بيت المدى يُؤبِّن التشكيلي راكان دبدوب..رسم الحياة لوحات جمال ومحبّة.. ورحل

                                  

زينب المشّاط:عاش حياتهُ كمرآةٍ يعكسُ الشطر الاول من تاريخ مدينته " الموصل "، تتجلى كبرياءً وتضوعُ جملاً، تبثُ روح الألق، والرومانسية، والحنين في كل ما حولها، كذلك كان هو، من خلال ما قدمهُ من لوحات تحمل الذاكرة التي يطليها النسيان، والحزن الذي يتوّجه الجمال، والألم الذي يعلوه الكبرياء، رحل مُشاطراً مدينته ذات الشبه، حيث تقاسما الوجع، والخوف، اللذين احتضنا الأمل حتى غفوتهما الأخيرة، لتشرئبُ روحهُ ويبقى جسده طائفا في نواحي المدينة و دروبها، يُقبّل آثارها المتهالكة، والمدمرة، ويمسح عن وجهها الدموع التي ما وجدت من يمسحها ويواسيها، ويشجع أبطالاً يُزفّون كل يوم في بدلاتٍ عسكرية وبزغاريد  متباكية، باحثين عن النصر وسط الكثير من الهزائم...


لم يكُن درسُ الفن " التشكيل والفوتوغراف" وحده الذي يجب أن نتعلمه من الراحل راكان دبدوب، بل هنالك درسٌ أعمق، كان يتوجب على الجميع الاستفادة منه، وهو الانتماء، للمدينة رغم دمارها، وللوطن رغم خذلانه لنا، للدماء التي نزفت حتى نحيا بسلام، للأرض والتراب، للهواء وإن كان ملوثاً بأنفاسنا، لأشياء كثيرة موجعة.... حتى أنها تصرخ وجعاً رغم صمتهما . راكان دبدوب لم يرسم أعظم لوحاته في حياته، بل رسمها برحيله في 12 شباط 2017، مُلخّصاً بذلك أعظم بانوراما تُعبّر عن الانتماء لهذا الوطن وإن كان خرباً..
وما كان منّا إلا أن نؤبّن مغادري هذه الحياة، فنحن لم نسعفهم بمنحنا الحب لهم ، حين كانوا أحياءً، ليؤبَّن دبدوب صباح يوم الجمعة في بيت المدى في شارع المتنبي، خلال جلسة حضرها زخم من المثقفين والتشكيليين والنقاد.

المرأة والمدينة في لوحات دبدوب
المدينة الاصيلة لم تُخلّف سوى الأصلاء، بهذه الكلمة تمتم الناقد حسن عبد الحميد خلال كلمته التي افتتح بها الجلسة وقال " حيث تواجه المدينة أقسى اختباراتها في الدفاع عن الجود والموجود، كان الفنان التشكيلي راكان دبدوب يصارع الموت، مدافعاً عن انتمائه لهذه المدينة."
 الفنان التشكيلي راكان عبد العزيز عبد المجيد آل دبدوب المولود في أيار 29، عام 1941، كان رساماً ونحاتاً ومصوراً فوتوغرافياً،ليغادر الحياة إثر مرض عضال  في شباط 2017، تاركاً خلفه جمالاً يتجسد بأعماله الفنية، وانتماءً متجسداً بمواقفه.
عن إمكاناته الفنية يتحدث عبد الحميد قائلاً" استطاع دبدوب التعامل مع لوحاته بجدّيّة عالية، ذلك انه كان منهمكاً بالعمل الفني، وقد لفتني شيء مهم، حين كُنت أقرأ عن أعمال دبدوب، فكما كان ماركيز يفرض أسلوبه في صناعة الرواية، راودني ذات الإحساس في ما يخص راكان دبدوب، الذي لم يمثّل مدرسة معينة بحدّ ذاتها، وعكس أسلوبه الخاص الذي استطاع ان يجمع فيه بين المدينة والمرأة."

في لوحاته(الولادة، الحياة، الموت)
المدينة كانت الجوهرة التي يبحث عنها في أعماله، فهنالك ثلاث مدن شكلتها ثلاث من لوحات دبدوب، يقول المخرج المسرحي صلاح القصب" إن هذه اللوحات الثلاث ارتكزت لتبحث عن العالم الذي يحلم به الإنسان والضفاف الآمنة، هذه هي اللوحات المهمة الخالدة التي خلدتها رؤى راكان دبدوب، من الذي سيدخل تلك المدن الحالمة، ومتى ستفتح أبوابها الذهبية كي نرى الحلم كموج متحرك؟".
 رحلة الفنان الراحل في مسارات تجربته اعتمدت على الاحتفاظ بتوازن دقيق بين التراكمات الفكرية والعاطفية التي استمدها من ترددات الطبيعة ومن الموج الاجتماعي الذي تركز فيه، فيرى القصب أن " دراسة دبدوب للمحيط اللوني اعتمدت مساحات الكتلة، ومدى تعامله مع فضاءات اللوحة، لأن الفراغ في جسات أعماله الفنية طاقة تشغل كل المسافات بين المنحنيات التجريبية، والفضاءات اللونية."
 كانت رحتله مع عنصري الزمن والمكان في تكوين أعماله، رحلة تأملية في تكوين اللوحة، كفنان فاعل من جهة، وذي علاقة بالطبيعة كمفهوم علمي من جهة أخرى ليحقق فكرة ما بموضوعية معطياً صوراً ذات مفاهيم جمالية.
ويشير القصب لأعمال راكان دبدوب قائلاً " إنه يمثل  حركة لتاريخ مستمر لايتوقف ،لا وجود لبداية ووسط ونهاية، وهذا الاسلوب يعاكس مفهوم الكلاسيكية  ، حيث وجود "بداية ووسط ونهاية"، تقابلها " الولادة والحياة والموت"، فالتشكيل يركب كمفكر لبنية العمل الفني جمالياً وفلسفياً وموضوعياً ، في دائرة ترددها صيرورة متجددة باستمرار."
اقترب الفنان راكان دبدوب من جيل الاساتذة الذين شكلوا  الريادة للموجة التشكيلية العراقية، وأراد ان يعطي تعريفا مغايراً لما يعرف بالكلاسيكية  من خلال رسم العلاقة بين الحاضر والماضي، والتراث التاريخي، فاعتمد موج الكتلة وترددها وكثافتها، وقد أشرت أعماله الى صورة كلاسيكية واضحة للمظهر والشكل الداخلي، كما اعتمدت تجاربه كطاقة للفن محتفظة بتوازن ما بين الحسية والحقول الاجتماعية ،وبذلك أراد للفن البقاء والتواصل.

 أسلوب راكان دبدوب
الجلسة ضجت بعدد كبير من الحاضرين غير المتوقع، وشهدت الكثير من النقاشات، من بينها ورقة نقاشية للناقد جواد الزيدي ، الذي تأسف على غياب الدور الفعال للنقد في مجال الفن التشكيلي، ويذكر الزيدي" أن راكان دبدوب يمثل احد الاسماء المهمة في مجال التشكيل، إلا أن المشكلة الاكبر في هذا المجال هي إهمال نقد أعمال راكان دبدوب، حيث لاتوجد دراسات كثييرة للفنان الذي أنجز أهم التجارب التشكيلية كماً ونوعاً."
ولم يكُن ذكر الزيدي للكم والنوع في أعمال دبدوب محض كلام، فقد أقام راكان دبدوب مايقارب 36 معرضاً تشكيلياً في حياته، وبهذا يكون قد حطم رقماً قياسياً في تأريخ الفن التشكيلي بشكل عام في مجال إقامة المعارض التشكيلية.
يشير الزيدي مُتأثراً " في هذا الاسبوع شهدنا خسارتين إحداهما رحيل وجيه نحلة واحد من أهم الحرفيين، والثانية خسارة راكان دبدوب، الذي يعد واحداً من أهم أعلام الثقافة العراقية في مجال التشكيل."
 هنالك جماعات ثقافية رغم أنهم لم يتحدثوا عن ذواتهم إلا أنهم أسهموا في تطوير الثقافة العراقية، ومن بينهم راكان دبدوب الذي يطغى  على أعماله طابع الوجودية والقلق الوجودي الذي  ينعكس أيضاً على شخصيته.
  ويشير الزيدي"إلى  أن  في لوحات  راكان دبدوب هنالك تداخل جناسي ونجد حسية الكرافيك وملامح النحت وتقنيات الرسم وحتى الفوتوغراف، وهذا من خلال تجربتنا الذاتية والشخصية ، فالفنان المختص في جنس سيتأثر في تجربته وفي لوحته المرسومة،  لذلك يقول البعض إن الفنان يرسم بملامح موجودة في اللوجة وهو جزء من آلية اللوحة التشكيلية على الرغم من شفافيتها ومن الحسية التي لم تصنف  على اتجاهات ومدارس فنية، فالبعض يقول عن الأسلوب الذي يتبعه دبدوب، تعبيري والبعض يقول تكعيبي وهذا جزء من الازمة الداخلية التي لا تمكث عند أسلوب معين، فهو مشتغل على أعماله التي يصيرها على أساس انطباعي وتعبيري وبعضها تجريبي وحاول أن يُزاوج بين هذه الاتجاهات،  وقد اشتغل بحفريات داخل التجربة العراقية لا يمكن مناقشتها ضمن ندوة سريعة."

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

904 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع