تشجيع الفرق الأوروبية ملاذ العراقيين للهروب من المعاناة اليومية

                  

                                 مدارج مصغرة

هوس متابعة مباريات كرة القدم انتشر في كامل أنحاء العالم مع تطور التكنولوجيا وتحول لقاءات كرة القدم من مجرد رياضة إلى عرض فرجوي يهز مشاعر الملايين من الأشخاص، العراقيون هم أيضا عشقوا الفرق القوية بنجومها، يتابعونها في المقاهي مجتمعين كجماهير حقيقية في الملعب ومختلفين بين من سيفوز ومن سينهزم. متابعة المباريات وقت يقضونه بعيدا عن ضغوطا الحياة اليومية التي يعانيها الشعب منذ سنوات طويلة.

العرب/بغداد - تتصاعد هتافات “يونايتد، يونايتد، يونايتد” من حناجر مشجعين لنادي مانشستر يونايتد الإنكليزي، اختاروا أحد مقاهي بغداد لمتابعة مباراته بحماس وفرح، بعيدا عن العنف والتوتر اللذين يطبعان أيامهم.

ويشكل تشجيع أندية كرة القدم الأوروبية في المقاهي، فسحة فرح وراحة متواضعة للعراقيين الشغوفين باللعبة الأكثر شعبية عالميا.

وفي العراق، تحظى 13 رابطة للمشجعين باعتماد رسمي من أندية في إسبانيا وإنكلترا وإيطاليا وألمانيا. ويلتقي أعضاء هذه الرابطات في كل مباراة، حول ما هو أكثر من مجرد هتاف لفريقهم المفضل.

وتعود أكبر الرابطات لمانشستر يونايتد، وتضم نحو 450 عضوا. ويقول رئيسها علاء سعدي “كلنا نجتمع حول مانشستر يونايتد، الصغير والكبير، الشيعة والسنة، والعرب والأكراد، والمسيحيون والمسلمون”.

أما علي عنب رئيس رابطة مشجعي نادي بايرن ميونيخ الألماني، فيرى أن “تجمّع الرابطة أثناء مباريات الفريق يشكل فرصة لنسيان المتاعب اليومية (…) قد يكون هذا التجمّع في بعض الأحيان للتخفيف من معاناة الواقع القاسي وتعويض ملل الحياة اليومية للشباب”.

وعادة ما تحاط أماكن تجمّع رابطات المشجعين برقابة أمنية مشددة وتخضع لإجراءات تفتيش، لكون بعض التجمعات قد تعرضت (بشكل مباشر وغير مباشر) في أوقات سابقة لهجمات.

فقبل أعوام انفجرت سيارة مفخخة قرب مقهى كان يتواجد فيه مشجعون لكرة القدم في شارع السعدون ببغداد. والعام الماضي استهدف هجوم لجهاديين من تنظيم الدولة الإسلامية مقهى في منطقة بلد شمال بغداد كان يتجمع فيه مشجعون لريال مدريد الإسباني.

وأوردت وسائل الإعلام أن المنتسبين لجمعية “بينا مدريديستا” المناصرة للفريق ببعقوبة (60 كلم عن بغداد) كانوا يتابعون مباراة نهائي أبطال أوروبا بين فريق الريال وأتلتيكو، قبل أن يهجم 4 (دواعش) على الحاضرين ويقدموا على قتل 12 شخصا منهم.

وقال أحد أعضاء رابطة مشجعي ريال مدريد في ديالى، مثنى مزهر الربيعي، “إن الهجوم الذي وقع على مشجعي ريال مدريد في منطقة نهر الإمام هو رسالة بأن عناصر (داعش) لا تروق لهم الأفراح في العراق”.

ويعدّ ذلك الهجوم الثاني الذي تتعرض له رابطة مشجعي الفريق الملكي في العراق بعد الحادث الأول الذي وقع يوم 13 مايو 2015، وأودى بحياة 16 شخصا من مشجعي رابطة ريال مدريد، ما دفع الحكومة الإسبانية إلى التنديد بذلك.

وتضم رابطة مشجعي الريال 4191 عضوا يتبادلون في ما بينهم أخباره ومواعيد مبارياته ويحددون المكان الذي يشاهدون فيه مباريات النادي.

ويذكر أن رئيس ريال مدريد فلورانتينو بيريز قد أهدى فوز النادي بلقب دوري أبطال أوروبا خلال مباراته مع أتلتيكو مدريد، إلى مشجعي الفريق الملكي الذين فقدوا أرواحهم في هجوم شنه تنظيم داعش في مدينة بلد العراقية وأوقع 18 قتيلا جميعهم من الشباب الذين يتخذون من المقهى مقرا لرابطة مشجعي الفريق الملكي.


وقال بيريز إثر فوز فريقه “أريد إهداء هذا الفوز للمشجعين العراقيين”، واصفا الهجوم الذي استهدفهم بـ”أنه اعتداء فظيع ضد أشخاص قاموا بشيء يتخطى حدود تشجيع ريال مدريد، وهو نقل قيم النادي إلى أماكن تواجه صعوبات”.

وتحدى المشجعون (داعش)، وتوجهوا بأعداد كبيرة إلى المقهى ذاته الذي كان مسرحا للهجوم، لمشاهدة المباراة النهائية لفريقهم الإسباني، لكن فرحتهم لم تكتمل مجددا.

المبالغة في التعصب

عشاق كرة القدم الأوروبية في العراق بلغ بهم عشق الفرق حدّ التعصب الذي يؤدي أحيانا إلى الانقسام والخلافات بين الأصدقاء وحتى بين الإخوة في العائلة الواحدة.

سامر شاب ثلاثيني ترك خطيبته بعد علاقة عاطفية دامت سنتين بسبب تعلقه الشديد بفريق مانشستر سيتي، وسبب الانفصال غير مقنع من وجهة نظر أصدقائه، لكنه يرى أن خطيبته تختلف معه في حبه للفريق بل تشجع عدوه اللدود مانشستر يونايتد.

ويرى سامر أن مثل هذه الخلافات ستؤثر على العلاقة الزوجية حسب رأيه، لأن البداية غير موفقة خاصة وأنه يعتقد أن كرة القدم ليست مجرد لعبة وفرجة، بل هي فكر وكيان وحياة مستقلة لها أسبابها ونتائجها وأسباب استمراريتها. وخطيبته تشجع مانشستر يونايتد وهو يشجع مانشستر سيتي، و”هذا يعني أننا خصمان غير متوافقين، لذلك من الصعب أن نرتبط ونكون معا لبقية حياتنا، في حين أننا نشجع ناديين متنافسين على الدوام”.

أبومحمد، الرجل الستيني، قضى حياته بقالا وعاشقا لكرة القدم وخاصة في دوريات أوروبا التي تمتعه فرجة وحماسا، كما يقول، إلى درجة أنه ينتفض صارخا إذا ما سجل الفريق الذي يشجعه هدفا، وغاضبا إذا ما أضاع أحد اللاعبين فرصة يعتقد أبومحمد أنها سهلة التسجيل.

أبومحمد وصل به الشغف إلى درجة توزيع الحلوى حين يفوز فريقه المفضل. هذا الجانب المشرق من أبومحمد في المقهى المجاور له، يقابله وجه آخر حين ينهزم ريال مدريد أو ليفربول وهما فريقاه المفضلان في الدوري الأوروبي، يقول أصدقاؤه إنه يغلق متجره ويبلغ درجة من العصبية التي قد يضرب فيها زوجته لأسباب تافهة ويوبخ أبناءه في المنزل ويتشاجر مع جيرانه في السوق.

ولم يتصالح خالد وشقيقه جاسر منذ سنتين بسبب خلاف حول مباراة في الدوري الإيطالي حيث تطوّرت سخرية جاسر من فريق يوفنتس إلى خصومة ضرب على إثرها خالد يده على الحائط وأصيب بكسور، ما جعل البعض يرى أن عشق كرة القدم يشبه الإدمان الذي يؤدي إلى الكثير من الأضرار النفسية والمادية.

الفرجة في بغداد

في ظل هذه الأوضاع الأمنية غير المستقرة في بغداد والمناطق العراقية منذ أعوام، غالبا ما يلجأ المشجعون إلى تغيير أماكن تجمّعهم بشكل دوري، أو مضاعفة إجراءات التفتيش على مداخلها.

ويتجمع أعضاء رابطة مشجعي بايرن ميونيخ في مقهى “رأس الخيمة” في منطقة الجادرية بالعاصمة العراقية.

ويقول عنب (39 عاما)، وهو عنصر في القوات الأمنية العراقية، إن المقهى يتحول إلى مكان يجد فيه المشجعون “ما ينسيهم تعب الحياة اليومية وفوضى وإرهاق الزحام المروري أثناء ذهابهم إلى أعمالهم”.

يضيف “مجرد أن تنطلق المباراة، فكل الإرهاق يطير (…) في هذا المكان نستعيد جزءا من الراحة”.

تجذب هذه اللقاءات أيضا عراقيين يقيمون في الخارج، ويزورون بلادهم لتمضية بعض الوقت. و رغم الفرص المتاحة لهم لمتابعة المباريات في دولهم، إلا أنهم يختبرون تجربة مغايرة في بغداد.

من هؤلاء مهدي قاسم، وهو مهندس مقيم في مدينة شيكاغو الأميركية، حضر لمتابعة مباراة فريقه المفضل مانشستر يونايتد.

يقول قاسم “الأمر ليس نفسه” في بغداد، حيث يجلس محاطا بالعشرات من المشجعين الذين ارتدوا قمصان “الشياطين الحمر”.

ويوضح “هناك في الولايات المتحدة، مشاهدة المباريات بالنسبة للمتفرجين لا تتعدى كونها وقتا للاسترخاء في حانة”، مضيفا “أما هنا، الحماس والمشاعر أقوى”.

لنادي ليفربول أيضا رابطة مشجعين تأسست في العام 2011، وهي الأقدم في العراق بحسب مديرها علي كاظم.

ويوضح كاظم (29 عاما) الذي يحمل شهادة جامعية في العلوم السياسية، أن بعض المشجعين “يأتون من بعيد رغم كل الصعوبات”.

حصلت الرابطة من نادي “الحمر” على 50 بطاقة عضوية رسمية صادرة عنه مقابل 40 دولارا لكل عضو، أرسلت إليها من إنكلترا.

ولا يمكن لهذه الرابطات الحصول على “اعتراف رسمي” من الأندية بسهولة، فبحسب منسق رابطة مشجعي نادي أرسنال الإنكليزي علي البهادلي، يجب على كل رابطة أن تضم “50 عضوا مستمرا لتعتمد من النادي، فضلا عن التعريف بهويات أعضائها وانتخاب رئيس وأمين سر للرابطة وتثبيت أنشطتها عبر شبكة التواصل الاجتماعي، ليتمكن النادي من التعرف على ما يدور في مكان آخر من العالم”.

في مقهى “البيروتي” الذي يعدّ أشهر المقاهي في بغداد، وجدت رابطة أنتر ميلان ضالتها، وجعلت منه مكانا لتجمع مشجعي النادي الإيطالي. وتأسست الرابطة عام 2014، ونالت الاعتراف من النادي في 2016، ويرأسها الطبيب أحمد مازن (32 عاما).

ويقول مازن إن العراقيين يقبلون على المباريات الأوروبية، لأن في بلادهم “البنى التحتية ضعيفة والملاعب قديمة” إضافة إلى “قضية الأمن”، بينما يجدون في أوروبا “الملاعب الجميلة وجمال كرة القدم ونجومها”.

وتعد الأوضاع الأمنية في العراق عائقا رئيسيا أمام غالبية الأنشطة الرياضية لا سيما كرة القدم ذات الشعبية الواسعة في البلاد.

وكانت هذه الأوضاع السبب الرئيسي الذي دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قبل أعوام إلى فرض حظر على إقامة المباريات الرسمية الدولية في العراق، قبل أن يخفف هذه السنة هذا الحظر ويتيح إقامة المباريات الودية لفترة وجيزة، على ملاعب مدينتي كربلاء والبصرة الجنوبيتين، وأربيل مركز إقليم كردستان الشمالي.

وعلى الرغم من الحماس الذي يختبرونه في المقاهي، يبقى حلم متابعة مباريات كرة قدم أوروبية من الملعب، حلما للعديد من العراقيين.

ويقول مهدي قاسم إنه يسعى منذ نيله جواز سفر أميركي، إلى تحقيق هدف وحيد وهو استخدامه للذهاب إلى أولد ترافورد، الملعب الأسطوري لمانشستر يونايتد، إلا أن “امتياز” حمل جواز سفر أجنبي لا يحظى به الكثير من العراقيين، ما يتطلب من الراغبين في تحقيق حلم مماثل، الانتظار طويلا في مسار الحصول على تأشيرات سفر أوروبية.

ودفع علي عنب العام الماضي غاليا ثمن صعوبة حصول العراقيين على هذه التأشيرات، فقد منحه بايرن تذكرتين لحضور مباراة في دوري أبطال أوروبا ضد أتلتيكو مدريد الإسباني، إلا أنه “لسوء الحظ لم نحصل على تأشيرة لدخول ألمانيا لأن السلطات هناك يبدو أنها كانت تخشى ألا نعود أبدا ونطلب اللجوء إلى هناك”.

العراقيون شغوفون بكرة القدم الأوروبية لكنهم يتابعون فرقهم المحلية، ويجتمعون بعيدا عن السياسة والعشائرية أمام الشاشات حين يتابعون منتخبهم الوطني.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

758 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع