موصلي عُرف ببغداد.. عربي عَرّف العالم الفن و"الإتيكيت"

        

               زرياب.. رجل تعددت مواهبه

إسطنبول - الخليج أونلاين (خاص):تنتشر أكاديميات ومعاهد في شتى بقاع الأرض لتعليم الفنون الموسيقية، من عزف وغناء، وأخرى تعلم فن "الأتيكيت" كما أن لدور الأزياء أهمية بالغة عالمياً، وأيضاً يهتم العالم بآخر قصات الشعر.

ويجهل كثير من الناس ممَّن يهتمون بتفاصيل دقيقة عن الفنون الموسيقية، والمهتمين بلباقة التعامل مع تفاصيل الحياة اليومية، والاعتناء بمظاهرهم، أن ممثلاً لتألق الثقافة العربية في بغداد الرشيد هو من جعلهم يتعرفون إلى ما هم يعجبون به اليوم أشد العجب.

ذلك هو "زرياب" الرجل المتعدد المواهب، الذي اشتهر كموسيقي ذي صوت جميل، جعله يصل إلى سلاطين زمانه، ويعجبون به، حتى تمكن من وضع ملامح ثقافية أعجبت الشعوب، فضلاً عن موسيقاه التي كانت بداية لتأسيس ثقافات موسيقية صارت تتميز بها بلدان عن غيرها.

تفيد المعلومات الموثقة عن زرياب أن اسمه "أبو الحسن علي بن نافع"، وأنه ولد بأرض العراق في الموصل ونشأ في بغداد، وتمتد فترة حياته بين "789 - 857 للميلاد" و"173 - 243 للهجرة".

أمَّا زرياب فأطلق عليه لجمال صوته، وسواد بشرته؛ إذ إن زرياباً اسم طائر أسود عذب الصوت.

زرياب الذي عُرف بذكائه وفطنته، أيقن أن حياته في خطر إن بقي في بغداد، بسبب حسد أستاذه له، فهاجر متوجهاً إلى الأندلس.

وفي الأندلس، كان الخليفة هناك عبد الرحمن الثاني الذي ما إن سمع زرياباً حتى شغف به، وقربه إليه وأصبح نديمه ومن أقرب الناس إليه. وعندما اشتهر زرياب في الأندلس وتمركز فيها لُقب بالقرطبي؛ إذ بدأ نشاطه في مدينة قرطبة، حيث أسس دار المدنيات للغناء والموسيقى، وكانت تضم أبناءه الثمانية وابنتيه إضافة إلى عدد آخر من المغنين. وتعتبر هذه أول مدرسة أسست لتعليم علم الموسيقى والغناء وأساليبها وقواعدها.

لم يكن زرياب مجرد عبقري في المجال الموسيقي، ومجرد ملحن ومغنٍّ بارع فقط، فلقد كان شاعراً مُجيداً، وعالماً ملمّاً بمختلف ألوان العلوم والمعرفة والآداب، حيث إنه كان فلكياً عارفاً بالنجوم ومطّلعاً على جغرافية الأرض والبلدان.

وكان أيضاً متعمقاً في التاريخ وفي أخبار الملوك والأمراء، فكان موسوعة متنقلة، وهذا ساعده لأن يقدم العديد من الإسهامات ويعمل الكثير من التجديدات في مختلف المجالات والفروع.

زرياب الذي عاش في بغداد، حاضرة الخلافة العباسية، التي كانت في أوج بهائها وعظمتها وتطورها، نقل أجمل ما فيها من أقمشة وأزياء عرفها في بيوت الأمراء وعلية القوم إلى بيوت النبلاء في الأندلس حتى انتشرت لاحقاً.

وتذكر كتب التاريخ كثيراً من الأفضال لزرياب على بلاد الأندلس، وتنسب إليه أنه ارتقى بالذوق العام فيها، حيث وصفه الرجال والنساء بأنه الرجل المهذب في كلامه وطعامه، وأنه كان يلفت الأنظار إلى طريقته في الكلام.

ويعتقد بأن لزرياب الفضل في تعريف أوروبا بوجبات الطعام الثلاثية الأطباق؛ بدءاً بالحساء، يليه الطبق الرئيسي من اللحم أو السمك أو الطيور، والختام بالفاكهة والمكسرات.

وكانت له طقوسه في الجلوس إلى المائدة أيضاً، وأعجب الناس بتلك الطقوس، وكيف كان يأكل على مهل ويمضغ ويتحدث ويشرب بأناقة، وكان يضع على مائدته الكثير من المناديل؛ ويخصص بعضها لليدين وبعضها للشفتين، وبعضها للجبهة وللعنق، وهو أول من لفت أنظار النساء إلى وجوب اختلاف لون وحجم مناديلهن، منبهاً إلى أن تكون معطرة أيضاً.

فكانت لمساته السحرية والإبداعية تلك أساساً لتعلم الناس إعداد مائدة أنيقة للطعام وتنظيمها، واستخدام أكواب وصحون من الزجاج بدلاً من التي كانت تُصنع من المعادن؛ لأنها أكثر أناقة وأسهل تنظيفاً.

وله أيضاً الفضل في ابتكار تصاميم وأزياء وسعت من خيارات تصاميم الملابس وتطورها، فقد تخير زرياب البساطة والتناسق والرشاقة، وهو ما اعتمده الناس في الأندلس، وكان الأساس لكثير من دور الأزياء العالمية لاحقاً.

ومنه تعليم الناس أناقة الملبس وتنويعه بين أوقات اليوم صباحاً ومساءً، وبين الفصول الأربعة وتقلبات الجو المختلفة، كلبس الثياب الخفيفة القاتمة الألوان في الربيع، والملابس البيضاء في الصيف، والمعاطف والقبعات التي من الفرو في الشتاء.

وهو الذي علّمهم فن التجميل والعناية بالبشرة ونظافة الجسد والبدن، حيث يعد أوّل من استخدم مساحيق ومركبات لإزالة رائحة العرق.

ويُعتقد أنه أول من استخدم ما يشبه معجون الأسنان الآن في تنظيف أسنانه، دون أن يُعرف إلى الآن محتوياتها.

وزرياب أيضاً هو من أدخل قصات وتسريحات شعر مختلفة لكلا الجنسين لم يكن يعرفها الأندلسيون من قبل، بعد أن طبقها في البداية على نفسه وأهله، ليعجب بها أهالي الأندلس فيما بعد؛ لمّا رأوها أنيقة وتضفي على الشخص جمالاً.

وله الفضل بتعريف الغرب بالشطرنج، حين نقلها إلى الأندلس ومنها إلى أوروبا، و(الشاه مات) بالعربية ما زالت مستخدمة في أوروبا والعالم إلى اليوم "Shah Mat".

وهو مؤسس أول معهد للموسيقى في العالم، بمدينة قرطبة.

ويعتبر زرياب السبب في اختراع الموشح لأنه عمم طريقة الغناء على أصول النوبة، وكانت هذه الطريقة هي السبب في اختراع الموشح، وقد أدخل زرياب على فن الغناء والموسيقى في الأندلس تحسينات كثيرة، وأهم هذه التحسينات أن جعل أوتار العود خمسة بعد أن كانت أربعة.

وأضاف زرياب مقامات موسيقية كثيرة لم تكن معروفة قبله، وجعل مضراب العود من ريش النسر بدلاً من الخشب، وابتكر افتتاح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر، وهو أول من وضع قواعد لتعليم الغناء للمبتدئين.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

726 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع