كتب حاول البيت الأبيض منعها... وغيّرت أميركا

        

غلاف «عناقيد الغضب» - غلاف السيرة الذاتية لمالكوم إكس - غلاف «ذهب مع الريح» لمارغريت ميتشل - غلاف «أن تقتل الطير المحاكي» لهاربر لي

الشرق الأوسط/لندن: ندى حطيط:لم يحظ كتاب سياسي في القرن الحادي والعشرين إلى الآن بالشعبيّة والانتشار اللذين حصل عليهما كتاب الصحافي الأميركي مايكل وولف «النار والغضب: داخل بيت ترمب الأبيض». وولف الذي عبّر عن سعادته الغامرة بالإقبال غير المسبوق على كتابه والذي صدر بالفعل يوم الجمعة الماضي متضمناً انتقادات لاذعة لشخص الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأفراد عائلته وأسلوب إدارته.

ووجّه المؤلف شكراً ساخراً للرئيس من موقع «تويتر» على مساهمته بخلق شعبيّة منقطعة النظير لمولوده الجديد، وتساءل في مقابلة تلفزيونيّة إلى «أين يمكنه إرسال علبة من الشوكولاته لترمب تعبيراً عن امتنانه». وبالفعل فإن هذا الإقبال النادر على كتاب ذي محتوى سياسي تسبب به ساكن البيت الأبيض نفسه أكثر من أي شخص آخر، إذ بدا غاضباً فوق العادة مما ورد في المقتطفات التي سرّبت إلى «الغارديان» وصحف غربيّة كبرى حتى قبل صدوره، هائجا أمام الكاميرات للدفع بأهليته بل وعبقريته الاستثنائيّة في مواجهة ادعاءات «النار والغضب» الذي ما لبثت أن أدانته سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض بوصفه «محض أكاذيب» و«خزعبلات صحف صفراء» و«فانتازيا لا تستند إلى الوقائع»، بينما وجه محامو الرئيس إلى ناشر الكتاب مطالعة تحذيريّة من 11 صفحة تدعوه فيه للامتناع عن التوزيع تحت طائلة الملاحقة القانونيّة.

وبحسب موقع أمازون فإن «النار والغضب» قفز خلال يوم واحد إثر هجوم البيت الأبيض عليه من المكانة 48449 في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً على الموقع إلى المرتبة الأولى، بينما قدّم الناشر موعد صدوره عدّة أيام تجنباً فيما يبدو لأية إجراءات قانونيّة لمنعه، واصفاً إياه بأنه «إضافة نوعيّة للجدل السياسي في البلاد»، وأكد بعدها أن ربع مليون نسخة قد بيعت بالفعل خلال أيام معدودات، ذلك بالطبع إلى جوار ألوف النسخ الإلكترونيّة التي يتم تحميلها على مدار الساعة.

ولعل تلك المفارقة تُثبّت بحد ذاتها بعضاً مما ورد في نص وولف من وصف الرئيس ترمب بكونه رئيسا لا يقرأ، ولا يستمع، ولا يثق بأحد. إذ لو كان قرأ في ذاكرة محاولات خنق الكتب ومنع نشرها ومصادرتها وفرض قيود على توزيعها - لا سيما في الولايات المتحدة - لكانت استمهلته العِبرة بكون النهايات دائماً تأتي عكس النتيجة المُرادة. فعلى الرغم من كفالة الدستور الأميركي - أقلّه على الصعيد النظري - حق التعبير للأميركيين، فإن مصالح النشر الكبرى التي يتحكم عدد محدود منها بسوق الكتب تمارس رقابة ذاتيّة شديدة تسمح بتداول الأعمال التي ترى أنها تخدم السرديّة السائدة فحسب، مما يقلّص هامش الحضور أمام كل سرديّة نقيضة. وحتى تلك الأعمال التي تتجرأ على طبعها دور نشر مغمورة أو ينشرها المؤلفون على حسابهم فإنه كثيرٌ ما تعمد جماعات الضغط الأميركيّة المختلفة والمتعددة الاتجاهات وأتباعهم من الغوغائيين إلى رفع دعاوى قانونيّة أو حتى ممارسة ضغوط مباشرة على الناشرين أو المدارس والمكتبات العامة لإزالة أعمال معينة من التداول بحجة تطرق تلك الكتب لأمور منافية للأخلاق أو قضايا عرقيّة أو دينيّة حساسة. لكن تلك الأعمال تحديداً تحولت دائماً إلى موضع إقبال متزايد، وأصبح بعضها كلاسيكيّات في عالمي الأدب والسياسة.

ولعل بانوراما خاطفة لأهم الكتب التي تعرضت لمحاولات المصادرة والمنع - في الغرب عموماً والولايات المتحدة بالذات - تُظهر كم أن النتائج كانت حتماً عكسيّة لتوجهات سلطات الرقابة ومحاكم التفتيش، بداية من نسخ الكتاب المقّدس التي نشرها مارتن لوثر ومشايعوه باللغات المحليّة الأوروبيّة قبل 500 عام تقريباً، وانتهاء بـ«النار والغضب» راهناً. فرواية (المحبوبة - 1987) لتوني موريسون مثلاً والتي فازت بجائزة «بوليتزر» وتعد مؤلفتها أهم روائية أميركيّة ذات أصول أفريقيّة تعرضت لحملة شعواء من قبل تجمعات أولياء أمور طلبة أميركيين اتهموا الرواية بأنها مفسدة لأخلاق أولادهم وتسببوا لسنوات كثيرة في سحبها من المدارس وعدة مكتبات عامة.

كذلك كان الأمر مع (السيرة الذاتيّة لمالكوم إكس - 1965) التي كتبها ناشط الحريّات الأميركي المعروف مالكوم إكس بالتعاون مع أليكس هيلي، وتعرضت إلى صنوف من المصادرات ومحاولات المنع بوصفها مُلهمة للإتيان بأعمال العنف ونص مليء بالكراهيّة ضد العرق الأبيض، وقبلها روايات (نداء البريّة - 1903) لجاك لندن، و(الغابة - 1906) لأبتون سينكلير، و(غاتسبي العظيم - 1925) ل ف. سكوت فيتزجيرالد، و(ذهب مع الرّيح - 1936) لمارغريت ميتشل، و(كانت عيونهم ترقب الإله - 1937) لزورا هورستون، و(عناقيد الغضب - 1939) لجون شتاينبيك، و(لمن تقرع الأجراس - 1940) لإرنست هيمنغواي و(حارس حقل الشوفان - 1951) لجيه دي سالينجر، و(الرّجل الخفي - 1952) لرالف إليسون، و(أن تقتل الطير المحاكي - 1960) لهاربر لي.

وحديثاً لم تسلم سُباعية (هاري بوتر - بداية من 1997) لجيه. كيه. رولينغ - وهي الأوسع مبيعاً لسلسلة روائية في التاريخ المسجل - من محاولات منع ومقاطعة عمدت إليها مجموعات دينيّة أميركيّة محافظة اعتبرت السلسلة تجميلاً للسحر الأسود وترويجاً للشيطانيات في عقول الناشئة، بالإضافة إلى عدة كتب مرجعيّة عن تاريخ حركات التحرر في المكسيك، ونضالات الهنود الحمر، والنظريّات النقديّة للعرق وغيرها، وجميعها تعرضت إلى محاولات المنع والمصادرة من قبل جهات متقاطعة عدّة، بل ومُنع تدريسها - كتباً وموضوعات بحث - في جامعات كبرى مرموقة داخل الولايات المتحدة وحتى وقت قريب. لكنّ هذه العناوين كلها - وهي مجرد نماذج لقوائم طويلة من كتب تعرضت للحظر والمنع والتضييّق عليها في الولايات المتحدة - تعد اليوم من معالم الأدب والفكر الأميركي - بل والعالمي -، حتى وصفتها مكتبة الكونغرس في معرض عن منع الكتب أقامته مؤخراً بأنها «الكتب التي شكّلت أميركا».

حتما، كان على الرئيس ترمب ولو لهذه المرّة فحسب، الذهاب إلى القراءة أو الاستماع لخبير بعالم النشر عن سلطة النصوص الممنوعة في التاريخ، وكيف أنّها تنتهي بدافع من محاولات المصادرة والمنع كما أيقونات من ضوء. لربّما حينها لم تشتعل ناره ولم تطاول أصابع غضبه «النار والغضب»، فمضى ككثير من الكتب السياسية التي تصدر في كل وقت ليقرأها ويحتفي بها جمهور محدود سرعان ما يتجاوزها، تاركاً إيّاها على رفوف الضباب. لقد منح دونالد ترمب - الإمبراطور الذي لا يقرأ - حروفاً حاول خنقها تذكرة الخلود من غير أن يدري.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

601 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع