أسماك الزينة في العراق.. علاج نفسي وحماية للشباب من الشارع

            

لم تعد تربية أسماك الزينة في البيوت العراقية هذه الأيام ترفا بل أضحت الوسيلة الأكثر نجاعة في شد الأطفال والشباب وإبقائهم أطول فترة ممكنة بالبيوت في ظل الاضطرابات الأمنية التي تعيش البلاد على وقعها ويزداد معها قلق العائلات المستمر على سلامة أبنائها في حال خرجوا للشوارع.

العرب فيصل عبدالحسن/بغداد - تتطلب تربية أسماك الزينة التي أصبحت هواية ممتعة لدى العديد من العراقيين وقتا طويلا للاعتناء بها وتجهيز البيئة الاصطناعية التي تعيش فيها. فمن خلال هذه الهواية الجديدة يرابط الأطفال والشباب ببيوتهم لفترة طويلة في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها العراق، حيث تؤمن هذه الهواية للأم والأب بقاء أبنائهما في البيت.

وتعيش أغلب العائلات العراقية منذ سنوات على وقع رعب الانفجارات والذكريات المريرة عن شباب وأطفال سقطوا ضحايا هذه الحوادث في الشوارع وبقيت عائلاتهم تبحث عن جثثهم وما تبقى منهم في المستشفيات والطب العدلي.

                   

وفي “سوق الغزل” وسط العاصمة بغداد، الذي يشتهر ببيع أصناف عديدة من الحيوانات الأليفة وأسماك الزينة، يجد الآباء والأمهات العراقيون ملاذهم بإتاحة الفرصة لأبنائهم حتى يتعرفوا على الحيوانات ويشترونها لتربيتها في المنزل. وتعرض في سوق الغزل حيوانات مختلفة ومتنوعة كالقطط والكلاب والطيور والغزلان والقردة. وبالرغم من أن السوق تعرض للعديد من التفجيرات في السنوات 2006 و2007 و2008 راح ضحيتها العديد من الأفراد وجرح المئات، فإن العراقيين لم ينصرفوا عن زيارته خصوصا أيام الجمعة، إذ ينافس سوق الغزل شارع المتنبي الشهير بكتبه في عدد زواره.

ويقول الطالب الجامعي عمر (20 عاما) “لا جمعة تمضي من دون أن أزور سوق الغزل للبحث عن أنواع جديدة من أسماك الزينة التي تم استيرادها نظرا لكونها زهيدة الثمن وجذابة الألوان لأضيفها إلى المجموعة التي أقوم بتربيها في قفص زجاجي”.

ويؤكد عمر أنه ليس الوحيد في العائلة الذي يحب هذه الهواية، فأخته هند (20 سنة) كذلك من محبي تربية أسماك الزينة. وأضاف عمر “أختي هند تفضل تربية الأنواع النادرة كـ’سلفر دولار’ (الدولار الفضي) و’فايف كلور’ (خمسة ألوان) و’أنجل’ (الطائر)، بينما أنا أفضل تربية الأنواع الشائعة مثل ‘غولد فش’ (السمكة الذهبية) كونها جميلة جدا وحين أتأملها في الحوض وهي تسبح أشعر براحة واطمئنان وهدوء البال”.

وأوضح أن “ثمن تلك الأسماك الجميلة زهيد، حيث يبلغ ثمن كل 4 أسماك ‘غولد فش’ 4 آلاف دينار (3.5 دولارات)، أما أسماك ‘سرتيل’ المزينة بالألوان الحمراء والبيضاء والبنفسجي والأسود فثمنها غال نسبيا، حيث يتراوح بين 15 و20 ألف دينار (من 12 إلى 18 دولارا)”.

ويشعر عمر بالسعادة يوميا عندما يمضي وقته وهو ينظّف الحوض الزجاجي حتى يعيده إلى مكانه لاستقبال أصناف جديدة من أسماك الزينة. ويقول إن “الحوض الذي يمتلكه كبير نسبيا ويتطلب تنظيفه وقتا وجهدا لأن تركه دون تنظيف لفترة طويلة سيؤدي إلى انتشار غمامة ضبابية تكاد تنعدم معها رؤية الأسماك ومتابعة حركتها وهي تبحث عن الطعام، والسبب في هذه الغمامة وجود فضلات الأسماك وبقايا طعامها الذي نضعه يوميا لها”.

ويقول فضل مهدي (40 سنة)، صاحب محل لبيع أسماك الزينة، إن “الحجم المستعمل لحوض أسماك الزينة يكون بحسب المكان الذي يوضع فيه من البيت. ويفضل أن يكون في مكان بعيد عن ضوء الشمس كي لا تغيّر حرارة الشمس درجة حرارة الماء فيؤدي ذلك إلى موت الأسماك”.

ويفضل مهدي أن يكون حجم الحوض صغيرا للمبتدئين لسهولة تنظيفه ولكي يكون وزنه معقولا أيضا ويسهل تحريكه عند الضرورة. ويوضح أن “سعر الحوض يتجاوز 25 ألف دينار (21 دولارا) وكلما كان الحوض كبير الحجم كلما ارتفع سعره حتى يصل سعر الحجم الكبير إلى 100 ألف دينار وأكثر. كما أن الأسماك مختلفة الأسعار ويتراوح سعر بعضها بين 23 و45 وقد يصل إلى 65 ألف دينار (بين 20 و40 وأحيانا 60 دولارا للواحدة)”.

ويقول أحمد جواد (50 سنة)، صاحب محل لبيع طعام الأسماك وبعض معدات زينة الأحواض، “نبيع عبوات طعام الأسماك بحسب وزن كل عبوة أما مكوناتها فتجمع بين الفيتامينات والمواد الغذائية المحفوظة التي تكون في العادة مكونة من البروتين الحيواني وبيض الدجاج والحبوب البقلية وحبوب الذرة ودهون الأسماك وخضروات مهروسة ومجففة كالبقدونس واللهانة”.

ويوضح أن “قطعة من الطعام من 5 إلى 10 غرامات تكفي لكل سمكة صغيرة لمدة يوم وتوجد لدينا عبوات بحسب الوزن يتراوح ثمنها من 1000 إلى 8000 دينار (بين 1 و12 دولارا)”.

ويضيف جواد “عملية البيع لم تعد كما كانت قبل سنوات، فقد انتشرت في بغداد والمحافظات العراقية محلات بيع أسماك الزينة ولوازمها يتم جلبها من مزارع أسماك تخصصت في تربية الفقسيات المستوردة من الخارج والعمل على تكثيرها في أحواض مائية كبيرة كما في بغداد ومحافظات الحلة وكربلاء والنجف والبصرة وميسان”.

وبدأ سوق الغزل في بغداد يفقد تفرده ببيع أسماك الزينة ولوازمها كما كان قبل سنوات، حيث انتشرت محلات بيع الأسماك ومستلزمات تربيتها في العديد من المحافظات العراقية الأخرى.

محمد دخيل (18 عاما) جاء مع ثلاثة من أصحابه وهم في سنه تقريبا وأربعتهم يبحثون عن نوع آخر من أسماك الزينة أطلق عليه محمد ضاحكا اسم “السمك الشرير”.

دخيل يقول “اهتمامي بتربية أسماك الزينة بدأ منذ أكثر من سنة ولدي مختلف أنواع الأسماك مثل ‘الريد كاب’ و’كات فيش’ و’تترا’ و’سوورت تيل’ و’غولد فيش’. لكن اليوم جئت مع أصدقائي للبحث عن سمك زينة مقاتل يدعى ‘فايتر’ (السمك الشرير)”.

ويوضح دخيل أن ذكر “السمك الشرير” لا يسمح بوجود ذكر آخر من نوعه يعيش معه في نفس الحوض، فيقاتله حتى الموت. ويتميز هذا النوع من السمك بألوان جذابة وجميلة جدا، كاللون الأزرق والأخضر والأحمر. ويوجد نوع نادر منه باللون الأصفر وهو غال، حيث يصل سعر الواحد منه إلى مئة ألف دينار (85 دولارا). ويمضي دخيل في طريقه ليتفرس بأحواض الأسماك ويناقش أصدقاءه.

ويقول سمير خيري، الباحث في مركز متحف التاريخ الطبيعي العراقي بجامعة البصرة، إن “تربية أسماك الزينة في البيوت العراقية لا تزال للأسف دون إحاطة ومعرفة حقيقية بها. الكثير من هذه الأسماك تموت بعد فترة قصيرة لدى مقتنيها بسبب الجهل بشروط تربيتها. فعلى سبيل المثال أي زيادة في الطعام اليومي للأسماك تؤدي إلى قتلها وتلوث الحوض ونمو فطريات مضرة بالأسماك”.

ويوضح خيري أن “أمراضا عديدة تصيب هذه الأسماك في غياب الوقاية منها كالبثور والنقطة البيضاء والفلاك، حيث تفقد الأسماك ألوانها والاستسقاء والإمساك من الأمراض القاتلة تتطلب أدوية خاصة للعلاج وعناية في التربية منذ تفقيسها إلى غاية وضعها في حوض الزينة في البيت”.

ويضيف أنه “من الجيد أن يتم تبادل المعلومات بين مربي أسماك الزينة، وأنا من متابعي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعنوان ‘هواة أسماك الزينة البصرة العراق’ وأقرأ تبادل المعلومات بين أصحاب هذه الهواية الحضارية. وفي مرات كثيرة أصحح لهم بعض المعلومات المغلوطة وأصف لهم بعض العلاجات لأمراض بعينها”.

وينظر خيري إلى الأفق البعيد ويقول “هذه الهواية تجعلنا نرى حيوانات جميلة، متحركة بانسيابية، ونمتّع أبصارنا بألوانها كما أَّنها يمكن أن تكون مصدرا لموارد مالية لمن يعنى بتربيتها وتكثيرها وبيع الفائض منها لمحبي هذه الهواية. وبعض الأنواع من الأسماك يتراوح سعر الواحدة منها بين 150 و300 ألف دينار (بين 115 و280 دولارا)”.

ويقول الباحث في علم النفس عبدالكريم عطا حول فوائد تربية أسماك الزينة النفسية “لا ريب أن تربية أسماك الزينة في العراق وفي الدول العربية التي تواجه تحديات أمنية وتقع على خط النار وغير المستقرة اجتماعيا واقتصاديا، تعتبر من الهوايات النافعة للتنفيس عن الكرب الذي يشعر به المراهق وحتى الشاب الناضج. لما في هذه الهواية من انشغال حقيقي عن العالم الخارجي وانقطاع شبه تام عن التفكير بما سيحصل في الغد. ألوان الأسماك وحركتها الدؤوبة وهي تبحث عن طعامها وحتى أشكالها، تعطي الفتى المراهق رؤية عميقة للفرح وتبعث فيه الشعور بالسعادة في الحياة. وهذا في علم النفس يعني الكثير في هكذا مرحلة عمرية”.

ويضيف عطا “نصحت عددا من مرضى الاكتئاب النفسي الذين أتابع علاجهم بأن يمارسوا هواية تربية أسماك الزينة لما فيها من جمالية تبهج الإنسان وتجعله أكثر تفاؤلا. مع العلم أن أكثر العراقيين للأسف يعانون من مرض الكآبة. وأعرف أطباء نفسانيين عراقيين مصابين أيضا بالكآبة الشديدة. وأي هواية أو وسيلة لإشغال المريض بما هو نافع كتربية الطيور أو أسماك الزينة أو غيرها من حيوانات من شأنها أن تمنح المريض فرصة في حب الحياة والتمسك بها”.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1118 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع