المهاويل يحيون مناسبات الفرح والحزن في جنوب العراق

    

 المهاويل يحيون مناسبات الفرح والحزن في جنوب العراق

تاريخ حافل يميّز المهوال (اسم على مسمى مؤديه) كتراث عربي أصيل امتد لفترات طويلة وأضحى ضاربا في القدم، ولأهازيجه التي تسمّى “هوسات” مكانة خاصة لدى العشائر العراقية في مدح ورثاء الشخصيات المجتمعية البارزة، وكان المهوال يرافق المقاتلين في الحروب لرفع معنوياتهم وبث الحماسة في صفوفهم، كما يحضر هؤلاء في كل مناسبات الفرح والحزن.

العرب/ميسان (العراق) - ظهرت في السنوات الأخيرة شخصيات تقوم بمدح الأحياء والأموات من شيوخ العشائر والشخصيات العادية أثناء حفلات الزفاف ومراسم تأبين الموتى من الشخصيات الاجتماعية مثل زعماء القبائل وغيرهم، ويطلق الناس على هؤلاء المداحين تسمية “المهوال”، وعادة ما يؤلف ما يدعى بـ”الهوسة” ويجمع الآخرين حوله ليرددوا معه ما يقول.

وتعدّ الهوسات من العناصر المهمة في إثارة الهمم وإيقاظ العزائم وشحن القوة للرجال، فهي تثير الحمية والنخوة في السامعين وقد يساوي تأثيرها النفسي ما يساويه السلاح في أيدي الرجال.

وخير شاهد على تأثير الهوسات في همم وشجاعة الرجال تجلى في ثورة العشرين التي كان لها المردود الإيجابي في شحذ الهمم وإثارة الحماس للهجوم على الغزاة الإنكليز.

الشعر بمقامات عراقية

تكتب الهوسات بأوزان الشعر الشعبي كافة كالموشح والنصاري والتجلية، ولا تزيد أبياتها على ثلاثة يختتمها بالهوسة التي يجب أن تكون على تفعيلة الخبب لكي يؤدي المجتمعون مع المهوال الحركات التي تتواءم مع أهزوجته، وتتخلل الأهزوجة حركات راقصة تسمى ‘الردسة” يؤديها الرجال، فيضربون أقدامهم بقوة بالأرض ويقفزون بسرعة مع تحريك أيديهم فوق رؤوسهم.


ويتبوأ عدي الكعبي (37 عاما) مكانة جيدة بين المداحين أو المهاويل في ميسان، وهو رئيس رابطة مهاويل المحافظة، يقول إنه اعتاد على إلقاء الشعر بمقامات عراقية أصيلة ومؤثرة في المناسبات وخصوصا الحزينة، فهو يستخدم أبيات الشعر الشعبي الحماسية لإثارة تعاطف الناس.

وغالبا ما يتميّز المهوال بقدرته على الإلقاء الحماسي في مختلف المناسبات، فهو يبرع في مدح القبائل والوجهاء في مختلف المناسبات لينال استحسانهم وعطاءهم ويحصل على مبالغ مجزية لقاء مدحه تلك الشخصيات.

وبالرغم من أن ظاهرة التكسّب ليست حديثة، إذ اشتهر العديد من الشعراء في التاريخ العربي القديم بتقرّبهم من الولاة والسلاطين ومدحهم بأبيات شعرية لقاء حصولهم على الأموال والهدايا الثمينة، لكن الاختلاف بين الشعراء المذكورين والمهوال هو أن الأخير يلقي شعره باللغة الجنوبية الدارجة مستخدما الشعر الشعبي.

وهناك مناسبات عدة تستقطب المهوال منها “العراضة”، أي توديع شيخ العشيرة في مراسم خاصة بعد موته يستخدم فيها الرصاص الحي الذي يطلق في الهواء و”الزفة” أي حفلات الزفاف التقليدية التي تتم باستعراض العروسين في الشوارع العامة احتفالا بهما.

والمهاويل لا يختصون فقط بتلك المناسبات، حيث يطلق الكثير منهم أهازيج وقصائد حول خيانة الصديق والشجاعة لدى بعض الرجال، بل إن بعضهم تعدى الأمر لإطلاق أهازيج حول السياسة.

ومن المهاويل الذين اشتهروا بتوجيه رسائل سياسية المهوال عاشور الأسدي، الذي خاطب البرلمان العراقي بأهزوجة خاصة وصف فيها وضع العراقيين في ظل البرلمان المنتخب.

وتملك بعض العشائر مهوالا خاصا بها تتباهى به بين العشائر في تلك المناسبات، وغالبا ما يتولى قيادة مجموعة من الشعراء الشعبيين من أبناء مهنته ويردد الأهازيج معهم.

والمهوال عادة ما يتصف بصفات عديدة أهمها سرعة البديهة والجرأة، كما يجب أن يكون مطلعا وذا معرفة واسعة بنوع العلاقات بين العشائر، إضافة إلى معرفته العميقة جدا بتاريخ عشيرته نفسها كي يستطيع إبراز أفضل ما فيها والتعريف بها على أفضل وجه، هذا إضافة بالطبع إلى الدور الحماسي الذي يؤديه على صعيد تعبئة أبناء العشيرة من خلال الأهازيج التي يرددها.

المهوال علي سامي يقول إن أسماء لامعة لشعراء شعبيين ومهاويل مرت في تاريخ الأهازيج الشعبية كما أن تاريخ القبائل العراقية خلّد البعض من كبار المهاويل الذين نظموا الشعر وحفظوه ورددوه في مآثر العشائر ومناسباتها، كما اقتصر بعضهم على نظم الشعر لعشيرته وذكر مآثرها في المناسبات العامة والخاصة.


مهاويل شباب

وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة ترديد الشعر والأهازيج في مناطق الجنوب مع هيمنة سلطة العشائر على الحياة الاجتماعية وظهور العشرات من المهاويل الذين استقطبوا جمهورا خاصا من الشباب، ما دفع جمعية الشعراء الشعبيين إلى إنشاء رابطة خاصة بالمهاويل.

الشاعر إسماعيل الموسوي يقول “التف حول المهاويل جمهور ومعجبون يتتبعونهم في كل مناسبة لسماع أهازيجهم والتقاط الصور معهم، كما انتشرت أشرطة الفيديو على صفحات الإنترنت لعدد من مهاويل ميسان وبعض المحافظات الأخرى والتي يتناقلها الشباب ويدمنون سماعها”.

ويقول أحمد عريبي، وهو صاحب محل لبيع أجهزة الموبايل، إن “هناك انتشارا كبيرا لمقاطع الفيديو الخاصة بمهاويل ميسان، فلا يمر يوم دون أن نتلقى طلبات لتحميل تلك الأهازيج على الهواتف أو شراء الأقراص المدمجة التي تستخدم في السيارات”.

ويتقاضى المهاويل مبالغ مالية عن كل مناسبة ويتباين ما يحصلون عليه بحسب الشهرة، لكن معدل ما يكسبه المهوال بشكل عام يناهز 400 دولار في كل مناسبة، يأتي بعضها على شكل هبات من الحضور، إذ يتعمّد المهوال مدح بعض الوجهاء والشيوخ والسياسيين من الحضور بقصد الحصول على المال.

ويربط المهوال عدي الكعبي الشعر والمدح الحالي بالتراث القديم الذي تعود أصوله إلى شعراء اللغة العربية الكبار قبل الإسلام وبعده، مبيّنا أن “الشعراء العرب استخدموا الهجاء لذمّ خصومهم مثلما استخدموا المديح. أما اليوم فيحاول معظم المهاويل الابتعاد عن الذم والنقد تجنّبا لإثارة المشكلات، وعادة ما نتولى الرد على بعض التجاوزات التي تحصل في مناسبات خاصة كالفصول العشائرية وحل النزاعات أو حين يتفاخر شاعر ما بمآثر قبيلته فيكون الرد شعرا بطريقة المساجلة”.

ويبدو أن مشاركة المهاويل لم تعد تقتصر على مجالس العزاء أو الأعراس فقط، ولكن يتم استدعاؤهم أيضا في المناسبات الأخرى كإخلاء سبيل معتقل أو عودة الحجاج أو استقبال شخصية سياسية أو في بعض المهرجانات.

ولا يحتاج المهوال لدراسة الشعر، فبعضهم لا يجيد القراءة ولا الكتابة لكنه حظي بملكة الحفظ والنظم.

المهوال حيدر الكعبي (36 عاما) يعمل فلاحا لكنه يحفظ الشعر عند سماعه مرة واحدة ويصف ذلك بالولع قائلا “جعلني الولع بفن الشعر الشعبي أحفظ كل شيء وأسير في أثر الشعراء الكبار إذ كان جدي أحد المهاويل المعروفين على مستوى جنوب العراق، فأخذت عنه محبة الشعر وحفظه وتعلم المقامات وأدائها”.

غير أن ظاهرة المهاويل تواجه بالنقد من بعض شيوخ العشائر بسبب تجاوز المديح للحدود المعقولة ووصف الأشخاص بصفات لا يملكونها.

ويقول عمار العلي وهو شيخ عشيرة إن “هناك مديحا يفوق الواقع وغير منصف، فالمهوال عادة ما يتواجد في كل المحافل العشائرية ويمدح هذا ويرفع من شأن ذاك من أجل المال، وهو ما يتنافى مع الحقيقة لأن من مدحهم قد لا يستحقون الثناء”.

تفاخر بالعشيرة

يفسّرعبدالمحسن العقابي، وهو كاتب ومؤرخ، بروز وانتشار المهاويل بالنتاج التراكمي لاستفحال العشائر أو الطبقة العشائرية على سلطة الدولة وتعاليها على القانون خلال العقود السابقة ويقول إن “التمجيد والتعظيم يولّدان تفاخرا وزهوا لا مبرر حقيقيا لهما بين أبناء القبيلة، ما أنتج نزاعات دموية وتشددا وصراعات بين أبناء المدينة الواحدة”.

وبالرغم من تلك الانتقادات فإن المهاويل استطاعوا تطوير فن الأهزوجة الشعبية من خلال التنويع في طرق الإلقاء والاعتماد على التناوب، فترى ثلاثة منهم يتغنون ويتبادلون الأهازيج ويتلاعبون بالمقامات في المحافل والمناسبات الكبيرة، وهي أساليب لم تكن سائدة سابقا، فيما وجد بعض الشعراء ضالتهم في كتابة قصائد المناسبات وإطلاقها على ألسنة المهاويل كسبا للشهرة والمال.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1187 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع