هواة الطيور والحمام والمطيرجية في الأعظمية كما عايشناها في منتصف القرن الماضي

     

 هواة الطيور والحمام والمطيرجية في الأعظمية كما عايشناها في منتصف القرن الماضي...

      

                      

                       عالم الطيور وبالأخص الحمام عالم رائع وجميل وممتع مليء بالأسرار، تواجدت الطيور قبل ألأنسان منذ ملاين السنين، كانت في البداية لونها أزرق، وكانت يعيش بين المنحدرات والصخور والكهوف والأمكنة التي فيها مسطحات مائية كالأنهر والأهوار، وكان يطلق عليها بحمام الصخور،

ولكن بعد التهجين وتغير بيئة المعايشة وتعاقب الأجيال، فتغير لونها الى تشكيلة عريضة من الألوان العديدة كألأبيض والأحمر والرصاصي والسمائي والأسود والأصفر والمشكل، عرف الأنسان أهميتها منذ أقدم العصور، وعرفت في حضارة الفراعنة حيث عثر على رسوماتها منقوشة على الآثار المصرية، لقد ألفها الأنسان ودجنها وروضها فأستثمرها للأكل والتسابق وحمل الرسائل،  يتمتع الحمام بالذكاء والتعاون ومحب لمربيه، ولكونه وفياً فهو لاينسى المكان  ألذي استوطن وتربى فيه، وعمره الزمني بين الولادة والممات عشرون عاماً.

          

يعد الحمام الزاجل سيد الحمام في الدنيا بدون منازع لما لديه من غريزة حب لموطنه والعودة إليه مهما بعدت المسافات الشاسعة التي يقطعها في ايصال الرسائل وما يؤديه من خدمات جليلة في تاريخ الحروب ونقل أخبارها إلى العواصم والامصار، أضافة لحملها رسائل العشق والغرام.
كشفت الدراسات العلمية الحديثة عن ان الحمام الزاجل لديه القدرة الطبيعية على رسم خارطة المجال المغناطيسي للارض يستعين بها في معرفة طريق العودة إلى موطنه، وهو ما ينفي القول عن استخدام حاسة الشم لديه لتحديد مساره أثناء الطيران.
وقد استخدم الحمام الزاجل لاول مرة في الأغراض الحربية عام 24 قبل الميلاد عندما حاصرت جيوش القائد الروماني (مارك انطونيو) قوات القائد"بروتس" في مدينة(مودلينا) إلا أن اكتافيوس الثالث كان على اتصال دائم مع بروتس للاطلاع على صموده من الحصار من خلال الرسائل التي كان يرسلها له بواسطة هذا الطائر. 
             
للعرب تأريخ طويل حافل مع الحمام والزاجل خصوصاً وهو سيدهم، ان الحمام يوظف مزيجا من السبل للوصول الى هدفه، منها الاستعانة بالشمس والارض، حتى انه يوظف حاسة المجال المغناطيسي  للتعرف على طريقه، العرب من الأمم التي عرفت أهميته وطرق تربيته ورعايته وتدريبه، واهتمت بأنسابه وكتبت الكتب المختلفة التي تلقي الضوء على كل خصائصه ومميزاته وطبائعه وأمراضه ووصف طرق علاجه، وكان البريد الذي أسسه العرب القدامى يعتمد على الخيل والجمال، وتبادل الإشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الأخبار والمعلومات خلال الحروب، ومع التقدم واتساع رقعة الخلافة الإسلامية وزيادة وامتداد الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى حدود الصين، ومع ازدياد مصادر الثروة وكثرة مؤسسات الدولة ودواوينها، أصبح لابد من وسيلة أكثر سرعة لذلك أدخل الخلفاء العباسيون استخدام الحمام الزاجل في نقل البريد، لما يمتاز به من سرعة فائقة بالإضافة إلى انخفاض تكلفة تربيته مقارنة بالجياد والجمال.

       

أستخدم الخلفاء العباسيون الحمام الزاجل والذي يعرف بالزاجل البغدادي ذو اللون الأبيض أو القهوائي المشوب بالحمرة وهو متميز بنمو لحمي بارز حول العينين والأنف، وأستخدم لنقل الرسائل(البريد) لما يمتاز به من سرعة فائقة وسهولة في ذهابه وعودته، ولذلك قد شيدوا الأبراج الخاصة به وجعلوها محطات لاستقبال وأرسال الطيور في كافة ولايات خلافتهم، بعدها أنتشرت تربية الحمام في كافة الأمصار وفي القرى والنواحي وأصبحت متوفرة كهواية وممارسة بعد أن ألفها الأنسان وأخذ بتربيتها في سطوح المنازل وبيتوناتها، حيث لاتحتاج الأ لقفص مسيج وحبوب للأكل ومياه للشرب وحلات مصنوعة من سعف النخيل وتوضع في مكانات متفرقة في القفص للتكاثرللنطلق بعد هذه  المقدمة لندخل ونسطر ما تعاييشناه وعشناه عن عالم الطيور في منطقتنا وحياتنا عن بيوتات الأعظمية الجميلة بشناشيلها وسطوحها وحدائقها المحاطة بنهر دجلة والمحاطة بالبساتين الجميلة والعامرة بنخيلها وحمضياتها، حيث تتراوح مساحاتها وطريقة بنيانها أسناداً الى وسع محلاتها ومستوى ساكنيها، اما حاراتها القديمة فتكون مساحاتها صغيرة وقد تحوي على فسحة وسطية تسمى الحوش وبيوتاتها متراصة، وكل البيوت لها سطوح وبيتونات والكثير منها تحوي حدائق مطرزة بالأشجار المثمرة ..

                                                              

أهلها معروفين بعشقهم للحياة ويملكون تقاليد الأعتناء بالبيت فيهم هواة لتربية الطيور، ولايخلوا بيتاً من بيوتاتهم من تربية الحمام أو قفص البلبل الزبيري أو البهرزي صاحب الصوت الجميل أو قفص طيور الحب والفنجي، أو قفص للدجاج البياض للتسلية، كما أنهم يتمتعون بالحس المرهف والمثقف والعشق الموسيقي.

لنتطرق وبتسلسل عن ظاهرة الولع بالحمام وكيفية تعامل المجتمع معها وكل له نظرة عليه وكما يلي:
* - شرائح من المجتمع المعظماوي من الوزراء والأطباء والمهندسين والعسكر والمحامين والقضاة والتجار والمثقفين من هواة الطيور تجمعهم جميعاً محبتهم لها، أن حبهم للحمام لا يندرج ضمن التجارة، بل الهواية التي تشبع رغبة لديهم، وهم يعلمون أن الحمام ذكي ورقيق وحساس وهو من يعلم مربيه الوفاء والصدق، فجمعوا أحسن الأنواع وأندرها وقسم منهم له سجل بسلالاتهم، فترى الأقفاص نموذجية ومرتبة سواءً في الحدائق أو في السطوح أو في مزارعهم، فيعتنون بها وبنضافتها وفي مأكلها وفي صحتها وفي ولاداتها، وهم حريصون على أصالتها بعيداً عن التهجين والعيوب، كذلك يمتازون بأرجاع الحمام الدخيل عليها الى أصحابها وعلى أساس أنها أمانات، أن ألد أعداء الحمام القط في البيوت والشاهين(نوع من الصقور) في السماء أثناء طيران الحمام والثعالب في المزارع،

                        

من الأسماء التي تحضرني المرحوم الأستاذ حكمت سليمان والذي كان وزيراً ورئيس وزراء في العهد الملكي،

     

كانت لديه طيوراً منتقاة ونادرة وبعض من الحيوانات الأليفة المتميزة الأصول، وعندما كان رئيساً للوزارة زار الهند وأهداه رئيس الوزراء الهندي مجموعة من الببغائات ويقال عددها مئة(100) ووضعها في أحدى الأقفاص بالحديقة وبعد فترة نسيـى عامل الحديقة الباب مفتوحا وطارت الببغائات الى المناطق القريبة وهي البساتين القريبة من الصليخ وقرب نهر دجلة..
 وظل أهل الأعظمية ولسنوات عديدة كلما يشاهدون أية ببغاء تطير يقولون أنه ببغائات حكمت سليمان والجدير بالمعرفة فإن الببغاء يعيش مئة وعشرون (120) عاما، فتصور كم أصبح عددها بعد التكاثر وهي حرة، والجدير بالذكر أن بيت المرحوم في شارع الصليخ أصبحً بعدها منتدى للجمعية البغدادية وهو من بيوتات الأعظمية الجميلة، كما حافظ ذوي العائلة على تربية الطيور والحيوانات الأليفة ذات السلالات الأصيلة وقد أبلغني صديقي وزميل دراستي باسم نجدت سليمان عنما قرأ مقالتي حول ماجال قلمي لما ذكرته عن الأعظمية وتطرقي للشخصية المحبوبة والمشهورة حسون الأمريكي وتنزهه مع كلبه حيت صحح باسم بأن الكلب الجميل يعود لهم وكان حسون يطلبه منهم دوماً عندما يتمشى في شارع عمر بن عبد العزيز وقرب النادي الملكي
ـ بيت المرحوم الدكتور مظفر الزهاوي وهو أيضاً من البيوتات الجميلة وفيه حديقة كبيرة أشبه بالبستان وكانت لديه طيور متنوعة وغزلان وطاووس وحيوانات أخرى وكان لديه من الحمام كالزاجل والهنداوي والمسكي والأشعل والأورفلي والزيرك وأنواع أخرى وكانت العناية بها فائقة وتكاثرت وأهدى منها الى رجالات المجتمع عندما كانو يزورونه.   

ـ بيت الدكتور محمد صالح محمود والذي أصبح وزيراً للصحة في منتصف الستينات، كان بيته قرب سينما الأعظمية، وكانت طيوره مميزة ومتنوعة وفيها أصناف جميلة تتراوح بين الأحمر والأصفر والسماوي
ـ بيت الزعيم محمود سيرت وبعدها ولده المرحوم اللواء وليد محمود سيرت القائد العسكري والرياضي اللامع خريج سانت هيرزالعسكرية البريطانية للأركان، كان يجمع طيور الزاجل ويحتفظ بسجل كامل عن أصالتها، وعندما كانت تطير فأنها بنسق واحد وجميل، وكان بيتهم قريب جداً من بيتنا، ويقال بأنه كان أيضا يحتفظ بجزء منها في مقراته العسكرية الثابته التي خدم فيها
ـ بيت المهندس عصام شريف الصناعي المعروف وكان سكنهم كذلك في رأس شارع بيتنا والذي أصبح بعدها متوسطة المثنى، هو بيت كبير وفيه حديقة واسعة ومثمرة، كانت لديه أيضاً طيوراً وحمام متنوع وبعض الحيوانات
ـ بيت المرحوم الأستاذ يحيى الجدة في المنطقة المقابلة لنهر دجلة عند المقبرة الملكية، هو بيت كبير وفيه حديقة واسعة وسطح فيه مكان جميل للجلسات وفي بداية ثورة 14 تموز كان يزورهم المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان يفضل الجلوس في طرمة السطوح ليستمتع بمشاهدة طيور يحي الجدة وكانت متنوعة وأصيلة بأنواعها وأشكالها.
ـ بيت كبارة: كان يربي فقط حمام الخضراوي ولا أحد ينافسه بها.
ـ بيت المصرف في شارع الدهان وكان العقيد قوات خاصة الرياضي صباح ناجي المصرف له من الطيور المتنوعة عدداً لابأس فيه وهو يعرف أصولها ونوعياتها الجيدة
ـ بيت المرحوم العقيد عبد الستار المفتي في هيبة خاتون حيث ولديه محمد ونبيل يقتنون أحسن الطيور ولهم تشكيلتهم المتميزة..
وفي السفينة بيت محمد الصفار أيضا من هواة جمع وتربية الطيور بنوعياتها وأشكالها المتميزة.

  

وعندما كنا نذهب الى الأعدادية المركزية حيث درسنا هناك فالباص رقم7 يمر قرب بيت المرحوم الدكتور حسن أسماعيل التتار الكبير والواسع والحديقة الجميلة الذي له بالأضافة لطيوره المتميزة يمتلك عدداً من الطواويس تراها من نافذة الباص..
وفي الكسرة بيت المرحوم الأستاذ عادل الساجي المحامي له تشكيلة جميلة وأصيلة من الطيور الأحمر والمسكي والزاجل والأورفلي، ذكرني صديق بأن الكسرة وخان حجي محسن كانت أكثر المناطق لتربية الطيور ولذلك كان هناك صقر دوما يصطاد الطيور ويبعثر طيرانها ويشتتها مما يفقد الكثيرين من طيورهم، كان أبن عم عادل الساجي من المتضررين،ولكي يصطاد الصقر، توجب أنتظاره وهو حامل بندقيته، وفي أحد الأيام وكر الصقر فوق تانكي الماء وكان خياره أما أن يقنصه أو يثقب التانكي ، فأختار أن يصيده بأي ثمن،

      

وأستطاع ذلك وفرح مربي الطيور والمطيرجية لمقتل الصقر، وعادت جوكات الطيور لطيرانها الطبيعي، فمربى الطيور فى الاعظمية ولكثر عددها  فأنها تشمل مختلف العوائل ومن مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية التى تعتنى بتربية الحيوانات وخاصة الطيور وفى مختلف المناطق الشعبية :

راغبة خاون، راس الحواش، والكسرة، وشارع عشرين، والنصة، والشيوخ، وكل هؤلاء اللذين يسكنون تلك المناطق سواء الفقير منهم والموظف والمقاول كان يعتبر تربية الطيور من المظاهر الاجتماعية ذات طابع خاص، من الناس كان يعتقد ان من يربى الطيور له نظرة خاصة لدى الناس وخصوصا الذين يستخدمونها وسيلة للمتعة وقضاء الوقت والحديث عنها فى المقاهى وحين اللقاءات والتجمع فى المناسبات، فى حين البعض الاخر يجد فى تربيتها هواية ومتعة وزينة فى حدائقهم البيتية، ولكن كانوا قلة بينما كان الاسطة او الخلفة او النجار او الكاسب وحتى طلبة المدارس همهم الاول والاخير جمع المعلومات عن طيور فلان وفلان فمثلا كانت هناك تسميات لمجموعا ت الطيور منها العادية ومنها الراقية فالاولى الالوان المعروفة اشعل بالاحمر والحمر والبيض فى حين الانواع الراقية تكون تحتوى على الزاجل، البخارى، المسكى، الاورفلى والاصفر الزراى، فكان اصحاب الدخول الميسورة تمتلك تلك الانواع منهم كان عبد الرزاق نورى الجراح بينما كان محمود الاسطة  يحوى على النوع الاخر، وفي بيتنا كان هناك عدداً من الطيور وبلبل بهرزي


   


وكذلك يتواجد عدد من (القبچ)هكلك يأتينا سنويا من أقربائنا من السليمانية وله صوت موسيقي جميل وتغريده المستمر لأننا نضع كل واحد بعيد عن الآخر، وعندما أنشأ أخانا المرحوم صباح مزرعته أنتقى أحسن الطيور ومنها الزاجل والروماني والتركي والمصري، كذلك كانت لديه أحسن الغزلان العراقية وتكاثرت وأصبح عددها أكثر من مئة، وكان يوزع لأصدقائه من سلالاتها بعد أن كثرت نتيجة الولادات، وبعد الأحتلال ذهبت مع الريح المزرعة بكاملها وما فيها!!.
                
* من المعجبين بالطيور والحمام المرحوم فخري الزبيدي الفنان ومقدم برنامج صندوق السعادة الذي كان يسعد مشاهدي تلفزيون بغداد والمدير في أمانة العاصمة، كان يسكن في منطقة السفينة، وعندما أصبح معاوناً لأمين العاصمة لشؤون الخدمات أراد أن يسعد الناس بمشاهدة أكثر أنواع الحمام فساهم وطور كورنيش الأعظمية وجعلها منتزها وفيها قفص كبير للحمام ،وكانت العوائل تستمتع بالتنزه ومشاهدة الطيور، كذلك ساهم بتطوير أبو نؤاس وأنشأ قفصاً كبيراً للحمام ، وكان الناس وأطفالهم يبقون فترات طويلة للأستناس بمشاهدة الحمام،ومن الفنانين الذين ربوا الطيور وأحبوها محمد القيسي.

    
* من شرائح المجتمع المعظماوي من كان مربياً وهاويأ للطيور، قسم منهم له طيور في البيت والمقهى أمثال داود وخضير أبن ملكة صاحب مقهى العروبة، وأولاد الصفرة وكبيرهم صبري وأخوانه والذي قتل في برج الطيور مع أخويه سمير ومؤيد(رحمة الله عليهم) وقاتلهم هو أحمد عزوز الذي أعدم وكان هو أيضاً يربي الطيور، والقتل كان بسبب شخصي ولا دور للطيور في هذه الجريمة، كذلك منعم أبو الجاج وهو من المعروفين في الأعظمية،وبيت خزعل قريب من نهر دجلة، بطل العراق في رمي الثقل،وكان شارع عشرين مكاناً ليع الطيور وبشكل مبعثر ، فأقدمت البلدية بتنظيم مكانا واحدا وساحة جمعت فيها أماكن البيع، فأرتاح سكان المنطقة من هذا الأجراء.
              
وكان الشباب وفي عز عنفوان مراهقاتهم هم الغالبية بعشق الحمام ويطيرون طيورهم(جوكات) في الصباح والعصر مستخدمين سعفة بها قطعة من القماش الأسود أو الأبيض ليجعلوا الطيور تطير لفترة أطول مستخدمين أنواع الصفير والصياح، وأن أجمل الأوقات في الصيف والنوم على أسطح المنازل ففي الصباحات كانت تتفتح العيون على جوكات الطيور المنتشرة، وعندهم تسمع الصافورات ويبدأ التنافس بين المطيرجية  في حرب مع الآخرين عند أصطياد الطيور وعدم أرجاعها الأ من خلال بيعها لهم وقد تحدث مشاكل تنتهي بعركة، ولكنها نزوة سرعان ما تعود المياه الى مجاريها، وقسم منهم من يتخذ السطوح للحرشة والغزل مما تؤدي في بعض الأحيان الى معاركات أيضاً، وعندما يفقد أحدهم طيره يذهب الى محلات مطيرجي الأعظمية في شارع عشرين لمعرفة من أصطاد طيره وتبدأ المشاكل من جديد.


    

في الصباح تتلألأ سماء الأعظمية بأنواع من الجوكات الكبيرة والصغيرة وفرادى والمساكي القلابة التي تطير بشكل بهلواني، ويا للمنظر المسر لمن يراه، وفي منطقة جامع أبو حنيفة والسفينة بجوار نهر دجلة مقابل الكاظمية وعند بيوتات الجرف تتلاقى طيور المنطقتين(الجوكات) بشكل يومي وأحيانا تذهب بعض منها للطرف الآخر ويستفاد منها من يصطادها ، ولكن أكثر شيء يرعب الحمام بالجو هو الشاهين(الصقر الصغير)حيث يغير ويشتت الجوكات بغية الحصول على طير يصطاده، وهنا قد يفقد بعض المربين عدداً من طيورهم نتيجة رعب الحمام من الشاهين بالرغم من معرفة الطير لأتجهات الشمال والجنوب والشرق والغرب ولكنه يضيع البوصلة.

                        

كنت طالباً في الأعدادية المركزية وهي تقع في منطقة الميدان قرب القشلة ونادي الضباط، وكان يسكن في المنطقة المغني المشهور يوسف عمر وهو من محبي وجامعي الطيور وكانت له مجموعة طيور حمراء وبعض من الزيراي وجوكته مشهورة ومعها يطير( طبان) وقد أستطاع أبا يعقوب من ترويضه، وهو الوحيد الذي تعرف جوكته بوجودالطبان وأيظاً كنا نشاهد مجموعات من الطيور في ضفتي دجلة من الرصافة والكرخ وكان دائما منظر السماء بطيورها جميلاً ومتميزاً.  

        

مصطلح المطيرجية وهي مفردة شعبية جاءت من البصرة وهي عراقية بأمتياز، والمطيرجي هو الرجل الذي يحب تربية الطيور ويستمتع بتطيرهم، وبسبب تربية أشخاص للطير القلابي والمسكي البصراوي وتقمصوا اللف والدوران والدقلات والبهلوانيات من الطير والتي يمتلكها هذا النوع فجاءت التسمية عليه كذلك، كما أنهم عطالة بطالة ماعدا جمع الطيور وقضاء كل الوقت في السطوح، وتطور عملهم فأصبحوا يملكون محلات لبيع الطيور، وقسم منهم من يكذب عند البيع والشراء والأصطياد، أن كذبهم المتواصل والمصحوب بالقسم الكاذب بكل المقدسات والآلهة كله خداع.
 من الذين نعرفهم والذي يطلق عليهم مطيرجية حمودي ورشيد، ليس لديهم عمل غير جمع الطيور، ورشيد كان يتغيب بعض الأيام وهو قاصد لها من أجل الشهرة، وعندما تسأله أين كان يجيبك وبكل ثقة بأنه كان مسافراُ الى البصرة بالقطار ومعه طيرا الزاجل وعند وصوله صباحاً الى البصرة، فيقول أطلقت الزواجل، وبقيت هناك يوماً واحداً، وعند عودتي سألت البيت عن موعد وصول الزاجلين وأخبرت بوصولهم أمس، ويحلف بالمقدسات والآلهة بأن طيرانهم أستغرق عشر ساعات بدون أنقطاع وبدون توقف، لايمكن الجزم هل صدق بأنه كان مسافراً أم لا والعهدة عليه ..
سألت عمي وهو حاكم(قاضي) حول شهادة المطيرجي أمام ألمحاكم، وأجابني بعدم وجود تشريع ينص بعدم قبول شهادة المطيرجي بأعتبار أن الشهادة تحق لأي أنسان، كما يوجد كثير من القضاة من هواة الطيور ومقتنيها، ولكن هناك عرف عشائري وأجتماعي بعدم أحترام المطيرجي بسبب كذبه وتللصصه بالنظر لحرمة البيوت المجاورة ورمي الحجارة عليها أذا وكر طائره في أحدى بيوت الجيرة.


             
الجمعة لها نكهة خاصة للذهاب الى سوق الغزل للتفرج وإقتناء الطيورالجيدة والنادرة والعادية ويكون رواد السوق من شرائح عديدة منهم الأطباء والمهندسين والمثقفين والتجار والعسكر والشباب، وكذلك الأجانب لأن فيه متعة لمشادة سيرك الحيوانات والطيور المختلفة والفرجة بدون ثمن،هذه خلجات وذكريات عن هواية جميلة تراثية كانت لها شخصياتها في زمن عشناه ولمنطقة تربينا فيها وبالتأكيد هناك حكايات عن شخصيات وأماكن أخرى في بغداد أو في مدن العراق كافة قد ربت الطيور وعشقتها وتللذت بجمال أفعالها تاركين لمن يريد السرد عنها، وذلك لأطلاع الجيل الحالي عن ما كانت عليه في زمان طفولتنا وشبابنا.

                                


في الختام، لقد خلق الله هذا الطير الرائع والجميل وفيه من الفوائد الكثيرة آخرها علم الأنسان أن يصنع الطائرة والتي هي شبيه للطيور بعد أن جربها سابقاً عباس أبن فرناس، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
  

          

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

934 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع