السيجارة تؤشر إلى سطوة الجهاديين أو تراخيهم في الموصل

                               


موصليون يخفون السجائر ولا يدخنون الا ليلا وفي المنازل، والخوف من الجَلد يعيدهم الى السبيل والمزبن.
 ميدل ايست أونلاين/برلين:بدا المتهم بالتدخين مستسلماً لحظّه العاثر وهو يسير معصوب العينين تقوده مجموعة من عناصر الدولة الاسلامية وسط حشد فضولي من الناس أتوا لمشاهدة تنفيذ عقوبة المخالف وسط باب الطوب في قلب مدينة الموصل.

جثا زياد على ركبتيه غير آبهٍ بسخونة أسفلت الشارع أو اليدين القويتين اللتين تقبضان على كتفيه لإبقاء جسده مستقيماً ناحية الجمهور، إذ سمع من جهته اليمنى صوتاً خشناً يعلن عن إدانته بحيازة المحرمات ومخالفة أحكام السماء وأوامرها وذلك بعد أن ضُبطت بحوزته علبة سجائر وولاعة.
التفت الرجل لا إرادياً إلى الجهة اليمنى وكأنه يريد أن يظهر لمصدر الصوت ابتسامته الساخرة غير أن كتفه اليمنى دفعت بقوة والصوت صار أكثر ارتفاعا وحدّةً وهو يعلن قرار المحكمة الشرعية القاضي بجلده 40 جلدة عن علبة السجائر و15 جلدة للولاعة.
مشهد يومي يمتّن من خلاله داعش أسس بناء الرعب الذي يشيّده في مدينة الموصل (405 كلم شمال بغداد) التي سيطر عليها في حزيران/يونيو 2014. وكان الشاب زياد ضحيته هذه المرة بذريعة انتهاكه لقانون تحريم التدخين الذي ينص على عقوبة الجلد والغرامة المالية والدخول في ورشة تدريبية بشأن مضار التدخين وأسباب تحريمه يحاضر فيها عناصر من الدولة الاسلامية المعروفة باسم "داعش".
وكان التنظيم قد منع العام المنصرم تدخين السجائر و(الأرجيلة) في مدينة الموصل وحدد مهلة غير كافية لتجار التبغ الرئيسيين في سوق البورصة وشارع الكورنيش في الجانب الأيمن لمدينة الموصل لتصريف بضائعهم فقام التجار بتوزيعها في مخابئ سرية ورفعوا سقف الأسعار بمقدار عشرة أضعاف ليوازي سقف مخاطر تجارتهم.
نشر التنظيم بعد انقضاء المدة وكانت أسبوعا واحداً فرق رصد وتفتيش ضمن ما يعرف بجهاز الحسبة مدعومة بكتيبة يطلق عليها "التحري" تمارس مهام استخبارية للكشف عن الجناة المدخنين أو المتعاملين ببيع وشراء السجائر. وحددت عقوبة للمدخن تصل إلى اربعين جلدة، وبالنسبة للتجار مصادرة البضاعة وغرامة مالية تصل إلى مليون دينار وأضيفت إليها لاحقاً عشر جلدات عن كل علبة سكائر يتم ضبطها بحوزة التاجر.
وجدت الحياة المدنية في الموصل نفسها في طريق معاكس لما تسير عليه جميع المدن الأخرى في العالم واخذ المزاج الشعبي في التدخين يكتسب طقوساً وممارسات جديدة إذ صار الناس يدخنون سراً في منازلهم ويتجنبون أثناء تنقلهم حمل علب السجائر ويفضلون توزيع السجائر مفردة في جيوبهم أو مدفونة بين أشياء أخرى للتمويه عليها.
يشير إلى ذلك بشيء من المرح مواطن من مدينة الموصل، قال موقع "نقاش" الإخباري انه تحدث اليه من خلال رسائل متبادلة عبر فايبر، وأكد بأنه يعرف أشخاصاً تركوا التدخين ليس للمخاطر التي تنجم عنه بسبب قوانين داعش فقط، وإنما لارتفاع أسعاره إذ قد يصل سعر العلبة الواحدة إلى 2500 دينار أي قرابة دولارين وهو سعر كبير لنوعيات مقلدة ورديئة يعرضها التجار للتخفيف من الخسائر إذا تم ضبط البضائع بحوزتهم.
ولفت إلى أن الغالبية وهو منهم يمارسون التدخين ليلاً في المنازل لكي لا تتسبب الرائحة بكشفهم نهارا. وقال "من يدري فربما يمر بنا واحد منهم ويلتقط رائحتنا". وبالسخرية ذاتها تحدث عن إقبال المدخنين على شراء العطور الزيتية الرخيصة أو التي تعرف بالعطور الإسلامية التي يختص ببيعها متدينون في شارع النجفي، أقدم أسواق الموصل إذ يشبعون بها ملابسهم لإخفاء رائحة السجائر.
يقول متشدد منتم لداعش عبر حساب وهمي في الفيس بوك إنه وعلى الرغم من عدم وجود نصوص قرآنية وأحاديث نبوية بشأن عادة التدخين لكونها لم تكن موجودة في عصر النبوة لكن يوجد ما يمنع إيذاء النفس وهدر الأموال، والسجائر تفعل ذلك.
ويرد على ذلك عالم دين متواجد حالياً في أربيل إن التحريم يقتضي نصاً قطعي الثبوت وهو ما لا يتوافر في مسألة تدخين السجائر، لذا فهي مكروهة شرعاً وينصح الناس بتجنبها لما تسبب من أضرار صحية ومالية ويؤكد "من المستحيل عملياً جعل الجميع يقلعون عن التدخين حتى وإن تم تحريمها".
تجار السجائر في الموصل ولاسيما الذين تعرضوا لخسارات كبيرة بمصادرة بضائعهم، ليسوا مهتمين كثيرا بالخلاف الفقهي بشأن التدخين وهم يمارسون حرب سجائر حقيقية للتعويض والمحافظة على مهنتهم من الانقراض.
أوضح احد التجار وهو شاب في عقده الثالث وقال ان اسمه عبد الغني، ان تجارا أكبر منه وسماهم "حيتان السجائر" تردهم السجائر مخبأة في صهاريج النفط العائدة من سوريا ويقومون وبحذر شديد بتوزيعها على منازل في أحياء سكنية. وهذه العملية إضافة الى عملية البيع لتجار التجزئة تتم بعد مغيب الشمس وهو وقت تقل فيه حركة أفراد الحسبة.
وأكثر الأنواع رواجاً بحسب عبد الغني هي اكتمار وميامي وغمدان وجيتان أم تي وكندم وغلواز الأحمر والأصفر.
وقال ان البيع لا يتم إلا لأشخاص يعرفهم شخصياً ولا يضع في مكان واحد أكثر من عشر علب سجائر لكي تكون العقوبة أقل وطأة فيما لو قبض عليه عناصر داعش.
ويضيف متحدثاً عن مجازفته "لا اعرف عملاً آخر أقوم به، المئات ممن كانوا يمارسون ذات العمل سابقاً عاطلون الآن والوضع الاقتصادي مزر في الموصل خصوصاً والموظفون لم يستلموا رواتب من الحكومة العراقية منذ أشهر طويلة".
أمام هذا القيد الداعشي الصارم إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بنحو عام وتفشي البطالة، انتقل المدخنون الأكثر فقراً إلى خطط بديلة للمحافظة على علاقتهم بالدخان فعادت بذلك إلى الظهور أنواع قديمة من السجائر وأساليب تدخين كان قد طواها النسيان.
عايد أيودي قضى أربعة من عقود عمره الست في تجارة السجائر، قبل أن يتحول بسبب قانون داعش الى تجارة المواد الغذائية في شهر تموز/يوليو من العام الماضي، لفت الى أنه يعرف أشخاصا كثيرين باتوا يستخدمون لفافات التبغ أو ما يعرف شعبياً بسجائر اللف التي يصنعها المدخن بنفسه، فقط يتعين عليه الحصول على تبغ وقصاصات ورقة خاصة صغيرة.
وقال إنها أجدى اقتصاديا للمدخنين، ولكن وبسبب ندرة الورق الخاص باللفافات لجأ البعض الى استخدام الاوراق البيض العادية، فظهر نوع من السكائر كان قد اختفى تماما من الموصل يعرف بسكائر "المزبن" وهي سجائر رفيعة وعملية لا تتطلب الكثير من التبغ، لكن ضررها اكبر بكثير من السجائر العادية.
ويضيف بان ملحقات لفافات التبغ أيضا عادت الى الظهور مثل "السبيل" وهو عبارة عن أنبوب خشبي يسحب بواسطتها المدخنون دخان اللفافة، أو ما يعرف بالبايب الخشبي، وأكثرهم تطرفاً أو ربما إدمانا بحسب عايد لجأ الى خيارات أخرى بسبب عدم تمكنه من الحصول على السجائر والتبغ، وذلك باستخدام حشائش أو أوراق أشجار متيبسة.
وهذا يذكّر عايد بالفترة الأولى للحصار الاقتصادي الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على العراق خلال النصف الأول من العقد التاسع للقرن الماضي، إذ لجا الناس إلى نفس الخيارات وذات الأساليب تقريباً. ويقول عايد مستدركاً "ولكنها المرة الأولى التي يقومون بها مجبرين وهم داخل منازلهم".
ويرتبط تطبيق حظر التدخين بمدى قوة تنظيم داعش أو ضعفه في المناطق التي يسيطر عليها فالتدخين العلني حالياً في مناطق جنوب الموصل كناحية القيارة وقرى تحيطها على سبيل المثال مؤشر على تراخي قبضة داعش فيها ولاسيما بعد الهزائم التي مني بها مؤخراً في بيجي (200 كلم جنوب الموصل) والمدخنون هناك يعتبرون مجاهرتهم نوعاً من أنواع التحدي والرفض لاحتلال داعش لمناطقهم.
عناصر الحسبة في الموصل قمعت محاولات مشابهة في مناطق متفرقة داخل المدينة تعاملت فيها بعنف شديد وصل في احدى المرات وبحسب شهود عيان الى إطلاق النار على شخص قاوم اعتقالهم له بسبب سيجارة كانت في يده وأصيب بجروح غير مميتة، لكنه على أية حال كاد أن يكون موتاً من أجل سيكارة.
وكما فعل مع زياد فان التنظيم يقوم بين الحين والآخر بدعوة الناس في الأسواق العامة للتجمع ومشاهدة تنفيذ عقوبة الجلد بحق مدان بالتدخين مستعرضاً بذلك قوته وسيطرته على المدينة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

813 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع