مشروع لتوثيق ملامح بغداد القديمة..كفاح الأمين: المتحف الفوتوغرافي قيد التنفيذ وبحاجة لدعم مؤسساتي

                      

المدى/زينب المشاط:بين تنقلات خطاه، اعتاد أن يحفظ الحدث والمكان والزمن بذاكرته الصورية، إنه يقتنص الحكايات، أما من خلال مكان، أو مرحلة زمنية، أو شخصيات، قدم الكثير من الصور التي سردت لنا حكاية تأريخ، أو تراث، أو حضارة هذه المدينة، دوّن من خلال ما اقتنصته كاميرته من أحداث مهمة، وقد يكون أيضاً دوّن انتقالات وتغيرات وتطورات حالة ما أو ظاهرة ما وفق تغير البيئة أو المجتمع أو التأثيرات والحقب السياسية لتلك المدينة.

إنه يمتلك تأريخ المدينة البغدادي بروح صورة، بفيلم كاميرا تجولت بعينها الساحرة الحافظة للأشياء، وأخذت من الحياة ما تشاء من لقطات ودونتها بصمت، ليُفاجئنا هو بها أما من خلال معرض، أو ندوة ومحاضرة يقدمها عن موضوعٍ ما، حتى أن طموحه في حفظ تأريخ هذه المدينة قد تجاوز المعارض، والموسوعات، وتوسع إلى أن يقيم متحفاً يضمّ تلك الظواهر البغدادية، بأزقة المدينة، وازيائها، وافكار ابنائها، وطقوسهم وتقاليدهم.
ولوسع ما قدمه واهميته، سُمي بالباحث الفوتوغرافي، الفنان الفوتوغرافي كفاح الأمين، يتحدث لـ "المدى" عن انطلاق مشروعه الجديد الخاص بإقامة متحف للصور الفوتوغرافية الذي سيدوّن من خلاله ذاكرة المدينة البغدادية وتراثها والفولكلور البغدادي بحكاية طويلة تلخصها الصورة...الفوتوغراف بالنسبة له وبعد أن سألناه عن اهمية الصورة الفوتوغرافية، وإن كان يعدّها من ضمن أحد الفنون، قال الامين" أن الصورة الفوتوغرافية مهمة لاختزانها الحدث، وحفظ الذكريات بشكل صورة، هُنا تكمن اهميتها، وبالطبع يُعدّ الفوتوغراف فناً". مُشيراً إلى "أن هذا الفن وظيفته حفظ الحالة، والمكان، والزمان، والحدث أو الصورة بكل تداعياتها، والفن الذي يقوم عليه الفوتوغراف، يعتمد على اسلوب المصور، والطرق والتقنيات التي يعمل عليها اضافة الى نوع آلة التصوير التي يستخدمها الفوتوغرافي".
يستطيع الفوتوغرافي أن يدوّن ومن خلال الصورة حكاية كاملة، بحقبتها الزمنية وبأحداث حصلت وتدور، لتكوين قصة صورية كاملة، عن هذه القدرة الفوتوغرافية يتحدث كفاح الأمين قائلاً "بالطبع حين يقتنص الفنان الفوتوغرافي صورة تُشير الى واقعة ما وحدث ما وتتضمن شخصيات معينة تؤدي عملاً أو تقوم بمنجز، سيدوّن المكان والحقبة الزمنية والشخصيات والحالة، هذا من شأنه أن يخلق لنا حكاية واقعية متكاملة، ووثيقة دلالية من خلالها يختزن الفوتوغرافي الأحداث ويدوّنها، ويوثقها، ولكن ليس من وظيفة الفوتوغراف دائماً تدوين الحكايات، والقصص بشكل صورة، فأحياناً يدوّن لنا هذا الفن صورة ما، ومشهداً جميلاً، كمنظر للغروب أو منظر طبيعي، الفن الفوتوغرافي واسع الابداع، فأحياناً يكون الابداع فيه بطريقة اختزان القصة أو الحكايا، واحياناً يكون جانب الابداع فيه باستخدام التقنيات والتلاعب بضوء الصورة وغير ذلك".
 يتسلل الفوتوغرافي كفاح الأمين من حديثه عن الفوتوغراف ذاهباً إلى مشروعه، والذي يتضمن اقامة متحف فوتوغرافي، يطمح له منذ زمن، يذكر الأمين أن" المشروع هو عبارة عن متحف للصور الفوتوغرافية التي تتحدث عن تاريخ مدينة بغداد وتراثها وظيفة هذا المتحف هو توثيق تاريخ المدينة وتراثه، كما أني اعمل على أن يمتلك هذا المتحف وظائف مجاورة لكنها ليست بعيدة عن كونه متخصصاً بالمدينة وجوانبها الأثرية والتأريخية، من الممكن أن يتضمن هذا المتحف جلسات وندوات ثقافية لكنها ليست بعيدة عن تخصص الفوتوغراف، ذلك لأني مؤمن بصفة التخصص".
لم يُشر الأمين الى الأبواب التي حاول أن يطرقها في سبيل اقامة هذا المشروع، إلا انه ذكر مؤكداً "أن هذا المشروع بحاجة الى دعم مؤسساتي رصين". مُضيفاً "أحاول الآن أن اجد الموقع المناسب لهذا المتحف، فيجب ان يكون موقع المتحف سهلاً لوصول الزوار والوافدين، أيضاً يكون شكله واطلالته ذات صفة قريبة لروح المتلقي ولها علاقة بالتراث البغدادي والاثريات، أي انه يجب أن يكون مكاناً ذات اطلالة وشكل مميز، وحتى الآن، لم اجد هذا المكان، ولكني سأعمل على ذلك رغم أن الموضوع بحاجة لدعم كبير أيضاً من قبل المؤسسات الثقافية".
أن يوجد في العراق متحف فوتوغرافي، يوثّق صور المدينة وأناسها وعبر مراحل زمنية فهو أمر مهم ومميز، ولكن مدى تأثير هذا المتحف في الجانبين الثقافي والتاريخي للمدينة، يذكر الأمين "في الشرق الأوسط، لا توجد متاحف متخصصة بالفوتوغراف، فأغلبها تكون متاحف أثرية وتأريخية وتراثية أو فولكلورية، وتتضمن بعض الصور الفوتوغرافية الخاصة بالمتحف، ولكن في الدول الاوربية، هنالك متاحف متخصصة بالفوتوغراف فقط، ومن ضمن جوانب هذا الفن، نجد صوراً فوتوغرافية توثّق تاريخ المدينة واحداثها وتراثها، وهذا ما أبحث عنه، أي التخصص الفوتوغرافي يجب أن يكون سمة لهذا المعرض".
ويشير الأمين الى اهمية المعرض الفوتوغرافي ثقافياً ويقول "بالتأكيد إن وجود هكذا متحف من شأنه أن يكون مؤثراً ومهماً على الواقع الثقافي العراقي، ولكن هذا لا يعني أن الواقع الثقافي سيختل في حال عدم وجود هكذا متحف، ولكن مدينة بغداد الغنية بالأحداث والصور الاثرية والاقتناصات التاريخية، تستحق أن تواكب دول اوروبا في أن يكون لها متحف خاص بالصور الفوتوغرافية، فبالنهاية هذا الفن يعمل على تدوين التاريخ بشكل صورة وليس سرد احداث".
الأمين ومن خلال تدوينه للكثير من الصور للمدينة وما فيها حتى لنزاعاتها ومشاكلها الاجتماعية، وتغير معمارياتها، عبر كل احتلال، وخلال كل حقبة سياسية، حاول من خلال ما دوّنه من صور أن يضع هوية لهذه المدينة، التي تغيّرت هويتها مع كل حقبة سياسية أو استعمار، فالزيّ البغدادي اعتمد على المظهر العثماني في فترة الاستعمار العثماني للمدينة، والذي اختصر بـ "الطربوش والعصاة" أما فترة الاحتلال البريطاني فتغيّر هذا الزي، أي تغيّرت هوية الملبس العراقي وفق تغيّر الاستعمار الذي شهدته المدينة، وحتى اليوم لاتزال المدينة تعاني هذه التغيرات، وهنا يشير الأمين إلى أن "الصور التي حاول أن يعرضها للحديث عن هوية الشخصية العراقية من خلال تغير الملبس، لاتعني أبداً انها توثيق للهوية العراقية بشكلها العام، بل هي توثيق فقط لما يخصّ الملبس وهويته، والحديث عن سلطة السدارة التي تمثل الهوية العراقية بصراعها مع الطربوش الذي يمثل الهوية العثمانية، إلا أننا لا يمكن أن نحدد من خلال هذه الصور فقط ما إذا كان للفرد العراقي هوية ما، أو أنه لا يملك هوية تعريفية، فالصورة من شأنها توثيق جانب مختص بزيّ المدينة لا غير".
العراق يمتلك ما يقارب الـ35 مليون صورة، منذ أن وجدت هذه التقنية "الفوتوغرافية" وحتى اليوم، هذه الصور كانت قادرة على تدوين الحدث، والحقيقة، والوثائق، إلا أن التدمير والحرق أديا الى تلف ما يقارب 20 مليون صورة، وهذا يعني أن هذا الإتلاف أدى لخسارة الكثير من الوثائق، والدلائل والبيانات الخاصة بهذا المجال، ويذكر الامين "أن الارقام المذكروة بذلك التقرير هي أرقام تقريبية وليست أرقاماً مضبوطة." مؤكداً "أن هذا الإتلاف من شأنه أن يضيّع الكثير من الوثائق الخاصة بالمدينة، بالطبع أن هنالك الكثير من المعلومات التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية للمدينة معروفة لدى ابنائها، إلا أن للصورة وقعها وتأثيرها لحفظ تلك المعلومات والبيانات".
للأمين مقولة معروفة يذكر من خلالها أن "الاستعانة بالصورة الفوتوغرافية لتوصيف الحياة البغدادية تكتسب أهمية كبرى في معرفة تفاصيل عالمها وإيقاعها وصيرورتها خلال المئة عام الماضية، فالصورة الفوتوغرافية ملهم كبير لشحذ ذاكرة البغداديين". أخبرنا عنها قائلاً "إن العراقيين وعبر الصورة الفوتوغرافية يندغمون في المكان بوعي معرّف ولا معرّف كالماء في الماء، إنها كينونة السحر البغدادي تدفعهم للتلاشي في سرديات المكان، إنهم مشربون بنرجسية اللحظة التأريخية البغدادية واشتغالات السرد المعنوي والمادي للمكان البغدادي ذاته، كالشناشيل والمقاهي والشخصيات المفعمة بملامح أسطورية، قرّاء المقام والقرآن على الطريقة البغدادية، المربعات والمغنيات والشعراء، للحكايات المبثوثة في شقوق الجدران والمساجد والكنائس، ورموز أخرى مبعثرة في تلك الأواصر السرية للأزقة والبيوت المتهالكة على بعضها البعض".

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع