احتياطي المركزي مصدر الحكومة لسداد أجور موظفيها

  

العالم ـ بغداد:أدت الاحداث الامنية الاخيرة، التي جرت في العراق، بعد سيطرة ما يعرف بـ"الدولة الإسلامية" في العراق والشام، على مدينة الموصل، وتوسعها شمالاً نحو كركوك،

ثم اقدام القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية على قصف المناطق، التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف، واشتداد القتال في عدة مناطق، إلى خسائر كبيرة جراء الدمار والخراب، فضلا عن الركود الاقتصادي، نتيجة تراجع الحركة التجارية بسبب صعوبة التنقل وإنجاز الأعمال، حتى إن عددا كبيرا من فروع المصارف أغلقت، ومعظمها مهدد بالإفلاس لعدم قدرتها على تحصيل الديون من عملائها، مع العلم أن تراجع صادرات النفط سيسهم بمضاعفة عجز موازنة العام 2014 من 23 إلى نحو 50 مليار دولار.

وأثبتت السنوات العشر الماضية قدرة العراقيين على التكيف مع التطورات الأمنية والسياسية، وهي لا تزال مستمرة منذ بدء الاحتلال الأمريكي بعد الإطاحة بنظام صدام الديكتاتور. ومع خروج العراق من البند السابع للأمم المتحدة، والذي خضع له أكثر من 23 سنة بعد غزوه الكويت، بدأ يتطلع إلى جذب استثمارات عربية وأجنبية لتنفيذ 740 مشروعا بقيمة 32 مليار دولار، وذلك ضمن خريطة استثمارية تستمر على مرحلتين، مدة كل مرحلة خمس سنوات، وتضم عددا كبيرا من المشاريع النفطية والكهربائية، حتى إن بعض الشركات بدأت بإرسال مهندسيها وعمالها إلى المواقع العراقية.

وجاءت تلك المشاريع في إطار الخطة الوطنية للتنمية في العراق، والتي تشمل مشروعات تقدر قيمتها بنحو 357 مليار دولار، في قطاعات الصناعة والطاقة والاستثمار والاسكان والزراعة والموارد المائية والتعليم والنقل، وهي موزعة بنسبة 79 بالمئة للاستثمارات الحكومية، مقابل 21 بالمئة للاستثمار الخاص، وكذلك الاستثمار في قطاعات البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية المتنوعة.

وفي مجال تأكيد الهيئة الوطنية للاستثمار على تفاؤلها بالإقبال الكبير للمستثمرين، أشارت بالأرقام إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية في عموم مناطق العراق تجاوز 22 مليار دولار في العام 2013، وشملت أربعة قطاعات غير نفطية، وهي: السكن والصناعة والخدمات والزراعة، وقد نفذت المشاريع الاستثمارية شركات عربية من الامارات والكويت والأردن ولبنان، بالإضافة إلى تركيا وإيران والهند والبرازيل وباكستان وماليزيا وهولندا وبريطانيا وسلوفينيا.

وعلى الرغم من استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي، فقد بلغ عدد الشركات الأجنبية التي تم تسجيلها في وزارة التجارة 412 شركة في العام 2013، وتراوحت بين فروع ومكاتب تمثيل للشركات العربية والعالمية. ويستفيد المستثمرون من إعفاءات من الرسوم و الضرائب قد لا تتوافر لهم في مناخات استثمارية مستقرة، ولكن في هذا المجال لفت خبراء يعملون في منظمة التطوير الصناعي التابعة للأمم المتحدة "يونيدو" إلى أن إعفاء الشركات من الرسوم جيد، غير أنه ليس كافياً لجذب المستثمرين للعمل في العراق، لذلك على الحكومة خلق بيئة مشجعة من خلال تفعيل النافذة الواحدة و تقليص خطواتها لإنجاز المعاملات، إضافة إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والقضاء على الفساد.

تراجع النفط

وأنهى العراق العام 2013، بمعدل نمو اقتصادي قياسي بلغ نحو 9 بالمئة، لعى وفق تقرير صندوق النقد الدولي، ويعود ذلك إلى انتاجه النفطي الذي سجل 3 ملايين برميل يومياً، وقد وضع موازنته لعام 2014 البالغة 150 مليار دولار، وهي أعلى موازنة في تاريخه، وتستند بنسبة 93 بالمئة على ايرادات النفط، على أساس احتساب 90 دولاراً لسعر البرميل وإنتاج 3.4 مليون برميل يوميا.

ومن أجل تمويل الخطط الوطنية للتنمية، يخطط العراق لزيادة انتاجه من النفط بشكل تدريجي ليصل إلى تسعة ملايين برميل يومياً في العام 2020 .

لكن يبدو أن العمليات العسكرية واحتدام المعارك البرية والقصف الجوي، وخصوصاً في مناطق قريبة من آبار النفط في الموصل وكركوك، قد أدت إلى تخفيض الانتاج، والاعتماد على نفط الجنوب في منطقة البصرة، وتفيد بيانات الشحن بأن صادرات مرافئ هذه المنطقة بلغت 2.58 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال أيلول 2014، متجاوزة معدل صادرات آب الذي سبقه والبالغ 2.38 مليون برميل يومياً، وتأثرت امدادات النفط العراقية لعقود جراء الحرب والعقوبات.

ومع استمرار توقف صادرات كركوك وصعوبة عودتها قريباً، فان منطقة كردستان العراق تصدر كميات صغيرة من النفط بشكل مستقل عن بغداد عن طريق ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط.

وسيؤدي تراجع الانتاج والتصدير إلى مضاعفة العجز المالي لموازنة العام 2014، والبالغ نحو 23 مليار دولار، وتتحدث مصادر حكومية عراقية عن ضغط كبير تواجهه نتيجة ارتفاع النفقات، ويتوقع تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية، ومقره لندن، ارتفاع عجز الموازنة إلى درجة لا تستطيع الدولة معها سداد اجور موظفيها او التزاماتها تجاه مواطنيها، ما قد يضطرها لاستخدام جزء من احتياطي البنك المركزي العراقي البالغ 80 مليار دولار.

إفلاس المصارف

أدى توسع العمليات العسكرية، والتي شملت مساحات واسعة من العراق، إلى قطع التواصل بين المناطق ونزوح عدد كبير من المهجرين إلى المناطق الأكثر أمناً، وتراجع في الحركة التجارية وركود اقتصادي، وبالتالي تراجع في حركة المصارف، مع الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الموظفين لم يتمكنوا من الوصول إلى مراكز عملهم، خوفاً من مخاطر الاضطرابات الأمنية.

وحيال تلك التطورات، أصدر البنك المركزي العراقي مذكرة تقضي بتخويل ادارات المصارف تقدير الموقف لجهة اقفال فروعها من عدمه، في ضوء المخاطر الأمنية التي تتعرض لها، وتنفيذاً لذلك اضطر عدد من المصارف في المناطق الساخنة إلى الإغلاق.

وحذر خبراء اقتصاديون من خسائر فادحة للقطاع المصرفي خصوصاً بعدما نزح معظم العملاء الذين رفضوا دفع المبالغ المستحقة عليهم، وعدم قدرتهم على سداد الديون، الأمر الذي ينذر بالخطر جراء تردي الوضع الأمني وعدم قدرة المصارف على ملاحقة المتخلفين عن الدفع، مما يهدد عدداً من المصارف بالإفلاس، مع الاشارة إلى أن هذة الديون ليست فقط متعثرة بل تجاوزت ذلك إلى وضع "غير قابل للدفع"، ويطالب الخبراء البنك المركزي بوضع خطة انقاذ شاملة ليس فقط للقطاع المصرفي بل لمختلف قطاعات الاقتصاد العراقي.

ويوجد في العراق 55 مصرفاً و49 مؤسسة مالية واستثماريه، وبينها 16 مصرفا عربيا وأجنبيا، وبشهادة اتحاد المصارف العربية، فقد تطورت أنشطة القطاع المصرفي العراقي بقفزات نوعية خلال السنوات (2003 - 2014)، بالرغم من الظروف المعقدة التي عاشتها العراق في شتى المجالات والاقتصادية منها بشكل خاص، حيث تشير البيانات المالية لنتائج أعمال العام 2013، بالمقارنة مع السنوات السابقة ولا سيما عام 2011، كنسبة أساس، إلى حصول نسب نمو واضحة في مجموعة الموجودات 33 بالمئة، ورؤوس الأموال 47.5 بالمئة، والائتمان النقدي الممنوح 60 بالمئة، والودائع 1.6 بالمئة (باستثناء ودائع الحكومة المركزية والودائع ذات الطبيعة التجارية)، كما بلغت مساهمة القطاع المصرفي في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 8 بالمئة.

إصلاحات بنيوية

في هذا المجال لا بد من الإشارة إلى وجود تشوهات بنيوية في القطاع المصرفي العراقي، منها أن المصارف الحكومية وعددها سبعة مصارف تسيطر على 90 بالمئة من موجودات القطاع، تاركة فقط 10 بالمئة لنحو 48 مصرفاً في القطاع الخاص، ولا تكتفي المصارف الحكومية بودائع القطاع العام، بل تسيطر على 63 بالمئة من ودائع القطاع الخاص، وتشكو المصارف الخاصة من قيود الحكومة التي تنحاز إلى مصارفها في النشاط المالي، إضافة إلى امتناع إدارات الدولة عن قبول الصكوك التي تزيد قيمتها عن 25 مليون دينار والمحسوبة على مصارف القطاع الخاص لتسديد أية مبالغ مستحقة لهذه الإدارات، وحصرها بصكوك صادرة عن المصارف الحكومية، ومن أهم الصعوبات التي تواجهها معظم المصارف عجزها عن استرداد القروض من المدينين، بل وتعذر الاسترداد في معظم الأحيان، حتى لو ربح المصرف قراراً قضائياً ببيع الضمانات، وذلك لأسباب تتعلق بالوضع الأمني والضغوط الاجتماعية.

ويبرز تخلف الشعب العراقي في اللجوء إلى العمل المصرفي، في أن عدد سكان العراق يقدر بـ 35 مليون نسمة، منهم 80 بالمئة لا يمتلكون حساباً مصرفياً، ويوجد 900 فرع مصرفي متمركزة جغرافياً في عواصم المحافظات وبعض المدن الرئيسية، وتدل البيانات على أن الفرع الواحد يخدم نحو 38 ألف شخص في العراق، مقارنة بلبنان التي يخدم فيه كل فرع أربعة آلاف شخص، ولمعالجة هذه الاختلالات والتشوهات البنيوية، يجب اعتماد سلسلة اصلاحات في خطة تشمل المصارف الحكومية، ولا تقتصر على انقاذ المصارف المتعثرة من الإفلاس.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

790 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع