في ذكرى وفاتها.. "مي زيادة" شاعرة اقتحمت قلوب الأدباء

           

              مي زيادة.. ماتت ولم تلتقي بمن شغف قلبها

بيروت - الخليج أونلاين (خاص):يكفي الاطلاع على ما خلّده فيها كبار شعراء وأدباء العربية المعاصرين للتأكّد من أن مي زيادة ليست امرأة عادية؛ فهي بحسب ما تصف تعابير قامات الشعر والأدب، مبهرة مدهشة تسلب العقول؛ لأدبها وثقافتها وجمالها أيضاً.

هي التي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي:

"إذا نطقتْ صبا عقلي إليها .. وإن بسمتْ إليَّ صبا جَناني"

وفيها قال الشاعر إسماعيل صبري:

"وأستَغفر الله من بُرهةٍ .. من العمر لم تَلقَني فيكِ صَبّا"

أما الشاعر عبد العزيز فهمي فقال فيها حين رآها أول مرة: "النظر هنا خير من الكلام ومن الإصغاء".

وهي التي رثاها عبّاس محمود العقاد قائلاً: "كل هذا في التراب؟! آهٍ من هذا التراب".

سيرة حياة مي زيادة لم تكن عادية؛ بل كانت ملأى بالتنقلات، منها القاسية الموحشة، التي جعلت من هذه الأديبة الشاعرة نزيلة مستشفيات الأمراض العقلية، بعد أن فقدت أحبّ الناس إليها في وقتٍ قصير.

وتبقى مي زيادة واحدة من بين أهم النساء العربيات على مرّ العصور؛ فقد اخترقت عالم الأدب والشعر في وقت لم يكن للنساء دور معروف في هذا الميدان.

- من هي مي زيادة؟

مي زيادة شاعرة وأديبة فلسطينية، ولدت في الناصرة، في 11 فبراير 1886، اسمها الأصلي كان ماري إلياس زيادة، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد، كانت تتقن العديد من اللغات، ولها ديوان باللغة الفرنسية.

ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) ابنة وحيدة لأب من لبنان وأمّ سورية الأصل فلسطينية المولد، تلقّت دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في عين طورة بلبنان.

انتقلت مي مع أسرتها للعيش في القاهرة عام 1907، وأكملت تعليمها هناك، حيث أتقنت العديد من اللغات، إضافةً للعربيّة؛ ومنها الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، واللاتينية، والسريانية، واليونانية.

بعد تخرّجها في كليّة الآداب عملت في مهنة التدريس للّغتين الإنجليزية والفرنسية، وهي تتابع دراستها لباقي اللغات التي أتقنتها لاحقاً في الوقت ذاته.

تابعت مي دراستها في الأدب العربي والفلسفة والتاريخ الإسلامي في جامعة القاهرة، ولها العديد من المقالات الأدبية والاجتماعية والنقدية، التي نُشرت في العديد من الصحف والمجلّات العريقة منذ فترة صباها، لتلفت بها الأنظار إليها.

تميّزت مي بجمال لغتها وسعة أفقها ودقة شعورها.

واشتهرت مي بصالونها الأدبي، الذي كانت تقيمه في منزلها الكائن في شارع عدلي، بالقاهرة، كل يوم ثلاثاء، منذ عام 1913، قبل أن ينتقل عام 1921 إلى إحدى عمارات جريدة الأهرام، ويستمر حتى الثلاثينيات من القرن الماضي.

وتردّد إلى صالونها أرباب القلم وأئمة الفكر وزعماء السياسة ودُهاة الدبلوماسية، فضلاً عن سدنة الدين وصفوة المجتمع؛ أمثال عباس العقاد، وطه حسين، وأحمد لطفي السيد، وشيخ الشعراء إسماعيل صبري، والشيخ مصطفى عبد الرازق، والمفكّر شبلي شميل، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وشاعر القطرين خليل مطران، والشاعر الثائر ولي الدين يكن، والأديب مصطفى صادق الرافعي، والكاتب أنطوان الجميّل، والدكتور منصور فهمي.

- جبران.. الحب البعيد

حب مي زيادة وقع في قلوب كلّ هؤلاء، فكان منهم من يكتفي بالحضور إلى صالونها الأدبي ليسد لهفة روحه برؤيتها، ومنهم من كان يذهب إلى أبعد من ذلك فيكتب إليها الرسائل، أو الأشعار، معبّراً فيها عما يعتمل بداخله تجاهها.

لكن قلبها لم يعشق سوى واحد، كان بعيداً، وغرابة هذا العشق أنهما لم يلتقيا في حياتهما أبداً!

كان ذلك الذي سرق قلب مي هو جبران خليل جبران، الرسام والشاعر والكاتب اللبناني، الذي عُرف بكونه أحد شعراء وأدباء المهجر.

تبادل جبران ومي العشق على مهل، وكان أحدهما يبعث إلى الآخر برسالة وينتظر فترة حتى يأتيه الرد.

لم يلتقِ جبران ومي البتة؛ لأن جبران كان مقيماً في أمريكا.

والغريب أن كلاً منهما لم يكن يسعى إلى لقاء الآخر، في حين كان كل منهما يوجه دعوة للآخر للحضور إلى البلد الذي يستقر فيه أو يسافر إليه.

في إحدى رسائلها له قالت مي تدعو جبران للحضور إلى القاهرة: "تعال يا جبران وزرنا في هذه المدينة، فلماذا لا تأتي وأنت فتى هذه البلاد التي تناديك. تعال يا صديقي، تعال فالحياة قصيرة وسهرة على النيل توازي عمراً حافلاً بالمجد والثروة والحب".

ومن رسائلها التي تعبّر لجبران فيها عن حبها، ما جاء فيها: "جبران، ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا وكيف أفرط فيه؟ الحمد لله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفّظ به؛ لأنك لو كنت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً من هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً فما أدعك تراني إلَّا بعد أن تنسى".

وردّ جبران عليها بقوله: "الكلمة الحلوة التي جاءتني منك كانت أحب لديَّ وأثمن عندي من كل ما يستطيع الناس جميعهم أن يفعلوا أمامي، الله يعلم ذلك وقلبك يعلم".

في السنوات الأخيرة التي سبقت وفاتها عانت مي الكثير، وقضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية؛ وذلك بعد وفاة أحب الناس إلى قلبها، والدها ووالدتها وجبران.

تقول الكاتبة المصرية نوال مصطفى: إن "الفصل الأخير في حياة مي كان حافلاً بالمواجع والمفاجآت، فصل بدأ بفقد الأحباب واحداً تلو الآخر؛ والدها عام 1929، جبران عام 1931، ثم والدتها عام 1932".

بعد هذه الأحداث المؤلمة على مي، أرسلها أصحابها إلى لبنان حيث يسكن ذووها، فأساؤوا إليها وأدخلوها إلى مستشفى الأمراض العقلية مدة تسعة أشهر، وحجروا عليها، فاحتجّت الصحف اللبنانية وبعض الكتاب والصحفيين بعنف على السلوك السيئ من قبل ذويها تجاهها، فنُقلت إلى مستشفى خاص في بيروت.

بعد ذلك خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها، ثم عادت إلى مصر.

حاولت مي اجتياز آلامها، فسافرت إلى عدة بلدان، ثم عادت إلى مصر، حيث استسلمت لأحزانها، حتى توفيت بمدينة القاهرة، في 17 أكتوبر 1941.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

923 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع