متى عزف السلام الملكي العراقي لأول مرة ؟

    

                                                                                                    

                           إعداد:الگاردينيا

  

لماْ كان لكل دولة (ملكية أو جمهورية) نشيد وطني يعزف في المناسبات الرسمية، رأت الحكومة العراقية عند تشكيل الحكومة الوطنية (الحكم الوطني) في العراق ضرورة وضع (سلام ملكي عراقي) أسوة بدول العالم..

ولذلك أعلنت في عام 1924 عن مسابقة حول هذا الموضوع وخصصت لها جائزة نقدية لمن يفوز بتلك المسابقة.. وقد اشترك في هذه المسابقة عدد من الموسيقيين الأجانب وبنتيجة هذه المسابقة فاز (السلام الملكي) الذي وضعه (الميجر. جي. آر. موري) أحد ضباط الجيش البريطاني.. وقد عزف هذا السلام لأول مرة جوق الحرس الملكي في مجلس الأمة وفي البلاط الملكي ومقر وزارة الدفاع. ومما تجدر ملاحظته في هذا الخصوص هو ان السلام الملكي العراقي بخلاف الأناشيد الوطنية في الدول الأخرى لا تصاحبه كلمات تنشد أثناء العزف.

       


وقد حاول أحد الشعراء أن ينظم أبياتاً من الشعر تسير مع نوطة السلام الملكي ولكن ذلك لم يكن بصورة رسمية. ويعزف السلام الملكي لجلالة الملك وسمو ولي العهد والعائلة المالكة وفي تقديم أوراق الاعتماد في البلاط الملكي العامر وفي الألوية لممثل جلالة الملك، ويعزف كذلك في الحفلات الرسمية من قبل الجوق الموسيقي الذي تأسس مبدئياً من جوقي بغداد والموصل وكان أحدهما (wood - wind band) والآخر (brass band) وقد كان الجوقان معاً في الموصل ولاسيما (جوق الحرس الملكي) بقيادة البريطاني المدعو (كول فيلد) وكان ذلك عام 1923 قبل وضع السلام الملكي.. وبعد ان أقر السلام الملكي نقل الجوق من الموصل الى بغداد عام 1924.. وبعد ان جرى تدريب جوق الموصل تدريباً جيداً عاد الى الموصل سنة 1935.

              

وقد اهتم المرحوم طه باشا الهاشمي بأمر موسيقى وزارة الدفاع فأوفد سنة 1935 الأستاذ (البير شنو) الى انكلترا حيث قضى فيها أربع سنوات. ولما عاد عيّن مديراً لموسيقى الجيش العراقي عام 1939.

ثم أوفد كل من العريف الموسيقي سعيد قاسم (الذي رقيّ بعد ذلك ليصل الى رتبة ـ عقيد موسيقي ـ ورئيس عرفاء السرية الموسيقي ناصر ابراهيم الى القاهرة في عام 1935 وبعد سنة من التدريب عادا حيث تم تشكيل الجوق الموسيقي للفرقة الثانية.. وجوق الفرقة الأولى.

وفي سنة 1948 افتتحت مديرية تدريب الموسيقى للتدريب من خلال دورات لاخراج جنود موسيقيين وتم تنسيق الأجواء وجعلها تحمل اسم (الموسيقى العسكرية).. وفي عام 1949 تم تشكيل جوق الموسيقى للفرقة الثالثة،وهكذا سارت الفرق والفيالق بتأسيس فرق موسيقية خاصة بها ودخل مديرية تدريب الموسيقى الأساتذة والخريجون من المعاهد والمراكز الموسيقية.

ملاحظة: الشاعر العراقي الذي نظم ما يأتي ربما يمكن انشادها أثناء عزف السلام الملكي فهو:

دم يا شريف الحسب، يا كريم النسب يا خير ملك في الوجود فيصل فيصل أنت نبراس لنا دُم لتحقيق المنى وارجع لنا عهد الجدود فيْصل..

  

في تلك الحَقبة من تاريخ العراق الحديث، كان لزاماً إفتتاح جميع الفعاليات بالسلام الملكي، الأمر الذي يستوجب وقوف الناس إحتراماً. على سبيل المثال، كانت دور السينما تعرض فلماً يُظهر ملك البلاد (في زمننا كان الملك فيصل الثاني) ومن خلفه العلَم العراقي مرفرفاً، على صوت الأسطوانة القرصية (الفونوغرافية) المسجَّل عليها موسيقى السلام.

  

بقي هذا السلام معتمَداَ طوال العهد الملكي حتى سقوطه صبيحة الرابع عشر من تموز سنة 1958، فسقطت معه كافة المسمَّيات والرموز الملكية في العراق. مسلسل المتغيرات السياسية في العراق بطبيعة الحال، عند حدوث انقلابٍ أو تغيير نظام الحكم في البلاد، كما في مسلسل المتغيرات الناجمة عن الإنقلابات والثورات المتتابعة، يأتي العهد الجديد بالرموز الجديدة التي يريدها تعبيراً عن سيادة الوطن، وهكذا كان الأمر مع كلٍّ من النشيد الوطني والعلم العراقي بشكلٍ أكثر بروزاً من بين كل المتغيرات، كونهما ملازمَيْن للحدَث اليومي للشعب والبلاد. السلام الجمهوري (ثورة 14 تموز 1958) في العهد الجمهوري، تقرر إلغاء العلَم والسلام الملكيين، واستبدالهما برمزَين جديدَين للجمهورية العراقية. بقدر تعلق الأمر بالسلام الجمهوري العراقي، هكذا صار إسمه، كان الموسيقي العراقي الراحل (لويس زنبقة) من خريجي قسم الموسيقى الهوائية في معهد الفنون الجميلة أواسط الخمسينيات، يواصل دراساته الموسيقية في العاصمة النمساوية (فيينا) عند قيام ثورة 14 تموز، فبادر هناك إلى وضع لحن للسلام الجمهوري، وتدوينه موزَّعاً على جميع أقسام (آلات) جوق الموسيقى الهوائية وتسجيله من قبل جوق موسيقي نمساوي؛ قدَّمه مرفَقاً برسالة منه إلى الزعيم عبد الكريم قاسم، قائد الثورة، عِبر سفارة العراق في فيينا، شارحاً فيها الأفكار والمضامين التي إعتمدَها في صياغة اللحن، وهو بشكل مارش المسير (Marsh). وبهذا تقرر اعتماده سلاماً وطنياً للجمهورية العراقية. (المدونة الموسيقية في الشكل رقم2 ). نبذة عن الأناشيد الوطنية في العراق لعلّي هنا أستدرك لأدير دفَّة الموضوع إلى سالف الأيام عند تأسيس الدولة في العراق الحديث، المملكة العراقية في عام 1921، كي نأخذ منها قبسَ ضوءٍ نمنح من خلاله القاريء فرصة التعرف إلى نشيد موطني.

               

إنتشرت الأناشيد (القومية) في بلاد {الهلال الخصيب} الذي يشمل بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) والعراق، فصار النشيد بمثابة جسرٍ يربط بين شعوب هذه البلدان، لتدفع في النفوس حميَّة التحرر لنيل استقلال البلد من السيطرة الأجنبية السائدة آنذاك.

 

في العراق، وهو موضوع بحثنا، كان النشيد الوطني منتشراً بين صفوف الشبيبة من الطلبة وفصائل الحركة الكشفية، على يد روّاد عراقيين، كان في المقدمة منهم (الموسيقار حنا بطرس) بصفته المسؤول الموسيقي في الهيئة القائدة للحركة الكشفية، ومسؤولاً عن جوقها الموسيقي. فلحَّن مجموعةً كبيرة من الأناشيد لأبرز الشعراء العراقيين والعرب آنذاك، نذكر من بينها: - محمد باقر الشبيبي، في عدد من الأناشيد الملكية، منها النشيد القومي الملكي، الذي يقول مطلعُه:

التاجَ ظفرناهُ – والعرضَ أقمناهُ والحُكمُ لنا شورى – قد أصبح دُستورا - صادق الأعرجي، من بين أبرز أناشيده نشيد ذكرى المولد الملكي، يقول مطلعه: يا مليك دولتنا – أنت دولة العرب يا سليلَ سادتنا – أنت سؤدَد العرب

أما خليل مردَم، فاشتهر بنشيده (حماة الديار) الذي يقول مطلعه:

حماة الديار عليكم سلامُ أبَت أنْ تذلَّ النفوس الكرامُ

ولفخري البارودي نشيد (نحن طلاّب المعالي) يقول مطلعه:

نحن طلاب المعالي نحن جندُ العرب حين نمشي لا نبالي بالأذى والنُوَبِ.

وقامت الفصائل المذكورة بإنشادها على وقع الطبول ونفير الأبواق وهي تهدر أثناء خط مسيرها عبر شوارع بغداد، وجماهير الشعب تتابع مواكب المسير وتسهم في ترديد النشيد. في عام 1936، شهدت بغداد تأسيس إذاعتين، هما:

محطة بغداد للإذاعة اللاسلكية (هكذا كان اسمها الرسمي)..

     

وإذاعة قصر الزهور، التي عملت تحت توجيه وإشراف الملك غازي الأول، اختصت حصراً بالدفاع عن القضايا الوطنية والقومية، حيث عمل فيها حنا بطرس مشرفاً للموسيقى والنشيد، فكانت تقدَّم الأناشيد القومية الملحَّنة من قبله وبإشرافه شخصياً، وكان المنشدون من طلبة المعهد الموسيقي ببغداد (المؤسَّس في نفس عام) وفصائل الفتوة والكشافة.

        

السلام الجمهوري (ثورة 14 تموز1958 ) في العهد الجمهوري، تقرر إلغاء العلَم والسلام الملكيين، واستبدالهما برمزَين جديدَين للجمهورية العراقية.
إستمر هذا النشيد بعد قيام ثورة 17 تموز عام 1968، لغاية عام 1981 حين تقررت إقامة مسابقة لتلحين النشيد الوطني الجديد للشاعر شفيق الكمالي، تولَّت دائرة الفنون الموسيقية بوزارة الإعلام تسجيل كافة المشاركات الموسيقية للفنانين العراقيين ومن ثم الاستماع إليها من قبل لجنة متخصصة، قامت بوضع الدرجات التقويمية لكل منها. رجحَّت النتائج مشاركتَين لضابطَين من الموسيقى العسكرية هما عبد السلام جميل فرنسو وعبد الرزاق العزاوي، بحكم اختصاصهما المهني/الفنّي بمثل هذا النوع من الموسيقى. لكن لعبةً جرت في الخفاء تمثلت بتكليف الموسيقي اللبناني وليد غلمية، حين كان متعاقداً مع حكومة العراق لتأليف أعمال موسيقية وتلحين أناشيد قومية.

فقام غلمية بوضع لحن له، تم تسجيله من قبل أوركسترا يونانية ومن ثم اعتماده عام 1981 بمرسوم جمهوري. يقول مطلع النشيد:

وطنٌ مدَّ على الأفقِ جناحــا وارتدى مجد الحضارات وشاحا بوركَت أرض الفراتين وطن عبقري المجد عزماً وســماحا.

أما اللحن فقد كان بالصيغة المعتادة في الأناشيد المدرسية، مفتقراً إلى المواصفات الفنية الخاصة بالسلام الوطني (الملكي أو الجمهوري). قد تكون كثرة أبيات القصيدة المغناة وطولها سبباً، الأمر الذي تطلَّب قيام مدير الموسيقى العسكرية العراقية ومعاونه بالسفر إيفاداً إلى إنكلترا لإعادة صياغة اللحن كي يلائم البنية الفنية لأجواق الموسيقى العسكرية التي تتولى في العادة أداء السلام الوطني. تم تسجيل لحن النشيد من قبل جوق بريطاني.

مرحلة تغيير نظام الحكم في العراق

بعد سقاط  نظام الحكم العراقي عام 2003، أخذت بعض الإجتهادات «العاطفية» تدعو لاعتماد نشيد (موطني) الذي كان يُنشَد فترة الثلاثينيات حتى الخمسينات، سلاماً ونشيداً وطنياً للعراق. لما للنشيد من وقعٍ في نفوس العراقيين. كما قيل بأن الهيئة الحاكمة في البلاد تروم تغيير النشيد الوطني والعلم العراقي. وقيل أيضاً بأن ثمة لجنة تم تشكيلها لوضع الأفكار المطلوبة حول إختيار النشيد المزمَع ترشيحه نشيداً (سلاماً) وطنياً لدولة العراق. لكن الأمور ظلَّت طي الكتمان، اكتنفها الصَمْت. ومن بين ما طُرحَ على الساحة، نشيد موطني باعتباره، كما أسلفنا، من بين أبرز الأناشيد الوطنية والقومية التي تغنَّت بها حناجر الشعب إبّان استقلال العراق وتأسيس دولته الدستورية مطلع القرن العشرين المنصرم.

ومن الأناشيد البارزة التي ظلت مدارس العراق تنشدهل في الطابور الصباحي كل يوم نشيد الفتوة

لاحت رؤوس الحراب.. هيا فتوة للجهاد

الذي انتشر مع ثورة مايس 1941وبرز كذلك من بينها نشيد (موطني). تحليل نشيد موطني حين نقرأ كلمات النشيد نستشعر نبرَ إيقاع كلماتِه الواضح، وتتكشف أمامنا الوحدة الإيقاعية: أما اللحن فقد بُنيَ على إيقاع المسير الثنائي (بمعنى واحد اثنان) كما موضح في المدوَّنة الموسيقية المعروضة هنا ضمن مقالنا هذا.
موطني موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رُباك في رُباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك في هواك
هل أراك: سالماً منَعَّماً غانماً مكرَّمـاً ..


نشيد لاحت رؤوس الحراب ..هيا فتوة للجهاد


http://www.youtube.com/watch?v=cObgKlC6SdM


نشيد موطني

http://www.youtube.com/watch?v=jfUO_Tsn5PA

        

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع