

ولم تبد حكومة اقليم كردستان التي تجمعها علاقات معقدة مع حزب العمال المسيطر على تلك المنطقة، لم تبد حتى الان اي رد فعل رسمي حول تشكيل اقليم قنديل.

مراسل “نقاش” حاول اكثر من مرة الاتصال بسفين دزائي المتحدث باسم حكومة اقليم كردستان عن طريق الهاتف والرسائل القصيرة للاستفسار عن موقف الاقليم، الا انه لم يرد على الاتصالات.

وقال علي حسين مسؤول العلاقات الكردستانية في الحزب الديمقراطي الكردستاني ذي الاغلبية في حكومة الاقليم قال لـ”نقاش” ان “المنطقة تابعة لإقليم كردستان اداريا ولن نعترف بها خارج هذا الاطار، ان ما قاموا به هو تصرف أحادي وغير دستوري”.

تجربة حزب العمال في تشكيل اقاليم الادارة الذاتية بدأت من كردستان سوريا عندما شكل ثلاثة كانتونات للمناطق الخاضعة لسيطرته هناك، ثم سعى الى نقل التجربة الى قضاء سنجار ذي الاغلبية الايزيدية في محافظة نينوى المحاذية لحدود كردستان سوريا.

ويتجنب حزب العمال حتى الان اطلاق اسم الاقليم على ادارة المنطقة، حيث يعتبر الأمر أسلوبا للإدارة الذاتية وليس سياسية.

وقال سرحد فارتو المتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية في منظومات المجتمع الكردستاني (كوما جفاكين كردستان– كه جه كه) التي يشكل حزب العمال جزءا منها قال لـ”نقاش”: ان الامر “ليس تشكيل كانتون مثل كانتونات سنجار وروج ئافا، وانما تعتبر منطقة قنديل جزءا من أراضي اقليم جنوب كردستان، وقد شكل اهالي المنطقة مجلسا للإدارة الذاتية لإدارة شؤونهم ومعالجة المشكلات، انه ليس مشروعا سياسيا ولا يعتبر الامر استقطاعا لتلك الأراضي من اقليم كردستان”.

وربط المسؤول في حزب العمال تشكيل هذه الادارة الذاتية بضعف حكومة اقليم كردستان في مساعدة أهالي المنطقة قائلا: “كانت حكومة الإقليم تساعد بلدية قنديل من الناحية الخدمية في السابق، الا ان هذه المساعدة توقفت منذ فترة فتم التفكير في القيام بهذه الخطوة”.

ولن تكون هذه الخطوة أمراً عاديا بالنسبة لأسلوب الادارة في اقليم كردستان فهناك احتمال كبير ان تحدث انقطاعا إداريا وسياسيا بين حزب العمال وحكومة الإقليم باعتبار أنهما مختلفان حول الإجراءات القانونية لتشكيل الإقليم الجديد.

وقال ناظم هركي نائب رئيس لجنة الداخلية والأمن والمجالس المحلية في برلمان كردستان لـ”نقاش”: “يعد تشكيل اقليم قنديل تجاوزا على سيادة القانون في إقليم كردستان والدستور العراقي فلا يمكن تشكيل إقليم داخل اقليم فهو امر غير مقبول”.

وشدد هركي على انه ستتم معاملة القائمين بالأمر وفق القوانين النافذة في الاقليم لانهم لم يستشيروا احدا في اعلان الاقليم وقال: “ليس هناك قوة رسمية في اقليم كردستان عدى قوات البيشمركة والاحزاب المرخصة”.

يبدو ان هناك سيناريوهات اخرى وراء تشكيل الاقليم الجديد، اذ قد يكون تردي الواقع الخدمي في اقليم كردستان بسبب الازمة المالية وتركيز الخلافات السياسية، فرصة لحزب العمال لاستعراض نموذجه في الادارة كبديل عن الاساليب الاخرى للإدارة في الاقليم ولاسيما بعد التظاهرات التي شهدتها المناطق القريبة من حدود إقليم قنديل.

ورأى آريان رؤوف استاذ العلوم السياسية في جامعة كرميان ان كلا السيناريوهين متوقعان وقال: “يريد حزب العمال نقل تجربة الكانتونات بسبب الفراغ الامني الذي تشهده المنطقة كما يريد ان يكون بديلا للوضع عند حدوث الفوضى”.

وقال رؤوف لـ”نقاش”: انه “على المستوى الداخلي لن يشكل الاقليم مشكلة للاتحاد الوطني الذي يتمتع بعلاقات قوية مع حزب العمال، ولكن المشكلة ستكون للحزب الديمقراطي الذي يتمتع بعلاقات قوية مع تركيا”.

ينص الدستور العراقي على ان حماية الحدود هي مسؤولية الحكومة المركزية، ولكن تشكيل الإقليم مر على بغداد بهدوء مثل ضعفه امام بقاء الجيش التركي في جزء من الأراضي العراقية.

ويؤكد رؤوف: “تريد بغداد ان تتعدد المراكز في الإقليم بهدف إضعافه وفي الوقت نفسه استخدام الامر كورقة ضغط ضد تركيا لذلك فضلت الصمت”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

892 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع