عبد السلام محمد عارف.. كما رأيته (الحلقة السادسة)

      

   عبد السلام محمد عارف.. كما رأيته/(الحلقة السادسة)

                   

  


اتساع الخلافات بين قادة حزب البعث مكنت الرئيس عارف من قيادة انقلاب ناجح ضدهم بمؤازرة ضباط الكتلة القومية وقيادات بعثية عسكرية..

                      

المؤيدون للحكم الملكي

من المعروف ان العقيد الركن عبد السلام محمد عارف هو الذي قاد أفواج لواء المشاة العشرين التي هاجمت وحاصرت قصر الرحاب الملكي وبعض مساكن كبار مسؤولي النظام وعدداً من المؤسسات الحكومية والثكنات العسكرية فجر يوم الرابع عشر من تموز (يوليو) 1958 وأدي الي انهيار النظام الملكي في العراق...

          

وهو الذي أذاع البيان (رقم واحد) للثورة بصوته من دار الاذاعة العراقية في حي الصالحية، وان الزعيم الركن (العميد) عبد الكريم قاسم لم يدخل الي بغداد مع وحدات لوائه التاسع عشر الا قبيل ظهر ذلك اليوم. وقد اُعُتقل العشرات من دعائم ذلك النظام بعد الثورة، وطُردوا من مناصبهم أو اُحيلوا علي التقاعد...

                

وقُدّم الكثير منهم أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة التي تشكلت أساساً لهذا الغرض برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي، وصدرت بحقهم أحكام بالإعدام والسجن المؤبد أو لمدد طويلة.
وبعد ان ألغت حكومة الثورة نظام دعاوي العشائر، وعند إصدراها لـقانون الاصلاح الزراعي فقد حُرم الاقطاعيون وملاك الاراضي الشاسعة، من أراضيهم ومعظم ممتلكاتهم ونفوذهم، واضطر العديد ـ ممن ظلوا في قمة الثراء والجاه خلال العهد الملكي ـ الي ترك البقاع التي كانوا متنفّذين فيها طيلة عقود مضت تحت ضغط من الفلاحين الذين انضموا الي جمعيات واتحادات ذات مسميات مختلفة من تلك التي تسندها الدولة ومؤسساتها وبعض الأحزاب.
وعلي الرغم من عدم تنفيذ احكام الاعدام بشكل عام ـ إلاّ بحق عدد محدود من رجالات النظام الملكي ـ وإطلاق سراح المسجونين والمعتقلين منهم في عهد عبد الكريم قاسم نفسه، وعودة بعض النفوذ الي رؤساء العشائر عملياً بحكم تأصّل العادات والطبائع والأصول العشائرية في معظم مناطق العراق، الا ان الرجال الذين كانوا محسوبين علي العهد الملكي ظلوا حاقدين علي رجال الثورة، وفي مقدمتهم عبد السلام عارف بشكل او بآخر، ولما كان معظمهم من الاشخاص المحترمين وذوي ثقل اجتماعي ومثقفين عموماً، فقد تواصل تأثيرهم علي الشارع العراقي.
ولكن ولكونهم مرصودين، وبعضهم مراقبين، ولم يجمعهم اساساً حزب قوي او تنظيم ذي ثقل معين (1) فإنهم لم يكونوا قادرين علي التحرك بتأثير ملحوظ علي مجريات الامور حيال نظام الحكم القائم بشكل جدي.

              

الشيوعيون وأنصار عبد الكريم قاسم

أصبح الشيوعيون العراقيون قاب قوسين أو أدني من السيطرة علي الحكم في العراق خلال النصف الاول من عام 1959، ولولا المذابح البشعة التي اقترفوها او التي اقترفت باسمهم في كل من مدينة الموصل في آذار (مارس) 1959 بعد ثورة العقيد الشواف، وفي مدينة كركوك، أواسط شهر تموز (يوليو) من العام نفسه، فلربما استطاعوا نيل مأربهم.
وعلي الرغم من الضربة الموجعة التي سددها عبد الكريم قاسم اليهم بعد مذبحة كركوك، فإنهم وبعد انقضاء أشهر قلائل أعادوا تأثيرهم الملحوظ علي نظام الحكم القائم في حينه، ولحوالي ثلاث سنوات حتي نجاح ثورة (14 رمضان) 8 شباط (فبراير) 1963 التي أنهت دورهم في العراق بشكل شبه نهائي، وذلك بمقتل المئات منهم وتشريد الآخرين وتقديم أعداد غير يسيرة منهم امام المحاكم المختلفة وتنفيذ حكم الاعدام بالكثير منهم وتصفية آخرين جسدياً، واعتقال المئات وسجنهم وملاحقة الباقين دون هوادة.
ويضاف الي من تبقي من الشيوعيين، مؤيدو شخص وحكم عبد الكريم قاسم من الساسة وكبار العسكريين الذي انعدم او اضمحل نفوذهم بعد ثورة 14 رمضان، ناهيك عن نسبة كبيرة من الفقراء والمساكين وذوي الدخل المحدود الذين كانوا يرون في عبد الكريم قاسم منقذاً لهم وراعياً لمطالبهم في حينه.
ان هؤلاء واُولئك، وبعد حركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 وعلي الرغم من اطلاق سراح معظمهم من السجون والمعتقلات، لمجرد نشرهم اعلاناً في الصحف يعلنون براءتهم من المبادئ الشيوعية والفوضوية، فانهم بلا شك ظلوا يحقدون علي عبد السلام عارف، ولهم تأثيرات ملحوظة علي نفوس الكثير من العراقيين المحبين لشخص عبد الكريم قاسم وآرائه.

           
   
الاكراد

كانت الاغلبية من اكراد العراق خلال عقد الستينيات قد انحازت الي الحركة التي كان الملا مصطفي البارزاني يقودها منذ شهر تشرين الاول (اكتوبر) 1960، وقد تسبب القتال الذي زُجّ فيه معظم فرق الجيش العراقي وقوته الجوية في قتل الكثير من الاكراد وتشريد الآلاف من أهالي قري كردستان العراق وأريافها من مساكنهم، وحُرمُوا من ممتلكاتهم وبساتينهم وحقولهم واراضيهم.
وعلي الرغم من إعلان وقف هش لإطلاق النار في المناطق الكردية بعد حركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 مباشرة، الا ان التوتر بين الجانبين ظل قائماً، وذلك ما كان يؤلّب معظم الاكراد ـ ان لم نقل جميعهم ـ للتضادد مع عبد السلام عارف ونظام حكمه، ولا سيما بعد ان اندلع القتال مجدداً خلال شهر ايار )مايو) 1965.

            

البعثيون

شكل البعثيون قوة سياسية مؤثرة في الشارع العراقي منذ النصف الثاني من عقد الخمسينيات. ولكن صيتهم ذاع بشكل ملحوظ إثر مناهضتهم لحكم عبد الكريم قاسم ومقاومتهم للشيوعيين الذين خططوا للاستحواذ علي الحكم أواخر عام 1958 وأوائل عام 1959، حتي ارتبط اسم البعث بكل فئة او كتلة تناهض نظام عبد الكريم قاسم، وأمست الطبقة غير المثقفة من الشيوعيين بشكل خاص، ومناصرو ذلك النظام بشكل عام، يطلقون تسمية (بعثي) علي كل شخص يعارضهم، سواءً في صحفهم او هتافاتهم أو شعاراتهم أو أهازيجهم.
وعلي الرغم من مشاركة عدد غير قليل من ضباط الجيش والقوة الجوية من ذوي اتجاهات مختلفة ومن المنتمين الي أحزاب وفئات وتكتلات عديدة مناوئة لنظام حكم عبد الكريم قاسم، الا ان التخطيط لحركة 14 رمضان (8 شباط / فبراير) 1963 وقيادتها والدور الريادي فيها كان لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تسلّم الحكم وقاد الدولة عملياً طيلة تسعة اشهر، حتي حدثت خلافات كبيرة بين بعض أقطابه، وبشكل خاص بين جناحيه المدني والعسكري، وأدت الي انشقاق خطير بين صفوفه في اواسط شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، والذي كان ينذر باندلاع قتال في شوارع بغداد ومعسكراتها، واذ لم يوفق وفد حزب البعث الذي جاء من القطر السوري، في تحقيق مصالحة بين المختلفين من القياديين البعثيين العراقيين، فقد استثمر الرئيس عبد السلام عارف تلك الخلافات ليستقطب حوله عدداً من أصدقائه ومحبيه وبعض أقربائه ومقربيه، مستغلاً ذلك الانشقاق الذي وقع في قيادة حزب البعث منذ الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، وبمؤازرة كبري من لدن ضباط الكتلة القومية ذوي المناصب المهمة في دوائر وزارة الدفاع والقوات المسلحة، إضافة الي عدد من القادة العسكريين البعثيين من اصحاب المناصب العليا في النظام القائم نفسه، ليقوم صبيحة الثامن عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 بحركة انقلابية ناجحة وسريعة، ويسيطر علي الحكم.

                 

وبعد فترة وجيزة أبعد عبد السلام عارف القادة البعثيين الذين ساندوه في حركته تلك، بينما ابتعد آخرون عن التعاون معه، وحينها صفا الجو السياسي له ولضباط (الكتلة القومية)، فعلي الرغم من تعيين احمد حسن البكر رئيس الوزراء في حكومة البعث السابقة، نائباً لرئيس الجمهورية بعد الثامن عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، فإنه لم يمارس عمله في منصبه الجديد، بل أعلن اعتزاله للعمل السياسي في الثاني عشر من كانون الثاني (يناير) 1964 لينصرف الي اُمور عائلته (2).

                                  

اما زعيم (عميد) الجو الركن حردان عبد الغفار التكريتي الذي عيّن وزيراً للدفاع ونائباً للقائد العام للقوات المسلحة، فلم يبق في منصبه سوي شهرين، فقد حضر مع عبدالسلام عارف اجتماعات مؤتمر القمة العربي الاول التي عقدت في العاصمة المصرية خلال الفترة من (12 ـ 18) كانون الثاني (يناير) 1964، حيث افترق عنه في مطار القاهرة عند عودة الوفد العراقي الي بغداد بعد اختتام مؤتمر القمة متوجها الي لندن وإنقطعت أخباره، حتي صدور مرسوم جمهوري في الثالث عشر من آذار (مارس) 1964بتعيينه سفيراً في وزارة الخارجية وإعفاءه من منصبيه، فيما اُعفي المقدم الركن عبد الستار عبد اللطيف من منصب وزير المواصلات الذي شغله عقب حركة 18 تشرين الثاني، إذ تم تعيينه كذلك سفيراً في وزارة الخارجية.
اعتبر حزب البعث التحرك الذي قام به عبد السلام عارف ليس استغلالاً للظروف فحسب، بل غدراً وخيانة للعهد، واستحواذاً علي كرسي الحكم، وأنه علي الرغم من اطلاق سراح معظم الضباط والمدنيين البعثيين من المعتقلات بعد انقضاء عدة اشهر، الا انهم اُبعدوا عن المناصب الحساسة والصنوف المقاتلة في القوات المسلحة، من تلك التي قد يكون لها دور مؤثر في أية محاولة انقلابية وخصوصاً صنفي الدروع والقوة الجوية، حيث نقلوا الي مناطق نائية عن العاصمة بغداد ليعملوا بصفة ضباط مشاة في وحدات مقاتلة.
ولما كانت تنظيمات حزب البعث متغلغلة في القوات المسلحة والعديد من دوائر الدولة ومؤسساتها والمنظمات الجماهيرية والكليات والمعاهد، فإن نظام حكم عبد السلام عارف كان يحسب للبعثيين حساباً كبيراً وكان قلقاً من احتمال قيامهم بحركة انقلابية خطيرة. وكنت شخصياً أطلع ـ فضولاً ـ علي بعض التقارير اليومية او غيرها من تلك التي كانت ترفع الي رئيس الجمهورية من مدير الامن العام او مدير الاستخبارات العسكرية خلال تواجدي في غرفة التشريفات بالقصر الجمهوري في بعض الايام، إذ كان لنشاطات البعثيين في عموم البلد او القوات المسلحة حقل أكبر من باقي الاحزاب والفئات المعارضة للنظام.

                           

الكتلة القومية

كانت هذه الكتلة تؤيد سياسة الرئيس جمال عبد الناصر نصاً وروحاً، وتتوق بحرارة الي الوحدة الفورية او السريعة مع الجمهورية العربية المتحدة، وكان معظم أقطابها من بعض كبار الضباط ذوي المناصب المتقدمة في القوات المسلحة العراقية، ومن اللامعين والاذكياء والاوائل علي دوراتهم، سواءً لدي تخرجهم في الكلية العسكرية او كلية الاركان، وقد اشترك العديد منهم بدورات عسكرية لدي كليات عسكرية أجنبية، وشارك الكثير منهم في ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 فيما خطط معظمهم ـ إن لم نقل جميعهم ـ في ثورة 14 رمضان (8 شباط / فبراير) 1963 او آزروها فور وقوعها، وبذلك تبوّأوا مناصب مهمة نسبياً بعد نجاحها. كانت هذه الكتلة مؤثرة بشكل خاص علي الساحة السياسية والعسكرية العراقية، وذلك لتغلغل تنظيماتها في تشكيلات ووحدات القوات المسلحة وكثرة مؤيديها إثر تعاظم الشعور الايجابي في الشارع العراقي تجاه الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت حكومة البعث التي قادت الدولة خلال عام 1963 تحسب لها حساباً ملحوظا، خاصة وان أعضاء هذه الكتلة كانوا قريبين من عبد السلام عارف كونه يؤيد سياسة الرئيس عبد الناصر منذ عام 1958 وينادي بالوحدة الفورية مع (ج. ع. م) وبسبب ذلك اختلف مع عبد الكريم قاسم وحوكم وزُجّ به في السجن طيلة فترة قاربت ثلاث سنوات متتالية.
ولما حدث الانشقاق المعروف في صفوف بعض قادة حزب البعث الحاكم خلال النصف الاول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 ـ كما ذكرنا آنفا ـ فقد اعتمد عبد السلام عارف بشكل كبير علي هذه الكتلة للقيام بحركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) وتنفيذ تفاصيلها لتأمين السيطرة العسكرية علي مدينة بغداد وضواحيها ومدن العراق المهمة، وبحكم هذه المشاركة الفعالة، فقد تم تعيين قادة هذه الكتلة في مناصب عليا ذات أهمية قصوي لتأمين استقرار نظام الحكم.
وعلي إثر نصيحة جادة قدّمها الرئيس عبد الناصر الي الرئيس عبد السلام عارف خلال زيارة الأخير للقاهرة مطلع العام 1964، بضرورة اعتماد أي رئيس أو زعيم دولة علي كتلة من كبار ضباط القوات المسلحة تعاونه وتؤازره عند وقوع أية أزمة سياسية في بلده، وخصوصاً ان لم تكن الدولة مستقرة..

              

فقد طلب عبد السلام عارف من السيد صبحي عبد الحميد (3) شخصياً خلال شهر شباط (فبراير) 1964 الإبقاء علي (الكتلة القومية) التي تألفت قيادتها من السادة الآتية أسماؤهم:

العميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الثقافة والإرشاد، وعميد الجو الركن عارف عبد الرزاق قائد القوة الجوية، والعميد الركن محمد مجيد معاون رئيس أركان الجيش، والعميد نهاد فخري مدير مخابرة الجيش، والعقيد الركن صبحي عبد الحميد وزير الخارجية ثم الداخلية، والعميد الركن محمد خالد آمر اللواء المدرع السادس في معسكرالتاجي، والعقيد الركن عرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية، والعقيد الركن هادي خماس مدير الاستخبارات العسكرية، والعقيد الركن فيصل شرهان العرس مدير التدريب العسكري، والعقيد الركن عدنان أيوب صبري سكرتير رئيس أركان الجيش، والمقدم الركن رشيد محسن مدير الامن العام، والمقدم الركن فاروق صبري عبد القادر معاون مدير الاستخبارات العسكرية.
وكان أكثر من مائتي ضابط شاب برتب مختلفة ومناصب متنوعة يتبعون هذه الكتلة، وهم موزعون ضمن تنظيمات وخلايا علي تشكيلات ووحدات الجيش والقوات المسلحة.
وإضافة الي تلك المناصب المهمة التي تسنمها قادة هذا التنظيم، فقد كان العديد منهم أعضاء دائمين في المجلس الوطني لقيادة الثورة الذي تشكل خلال شهر نيسان (ابريل) 1964 ليمثل أعلي سلطة تشريعية في العراق وحتي أيلول (سبتمبر) 1965. وقد ظلت هذه الكتلة طيلة عام 1964 الفئة السياسية والعسكرية المؤثرة الاكبر التي تؤازر حكم عبد السلام عارف دون منازع. وقد قوي مركزها بعد انبثاق الاتحاد الاشتراكي العربي الذي تأسست تنظيماته الاساسية علي يد هذه الكتلة. وتضاعف نفوذه بإسناد الرئيس جمال عبد الناصر له معنوياً، إضافة الي احتمالات تحقيق الوحدة مع (ج. ع. م) كما كان يبدو علي السطح آنذاك.
ولكن الامور كانت علي غير ذلك في الخفاء ووراء الكواليس، فقد اختلفت الكتلة القومية مع الرئيس عبد السلام عارف، وأدي تفاقم المشاكل بين الطرفين الي تقديم اثنين من أبرز قادتها استقالتيهما من منصبيهما الوزاريين أواسط عام 1965، والتي قادت الي أزمة وزارية حادة أدت الي نقطة اللاعودة، وقيام الكتلة بمحاولة انقلابية أواسط شهر أيلول (سبتمبر) 1965.
ومن ضمن قادة الكتلة من الاعضاء الدائمين في المجلس الوطني لقيادة الثورة من ذوي التأثير والنفوذ في أمور الدولة والمجلس علي السواء وقراراتهما المهمة كان الخماسي المؤلف من:

         

عبد الكريم فرحان، عارف عبد الرزاق، محمد مجيد، صبحي عبد الحميد، وهادي خماس، اُولئك الذي أطلق عليهم الرئيس عبد السلام تسمية )الشركة الخماسية )علي سبيل المزاح) (4).
وقد تسببت تلك الخلافات والأزمات في خسارة عبد السلام عارف أكبر وأخطر فئة سياسية وعسكرية آزرته بقوة حوالي سنتين من حكمه، بل وكسب عدائها الذي أدي الي قيام الكتلة بأخطر محاولة انقلابية تعرض لها أثناء عهده.
كان السيد صبحي عبد الحميد الزعيم الفعلي للكتلة المذكورة، حتي أمست التسمية المشاعة لها في عموم الشارع العراقي والقوات المسلحة )كتلة صبحي عبد الحميد)، لكن السيد عبد الحميد نفسه لم يكن يرضي بذلك، ولم يكن مقتنعاً أصلا بانتخاب رئيس يتزعم الكتلة لإيمانه المبدئي بالقيادة الجماعية، وكان يؤيده في ذلك عبد الكريم فرحان، ولكن قيادة التنظيم قررت أخيرا انتخاب رئيس لها حيث اجتمعت في كانون الاول (ديسمبر) 1964 وإنتخبت عميد الجو الركن عارف عبد الرزاق رئيساً لها.
كانت هذه الكتلة تعتبر نفسها وهي علي حق في ذلك، أنها هي التي أوصلت عبد السلام محمد عارف الي سدة الحكم الحقيقي من خلال دور اعضائها في ثورة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، بعد أن ظل مجرد رئيس جمهورية بالاسم خلال حكم حزب البعث في فترة شباط (فبراير) 1963 .

مؤيدو الرئيس عبد السلام عارف

يبدو من مجريات الاحداث وتطورات الامور، بعد نجاح حركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 أن عبد السلام محمد عارف لم يشأ أن يكتفي بمؤازرة الكتلة القومية له كتنظيم سياسي ـ عسكري وحيد يمكن أن يتحكم في امور الدولة، لذلك فقد أوعز شخصياً الي قادة آخرين بتأسيس كتل عسكرية ـ سياسية ضمن تشكيلات القوات المسلحة تعتمد الولاءات الشخصية أوالعشائرية أو الإقليمية العراقية.. فكان من ضمنها خلال عام 1964 أن تم تأليف:

          

ـ كتلة شقيقه اللواء عبد الرحمن عارف وكان يشغل منصب رئيس أركان الجيش وكالة (5)، وقد ضمت كلاً من المقدم الركن عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية والمقدم إبراهيم عبد الرحمن الداود آمر فوج الحرس الجمهوري الثاني، وذلك قبل أن ينتقل ولاؤهما الي العميد الركن عبد الغني محمد سعيد الراوي قائد الفرقة الرابعة الذي عين وزيراً للزراعة في السادس عشر من آذار (مارس) 1964 ثم سفيراً في وزارة الخارجية في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وقد اعتمدت هذه الكتلة ضباطاً ينتمون الي منطقة الدليم (6) ويرتبط أحدهم بالآخر بصلات عشائرية أو مناطقية.
ـ كتلة العقيد الركن بشير عبد الرزاق الطالب، الذي شغل منصب آمر لواء الحرس الجمهوري طيلة عهد عبد السلام عارف وقد اعتمدت علي ضباط ينتمون الي لواء الموصل (محافظة نينوي) حالياً، وهي التي تشكلت أساساً إبان عهد عبد الكريم قاسم عندما اجتمع العديد من الضباط الموصليين واقسموا اليمين علي الانتقام من الشيوعيين الذين استباحوا مدينتهم إثر فشل ثورة الشواف في الثامن من آذار (مارس) 1959 إذ أمر عبد السلام عارف بإعادة تنظيم هذه الكتلة عام 1964، وقد ظل ولاؤها لشخص اللواء الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع لاحقا في حكومة السيد عبد الرحمن البزاز، واعتبرته الأب الروحي لها.

                            

ـ كتلة العميد سعيد صليبي، عضو المجلس الوطني لقيادة الثورة وقائد موقع بغداد وآمر الانضباط العسكري، وقد ضمت هذه الكتلة عددا من أصدقاء سعيد صليبي الشخصيين من الضباط الذين انشقوا علي حزب البعث عقب 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 .
ولكن الكتل الثلاث المذكورة لم تكن لها قواعد شعبية، وربما لم تؤسس لها خلايا في عموم تشكيلات ووحدات الجيش والقوات المسلحة، إنما اعتمدت علي أشخاص ذوي نفوذ ومناصب عسكرية مؤثرة داخل بغداد وضواحيها، ولكن ربما كان تحركها في السيطرة علي العاصمة بغداد في أواسط أيلول (سبتمبر) 1965، قد أسهم في افشال المحاولة الانقلابية التي قامت بها الكتلة القومية بقيادة عارف عبد الرزاق.

                    


هوامش

(1) حاول عدد من مؤيدي الحكم الملكي تشكيل تنظيم لهم، وقد فاتحني بعضهم ومعي الملازم المظلي عصمت صابر عمر خلال عام 1965 كي ننضم الي خلية سرية تخطط لقلب النظام الجمهوري واعادة الملكية للعراق، وقد رفضت ذلك بهدوء ولم أخبر أي جهة بالأمر.
(2) أعلن السيد أحمد حسن البكر اعتزاله العمل السياسي والانصراف الي شؤونه العائلية في رسالة مقتضبة كتبها بخط يده ونشرتها الصحف العراقية في الثاني عشر من كانون الثاني (يناير) 1964.
(3) صبحي عبد الحميد.. وزيرالداخلية والخارجية.
(4) الشركة الخماسية نسبة الي دمج خمس شركات سورية في شركة واحدة ايام الوحدة مع مصر، واطلق الرئيس عبد السلام هذا الوصف علي المجموعة التي ضمت المسؤولين الخمسة، حيث كان اعضاؤها يتكاتفون في ما بينهم خلال اجتماعات المجلس الوطني.
(5) ظل اللواء عبد الرحمن محمد عارف يشغل منصب رئيس اركان الجيش وكالة لكونه لم يتخرج من كلية الاركان.
(6) المقصود بمنطقة الدليم محافظة الانبار حاليا، ومركزها الرمادي.

للراغبين الأطلاع على الحلقة الخامسة:

http://www.algardenia.com/fereboaliraq/7216-2013-11-09-21-17-41.html

   

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

986 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع