مربون في الذاكرة .. المدرّس الراحل ميخائيل يوسف صنا

        

كمال يلدو: مربون في الذاكرة الحلقة ..رحلة مع بناة الأنسان العراقي

             

     

             

لو قدّر لهذه الأشجار أن تقص علينا عدد الأزهار والثمار التي طرحتها عبر عشرات السنين، والى أين اتجهت وأينعت وأثمرت بعد ذلك مرارا وتكرارا مع مضي الحياة ، لأحتجنا الى ملفات كثيرة  لاتعد ولاتحصى.

هكذا كانت سيرة المربين والمدرسين والتربويين الذين قدموا أغلى ما عندهم  للتلاميذ الذين اعتبروهم مثل ابنائهم.  وما من لحظة تزهو بها عيونهم، أجمل من تلك التي تتلاقى فيها مع تلاميذهم، وقد كبروا وصار لهم شأن ما في المجتمع، فيبادروهم القول ((مرحبا استاذ ....مرحبا ســـت)). مهما قيل بحق المربين سيكون قليلا، لكن اجمل هدية نقدمها لهم، هو التفاخر بمسيرتهم  وإعلاء شأنهم ، ذاك الذي يستحقوه بجدارة.  هذا هو احلى وسام يبعث في ارواحهم الفرح والسرور.
ادعوكم لرحلة جميلة مع أحد المربين الراحلين، لكنه حاضر بيننا ومعنا على الدوام.

                           

المدرّس الراحل ميخائيل يوسف صنا
من مواليد مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩١٧ في محلة (قاشا) وقد وافاه الأجل عام ٢٠٠٤ ، وكان متزوجا من السيدة فضيلة كَوُريا أودو، ولهما سبعة بنين و خمسة بنات، ولو قدر له أن يحيا لليوم لكان قد شهد (١٧) حفيدا و (٣٣) من ابناء وبنات الأحفاد.
درس الأبتدائية أول الأمر في مدرسة مار ميخا (النوهدري) الأهلية بمدينة ألقوش، ثم اكملها بعد الصف الرابع في مدينة الموصل، كما أنهى دراسته المتوسطة هناك ايضا ليدخل بعدها (مدرسة الصنائع العسكرية في الموصل) ويتخرج منها  عام ١٩٣٨.
ـ عام ١٩٤١ عيّن معلما في (مدرسة الصنائع العسكرية ـ بغداد) والتابعة لمعسكر الرشيد
ـ عام ١٩٤٥ أكمل الدراسة الأعدادية ـ الفرع العلمي، في الثانوية الجعفرية المسائية
ـ عام ١٩٤٥ عيّن مدّرسا في (مدرسة الصنائع العسكرية) بمعسكر الرشيد حتى عام ١٩٥٠.

     

في  أحد تلك الأيام، يدخل مشرفا من الجيش البريطاني الى أحدى حصص الأستاذ ميخائيل، فيُعجب بتدريسه وبإسلوبه وبفصاحة لغته الأنكليزية، فيقوم بتشجيع إدارة معسكر الرشيد الى إرساله بإحدى البعثات الدراسية الى خارج العراق، ويتم ذلك عام ١٩٥٢  حينما قبل في إحدى جامعات ولاية كاليفورنيا، حيث درس فيها وتخرج في "هندسة المكائن الزراعية".

        

  

ـ عام ١٩٥٥ يعود الى العراق، ويعين مديرا للمعامل الأنتاجية التابعة لوزارة التربية في محافظة السليمانية، ثم مديرا ل (ثانوية الصناعة في السليمانية).
ـ عام ١٩٥٧، نُقل مدرسا الى (إعدادية زراعة كركوك)

        

ـ عام ١٩٥٨ نُقل الى محافظة السماوة حيث أشرف على تأسيس (ثانوية الزراعة في السماوة) وبقي مديرا لها
ـ عام ١٩٦٣ نُقل الى محافظة الديوانية و أشرف على تأسيس (ثانوية الزراعة في الديوانية) وأصبح مديرا لها حتى عام ١٩٧٠
ـ نُقل بعدها الى (إعدادية زراعة زاخو) حتى إحالته على التقاعد عام ١٩٧٩.
لم يكن من السهل الكتابة عن شخصية رائعة مثل الأستاذ "ميخائيل" لولا  المساعدة والمعلومات القيمة التي قدمها إبنه المدرس واستاذ اللغة العربية "مسعود" ويكمل القول: بعد إحالته على التقاعد، يختار والدي العودة الى مدينته الجميلة ألقوش ليكمل حياته هناك، فينصرف الى هواياته المتعددة ومنها القرأة وباللغات العربية والكلدانية والأنكليزية، كذلك في خدمة الكنيسة وطقوسها، إذ انه كان (شماسا)، كما إن شخصيته وسعة ثقافته ومعلوماته العامة جعلت منه شخصية محبوبة محترمة وذات شأن، إذ كان بيتنا يحظى بتلك الزيارات والجلسات من علّي القوم في مدينتنا الغالية القوش، اما الكنز الآخر الذي تركه لنا فكانت (ألبومات الطوابع) التي جمعها عبر السنين ، فقد كان مسحورا بها وبألوانها وأشكالها.

  

اكاديميا، كان والدي متميزا بدراسته وبعطائه، فقد حاز على عشرات كتب الشكر لمثابرته وعمله، ولعل  بدايتها كانت مع كتاب الشكر والتقدير الذي حاز عليه نتيجة تصنيفه الثاني على الدورة التي انخرط فيها بدراسته الجامعية في الولايات المتحدة، وقد سلمه الشكر  الأستاذ "ناصر الحاني ـ سفير المملكة العراقية لدى الولايات المتحدة"، ناهيك عن العديد من (الملازم والمحاضرات) الخاصة بعمله، هذا اذا اردنا ان نضيف عليها براعته الأدارية التي مكنته من أن يتبوأ تلك المنزلة الأكاديمية الرفيعة في "تأسيس وإدارة" تلك الصروح العلمية في الكثير من المحافظات العراقية، وغالبا ما نصادف اناسا ممن عملوا او تخرجوا منها فيظهروا لنا مدى محبتهم وأحترامهم لسيرة الوالد.
لقد عاش والدي، مثله مثل المئات من العوائل في تلك القرى والمدن والبلدات المنسية، حياة صعبة لكنه أيقن مبكرا بأن الأستكانة والأمتثال للأمر الواقع لن يوصل الأنسان الى اهدافه، لذا فقد شمّر عن ساعديه وقدّم ما قدم في تلك السيرة المباركة، ولعلنا نحن ابنائه وبناته، من المحظوظين بأن نحضى بصحبته كأب أو كتربوي، وكم كنّا مبهورين بشخصيته وبتلك الرحلة (السندباتية) التي أخذته للولايات المتحدة وأرجعته الينا!
 لقد جمع الروح العصامية المقدامة والجدية في العمل، والشدة (نوعا ما) معنا في التربية البيتية، وكان دائما يدفعنا للتعلم وإختيار الطريق السوي والقويم، وإحترام الآخر، ومشاركة ابناء المجتمع في افراحهم وأتراحهم، ولعلي مازلت أتذكر كيف انه كان يدفعنا للقرأة أو لتعلم لغة جديدة كلما حلّت علينا العطلة الصيفية، لقناعته بفائدة العلم في سيرة الأنسان، وطالما تحدثت عن والدي، فأني لا أنسى الظلال الوارفة لوالدتي،  هذه الأنسانة  الغالية التي كانت حاضرة على الدوام ، بحنانها ومحبتها وطيبة قلبها.
وقبل أن يختم الأستاذ "مسعود" كلامه في سيرة وحياة الأستاذ الراحل ميخائيل صنا فيقول: هناك مثل أمريكي ظريف يقول : "إن التفاح لايسقط من الشجرة بعيدا عنها" وهذا ينطبق علينا نحن ابنائه ، إذ اننا سلكنا (بفخر وأعتزاز) في ذلك الطريق الذي قطعه قبلنا، وحاولنا أن نضع اللبنات الطيبة في مجتمعنا العراقي بالتعليم وإضاءة الدروب للطلاب.  فقد تخرجنا من سلك التدريس ( مسـعود، فرنسيس، جوني ، أختي لميعة ، وأخواتي  سوريّة وإبتسام  كنّ في سلك التعليم  ايضاً، فيما تخرج اخوتي فاضل من معهد الزراعة، مؤيد من معهد السياحة  و ممتاز من معهد النفط) .
يبقى شئ  أخير طالما نحن نتحدث عن سيرة كبرى، بأن يكون لمجتمعنا ودولتنا (العراق) نظاما يكّرم فيه المخلصين والمبدعين ويرفع اسمائهم عاليا بالتقدير.  هناك العديد من المدارس والشوارع والساحات العامة اطلقت عليها اسماء لم تقدم للعراق ولا لمحافظاته او ناسه المنسيين أي شئ، فيما انسانا رائعا مثل "الأستاذ ميخائيل" لم يحظ ولو حتى بزاوية صغيرة في احدى تلك المعاهد والمدارس التي اسسها وساهم بإدارتها لسنين، إن الوقت ليس متأخراً لذلك ،طالما كانت الأرادة متوفرة.
الذكر الطيب له ولسيرته كل الفخر.

كمال يلدو
نيسان ٢٠١٥

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

870 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع